” شويه سيكولوجي 14 ”
د. طيفور البيلي
30 September, 2021
30 September, 2021
ماهية الإدراك
The Essence of “Perception”
خطير جداً يا صديقي هذا "الإدراك" ، فهو المسؤول الأول والأخير عن كل استجاباتنا السلوكية الصحيحة .. وكذلك هو المسؤول عن كل استجاباتنا السلوكية الخاطئة .. أبو عرام يعني !!
وخلينا بداية نقول إن السلوك Behavior كما يعرفه دارسو علم النفس بأنه " كل ما يصدر عن الانسان من نشاط ، سواء أن كان نشاطاً ظاهراً يراه الآخرون ؛ أو باطناً كالتفكير والأحلام مثلاً " .. والواقع أن سلوكنا أياً كان نوعه أو شكله إنما هو مفرد ومجمل استجاباتنا للمثيرات التي نتلقاها أو نتعرض لها عبر أجهزة الحس لدينا ، وطلاب المستوى الأول من علم النفس يعرفون جيداً معادلة أصحاب النظرية السلوكية التي تنص على ان المثير يؤدي إلى استجابة (S → R) وأن سلوكنا هو مجموع استجابتنا للمثيرات .. أما "الادراك Perception" فيعرفه السيكولوجيون باعتباره " إعطاء معنى أو تفسير أو فهم للمثيرات التي يتعرض لها الفرد". ولكن هناك عملية سابقة ولازمة للإدراك هي عملية "الانتباه Attention " Once you attend , you perceive ، وكلما كانت درجة الانتباه عالية اتيحت فرصة أكبر للإدراك أن يحدث .. ولكن علو درجة الانتباه لا يعني بالضرورة صحة أو خطأ الإدراك (التفسير والفهم هو الأساس) فكل من الصواب والخطأ وارد. وكمثال بسيط : إذا أتي شخص ما مسرعاً بسيارته من خلف سيارتك ، وتجاوزك مسرعاً .. أكيد انتبهت إلى ذلك فالحواس تكون في جاهزية عالية أثناء القيادة (خاصة في شوارع الخرطوم) .. ربما تفسر ذلك (إدراك) بأن هذا الشخص مستهتر وغير مسؤول ولا يستحق رخصة القيادة التي يقود بموجبها ، ومن ثم تبدأ في الشتم والنبذ بالعبارات المعروفة في هذه الحالات (استجابة /سلوك) .. ولكن أيضاً ربما قد تفسر سلوك هذا الشخص بأنه قد اضطر اليه لسبب طارئ أو عاجل أو خطير ، وربما قد تدعو له بالتوفيق. ويمكن لنا القول بأن الإدراك هو المسؤول الأول عن نوعية استجاباتنا لسلوكيات الآخرين والمثيرات من حولنا سواء كانت استجاباتنا صحيحة أو خاطئة. ولا بد لنا أن نشير إلى أن الإدراك (صحيحاً كان أم خاطئاً) يتأثر بالعديد من العوامل مثل مستوى القدرة العقلية للفرد ؛ شخصية الفرد Personality ؛ مفهوم الذات Self-Concept ؛ اتجاهات الفرد Attitudes ؛ الحالة المزاجية Mood ؛ حاجات الفرد Needs ؛ الخبرات السابقة Past experiences ؛ الإدراكات السابقة للإدراك الحالي Previous perceptions ؛ إلخ .. والسيكولوجيون ينظرون إلى عملية الإدراك باعتبارها مكونة تسلسلياً من : استقبال المثير عبر أجهزة الحس Receiving ، الاختيار Selecting ، الترتيب Organizing ، التفسير والفهم Interpreting ، التأكد Checking ، ثم الاستجابة للمثيرات الحسية أو البيانات Responding to Sensory Stimuli or Data. وبالتالي تكون عملية الإدراك عملية معرفية وسيطة Mediating Cognitive Process ، وعليه يمكن لنا اعتبار أن الإحساس بالمثيرات عملية فيزيائية وفسيولوجية Physical/Physiological ، بينما الإدراك عملية نفسية Psychological. وتجب الإشارة هنا إلى أنه ليست كل الاحساسات Sensations تؤدي إلى إدراك .. فنحن غالباً ما نسجل إدراكاً لمثيرات تظل ثابتة في بيئتنا عبر الزمن ، فمثلاً نحن لا نسجل إدراكاً لتكتكات ساعة الحائط المعلقة في صالوننا منذ زمن طويل على الرغم من انها تواصل ليل نهار في إصدار هذه الأصوات ، ويسمى ذلك بالـ Sensory Adaptation ، ويرتبط ذلك أيضاً بما يسمى الانتباه الاختياري Selective Attention فنحن لدينا القدرة على الانتباه لمثيرات دون غيرها اخياراً.
