عفوا أيها الرئيس … بقلم: حسن احمدالحسن /واشنطن
الوقائع على الأرض وتطورات الأحداث اليومية والتصريحات والخطط والوفود التي تصل الخرطوم وتغادرها، حتى زيارة السيناتور كيري الأخيرة وما حملته، كل ذلك يقول إن الحديث عن الوحدة وتشكيل لجان قومية وحملات وطنية للحفاظ عليها ليس له معنى، بقدر ما إنه مضيعة للوقت وتشتيت للجهود وتبديد للموارد في الزمن الخطأ، فقد سبق السيف العزل.
بل إن الأجدى والأنفع أن توظف كل هذه الجهود في معالجة المشكلات والأخطار التي ستنجم عن الانفصال كأمر واقع وتداعياته على مستوى تسوية القضايا الحدودية بحجم ألفين من الأميال، وفي مقدمة ذلك القضية المركزية «أبيي».
وهناك قضايا لا تقل تعقيدا، بدءا من الجنسية والمواطنة والديون وتنظيم العلاقات في مناطق التماس وتكييف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من مئات المشكلات التي سيخلفها الانفصال، والتي تحتاج إلى لجان وطنية كاملة الدسم لمعالجتها.
وكنت اتوقع أن يصدر السيد الرئيس قرارا بتكوين لجنة وطنية قومية من قادة الأحزاب والشخصيات الوطنية وقادة المجتمع المدني، لوضع تصور جديد لإعادة بناء الشمال سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ووضع أولويات المعالجة الشاملة لقضية دارفور برؤية قومية تستوعب جميع الأطراف الدارفورية، وتطفئ جميع النيران هنا وهناك برد الظلم عن المظلومين وإعادة الاعتبار للمواطن الذي يحتاج للعون والسند.
وكنت اتوقع أن يدعو السيد الرئيس لمؤتمر اقتصادي قومي يضم كافة الخبراء الاقتصاديين السودانيين في الداخل والخارج لإعادة تقييم الوضع الاقتصادي بعد قيام دولة الجنوب، ووضع الخطط والمعالجات اللازمة للمشروعات الاقتصادية والاستثمارية بما يدفع الاقتصاد السوداني إلى الأمام، بدلا من المعالجات على طريقة «العودة إلى العواسة».
كنت أتوقع دعوة السيد الرئيس إلى جميع النابهين من أبناء السودان في الداخل والخارج في شتى المجالات في إطار حملة قومية لإعادة بناء السودان واسترداد دوره الرئد في شتى المجالات، ورد الاعتبار إليه إقليميا ودوليا بعد إعادة الاعتبار داخليا لجميع مكوناته الوطنية وقواه الحية وأبنائه وبناته، بما يسهم في ترسيخ أسس الديمقراطية والشراكة الوطنية الشريفة، والتداول السلمي للسلطة دون تسلط او احتكار.
وإزاء كل هذا، فإن دعوة الرئيس وتشكيله للجنة قومية للعمل على إبقاء الوحدة جهد معلومة نتائجه مسبقا، فضلا عن انه يثير سخرية المتحمسين للانفصال، بدءاً من لجنة إعداد النشيد الوطني لدولة الجنوب، وانتهاءً بالسيد سيلفا كير نفسه الذي دعا الجنوبيين إلى التصويت للانفصال وبناء دولتهم حتى لا يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية على حد تعبيره.
لقد سئم السودانيون في الداخل والخارج، أن يروا بلادهم وهي تخرج من أزمة لتدخل في أزمة اخرى بسبب ضعف آليات التفاوض، وعدم القدرة على إدارة الأزمات التي ابتلى الله بها بلادنا، بسبب السياسات الخاطئة والمعالجات غير المناسبة ابتداءً من نيفاشا التي نفشت غزلها، وانتهاءً بأبيي التي أبت واستعصت على الحكماء والخبراء وتقاريرهم. فالسودان ملك لجميع أبنائه، ومن حقه عليهم أن يتدافعوا لبنائه دون حجر أو وصاية من فئة أو حزب أو جماعة، ومن حقهم عليه أن يتسع لهم فضاءً وأرضاً، ويتسع لفكرهم وآرائهم ومبادراتهم للمساهمة في درء الأخطار عنه، وإعادة الرونق والألق إلى اسمه الذي ارتبط بالأزمات والمطاردات وأسياف «فزاعة» قوائم الإرهاب.
آن الأوان للعمل من أجل وحدة الشعب السوداني شمال حدود «56»، والاستجابة لتطلعاته في الحرية والديمقراطية والاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية، دون إقصاء لحزب او طائفة او جماعة او فرد كل بقدر وزنه السياسي ودوره الوطني، بعيداً عن التزوير والفساد والظلم، لتغيير صورة السودان أمام أعيننا وأمام العالم للسودان الذي نعرفه عزة وتفردا وإشراقا، حتى نكون قادرين حقا على التعاطي الإيجابي مع جيراننا جنوب حدود «56م» الذين اختاروا مقدما وفقا لمجريات الأحداث والوقائع، أن يبنوا كيانهم الخاص ويحتفوا بثقافاتهم الإفريقية وألوانها الزاهية، مثلما سننعم نحن بإنشاد معلقاتنا وأناشيدنا دون حرج. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
واشنطون
Hassan Elhassan [elhassanmedia@yahoo.com]