وبالنسبة للسيكولوجيين ، فإنهم في دراستهم للإدراك فإنهم يقسمونه إلى نوعين من العمليات: النوع الأول Bottom to Top Processing وتشير الى حقيقة أن الإدراك مبني على مدخلات حسية Sensory Input ؛ والنوع الثاني Top Down Processing وتشير إلى كيفية تفسير هذه الاحساسات وإعطاءها معنى وفقاً للعوامل والمؤثرات التي ذكرناها سابقاً.
طيب .. الدرس المستفاد لنا جميعاً هو أن استجاباتنا السلوكية للمثيرات من حولنا واستجاباتنا للآخرين أياً كانت محكومة دوماً بصحة أو خطأ أو قصور إدراكنا لهذه المثيرات أو سلوك الآخر تجاهنا .. وربما إذا ما اتحنا الفرصة بالانتباه الفاحص والمتأني لإدراك متكامل وصحيح قد نتجنب كثيراً من الاختلافات مع من هم حولنا ، وكثيرا ما يكونون قريبون جداً منا ..
وبالنسبة لدارسوا علم النفس ، أرجو أن يكونوا قد انتبهوا إلى أن غالبية طرق العلاج النفسي Psychotherapies إنما تهدف لمعالجة العديد من مشكلات العملاء بمحاولة تعديل إدراكاتهم لأنفسهم، وسلوكياتهم وإدراكاتهم للآخرين وسلوكياتهم .. والله أعلم ..
طيفور البيلي
--
Dr. Tayfour S. Albeely
talbeely@gmail.com
The Essence of “Perception”
خطير جداً يا صديقي هذا "الإدراك" ، فهو المسؤول الأول والأخير عن كل استجاباتنا السلوكية الصحيحة .. وكذلك هو المسؤول عن كل استجاباتنا السلوكية الخاطئة .. أبو عرام يعني !!
وخلينا بداية نقول إن السلوك Behavior كما يعرفه دارسو علم النفس بأنه " كل ما يصدر عن الانسان من نشاط ، سواء أن كان نشاطاً ظاهراً يراه الآخرون ؛ أو باطناً كالتفكير والأحلام مثلاً " .. والواقع أن سلوكنا أياً كان نوعه أو شكله إنما هو مفرد ومجمل استجاباتنا للمثيرات التي نتلقاها أو نتعرض لها عبر أجهزة الحس لدينا ، وطلاب المستوى الأول من علم النفس يعرفون جيداً معادلة أصحاب النظرية السلوكية التي تنص على ان المثير يؤدي إلى استجابة (S → R) وأن سلوكنا هو مجموع استجابتنا للمثيرات .. أما "الادراك Perception" فيعرفه السيكولوجيون باعتباره " إعطاء معنى أو تفسير أو فهم للمثيرات التي يتعرض لها الفرد". ولكن هناك عملية سابقة ولازمة للإدراك هي عملية "الانتباه Attention " Once you attend , you perceive ، وكلما كانت درجة الانتباه عالية اتيحت فرصة أكبر للإدراك أن يحدث .. ولكن علو درجة الانتباه لا يعني بالضرورة صحة أو خطأ الإدراك (التفسير والفهم هو الأساس) فكل من الصواب والخطأ وارد. وكمثال بسيط : إذا أتي شخص ما مسرعاً بسيارته من خلف سيارتك ، وتجاوزك مسرعاً .. أكيد انتبهت إلى ذلك فالحواس تكون في جاهزية عالية أثناء القيادة (خاصة في شوارع الخرطوم) .. ربما تفسر ذلك (إدراك) بأن هذا الشخص مستهتر وغير مسؤول ولا يستحق رخصة القيادة التي يقود بموجبها ، ومن ثم تبدأ في الشتم والنبذ بالعبارات المعروفة في هذه الحالات (استجابة /سلوك) .. ولكن أيضاً ربما قد تفسر سلوك هذا الشخص بأنه قد اضطر اليه لسبب طارئ أو عاجل أو خطير ، وربما قد تدعو له بالتوفيق. ويمكن لنا القول بأن الإدراك هو المسؤول الأول عن نوعية استجاباتنا لسلوكيات الآخرين والمثيرات من حولنا سواء كانت استجاباتنا صحيحة أو خاطئة. ولا بد لنا أن نشير إلى أن الإدراك (صحيحاً كان أم خاطئاً) يتأثر بالعديد من العوامل مثل مستوى القدرة العقلية للفرد ؛ شخصية الفرد Personality ؛ مفهوم الذات Self-Concept ؛ اتجاهات الفرد Attitudes ؛ الحالة المزاجية Mood ؛ حاجات الفرد Needs ؛ الخبرات السابقة Past experiences ؛ الإدراكات السابقة للإدراك الحالي Previous perceptions ؛ إلخ .. والسيكولوجيون ينظرون إلى عملية الإدراك باعتبارها مكونة تسلسلياً من : استقبال المثير عبر أجهزة الحس Receiving ، الاختيار Selecting ، الترتيب Organizing ، التفسير والفهم Interpreting ، التأكد Checking ، ثم الاستجابة للمثيرات الحسية أو البيانات Responding to Sensory Stimuli or Data. وبالتالي تكون عملية الإدراك عملية معرفية وسيطة Mediating Cognitive Process ، وعليه يمكن لنا اعتبار أن الإحساس بالمثيرات عملية فيزيائية وفسيولوجية Physical/Physiological ، بينما الإدراك عملية نفسية Psychological. وتجب الإشارة هنا إلى أنه ليست كل الاحساسات Sensations تؤدي إلى إدراك .. فنحن غالباً ما نسجل إدراكاً لمثيرات تظل ثابتة في بيئتنا عبر الزمن ، فمثلاً نحن لا نسجل إدراكاً لتكتكات ساعة الحائط المعلقة في صالوننا منذ زمن طويل على الرغم من انها تواصل ليل نهار في إصدار هذه الأصوات ، ويسمى ذلك بالـ Sensory Adaptation ، ويرتبط ذلك أيضاً بما يسمى الانتباه الاختياري Selective Attention فنحن لدينا القدرة على الانتباه لمثيرات دون غيرها اخياراً.
وبالنسبة للسيكولوجيين ، فإنهم في دراستهم للإدراك فإنهم يقسمونه إلى نوعين من العمليات: النوع الأول Bottom to Top Processing وتشير الى حقيقة أن الإدراك مبني على مدخلات حسية Sensory Input ؛ والنوع الثاني Top Down Processing وتشير إلى كيفية تفسير هذه الاحساسات وإعطاءها معنى وفقاً للعوامل والمؤثرات التي ذكرناها سابقاً.
طيب .. الدرس المستفاد لنا جميعاً هو أن استجاباتنا السلوكية للمثيرات من حولنا واستجاباتنا للآخرين أياً كانت محكومة دوماً بصحة أو خطأ أو قصور إدراكنا لهذه المثيرات أو سلوك الآخر تجاهنا .. وربما إذا ما اتحنا الفرصة بالانتباه الفاحص والمتأني لإدراك متكامل وصحيح قد نتجنب كثيراً من الاختلافات مع من هم حولنا ، وكثيرا ما يكونون قريبون جداً منا ..
وبالنسبة لدارسوا علم النفس ، أرجو أن يكونوا قد انتبهوا إلى أن غالبية طرق العلاج النفسي Psychotherapies إنما تهدف لمعالجة العديد من مشكلات العملاء بمحاولة تعديل إدراكاتهم لأنفسهم، وسلوكياتهم وإدراكاتهم للآخرين وسلوكياتهم .. والله أعلم ..
طيفور البيلي
--
Dr. Tayfour S. Albeely
talbeely@gmail.com