عندما تتحول الدول الى اقطاعيات خاصة .. الرئيس عمر بونجو “البونجوية”! … بقلم: عدنان زاهر
13 June, 2009
نقلت وكالات الاعلام العالمية يوم 7 يونيو 2009 خبر وفاة رئيس دولة الجابون الحاج عمر بونجو فى مدريد باسبانيا بنوبة قلبية عن عمر يناهز الثالثة و السبعون. للصدف النادرة فرحيله قد جاء بعد اسبوع او عشرة ايام من وفاة ديكتاتور السودان السابق جعفر نميرى و الملاحظة اتت من انهما يجمعان عدد من الصفات المشتركة.
جمهورية الجابون هى أحدى دول افريقيا الوسطى، يمر خط الاستواء من نصفها تقريبا. تحدها غينيا الاستوائية و الكاميرون من الشمال، الكنغو من الشرق و الجنوب و تطل من الغرب على المحيط الاطلسى. عدد سكانها 1.5 مليون نسمة و عاصمتها "ليبرفيل" ، و الكلمة تعنى مدينة الحرية. الاسم مستمد من تجربة الجابون التاريخية، فقد كانت احدى قلاع تجارة الرق البرتغالية.الجابون نالت استقلالها من الاستعمار الفرنسى عام 1960 وهى غنية بمواردها المتمثلة فى البترول ، اليورانيوم، المنغنيز، النحاس و الاخشاب من غاباتها الكثيفة. اللغة الرئيسة هى الفرنسية، الديانة 73% من سكانها مسيحيون، 12% مسلمون، 10% اديان أخرى و 5% لا دينيون.
الرئيس الحاج عمر بونجو واحد من الحكام الذين ضربوا الرقم القياسي فى افريقيا و العالم، فقد حكم لمدة اثنين و اربعين عاما متواصلة ولا يضاهيه فى تلك المدة الا قذافى ليبيا و حسنى مبارك مصر اللذين تزيد مدة حكمهما عن الثلاثين عاما.عمر بونجو و تجربته فى حكم الجابون تمثل نموذج حقيقى لتماهى الدولة مع الحاكم الفرد، حتى اننا يمكن نطلق مجازا أن الجابون هى عمر بونجو أو العكس. بونجو نموذج للديكتاتور المتسلط الذى يستغل مؤسسات الدولة لتوطيد حكمه ، استغلال موارد الدولة لرفاهيته الشخصية ، و هو المثل المجسد لمعظم حكام افريقيا عندما تتحول الدولة عند حكمهم الى اقطاعية خاصة بالطبع السودان ليس استثناءا.
تدرج عمر بونجو فى التعليم فى ظل الاستعمار الفرنسى للجابون حتى اكمل تعليمه الثانوى. عمل فى مصلحة البوسته، ثم التحق بسلاح الطيران ووصل الى رتبة كابتن. انخرط فى العمل السياسى قافذا بخطوات واسعة حتى أصبح حاكما للجابون عام 1967 عند وفاة حاكم الجابون السابق "ليون مابا" . مستمدا و مستخدما نظام الحكم الواحد "حزب الجابون الديمقراطى" عمل على السيطرة على كل مفاصل الحكم و ادوات العمل السياسى. اعتنق الاسلام بشكل دراماتيكى عام 1973 و اصبح حاملا منذ ذلك الوقت للقب الحاج عمر بونجو.
أدخل نظام التعدد الحزبى عام 1990 مضطرا بعد التصالح مع المعارضة ليضفى على حكمه بعدا ديمقراطيا ثم قام بتعيين قادة المعارضة فى وظائف قيادية فى الدولة . بعد تلك المناورات و التعديلات أعيد انتخابه لمدة سبعة أعوام على التوالى 1993، 1998، 2005 و الانتخابات الاخيرة ثبت فيها ممارسته للاساليب الفاسدة و اسلوب الغش .
أجرى تعديلا فى الدستور فى العام 2003 بان جعل مدة حكم الرئيس مفتوحة لا تقيد بفترة محددة و كان ذلك يعنى أن يحكم الجابون مدى الحياة.
حول نظام الحكم الى اقطاعية خاصة لأسرته، أقرباءه، عشيرته و المنتفعين من نظام حكمه. عين ابنه وزيرا للخارجية ثم وزيرا للدفاع بعد ذلك، عين ابنته وزيرة للخارجية خلفا لأخاها. تزوج مرة أخرى من ابنة رئيس دولة الكنغو، ويبدو أن الزيجة تدرج تحت تقوية اماكن النفوذ فى القارة الافريقية. المدهش أن الجابون طيلة السنين بعد استقلالها لم تشهد كباقى الدول الافريقية غير انقلابا واحدا فى العام 1964 قضى عليه بعد يومين، وقد تم اعتقال بونجو الذى لم يكن حاكما فى ذلك الوقت من قبل الانقلابيون.
بالرغم أن دولة الجابون غنية بمواردها الا أن الشعب الجابونى يعيش فقرا مدقعا، ذلك لأن أموال البترول ، اليورانيوم و المنغنيز تضخم حسابات بونجو فى البنوك الاجنبية، تملأ بالتخمة جيوب أسرته و مريديه و أصبح الحاج، أحد أغنى رؤساء العالم. ظل الحاج بونجو دوما متهما بالفساد من قبل المعارضة فى وطنه و لكن دورانه فى فلك النفوذ الفرنسى و الدوائر العالمية النافذة ذات المصالح و الاستثمار فى الجابون يضفى عليه الحماية.
فى العام 2005 أنفجر اتهام له و لحكمه بالفساد بعد اتهامه من قبل شركة فرنسية عاملة فى قطاع البترول فى الجابون ، انها تضع فى حسابه سنويا مبلغ 50 مليون يورو نظير تنقيبها عن البترول فى الجابون. الاتهام شمل "سدنيس ساسو انجيسو" رئيس دولة الكنغو والد زوجته، بوليس كومبورا رئيس دولة بوركينا فاسو و تيودورأوبانج- غينيا الاستوائية نظير تلغيهم عمولات ضخمة للاستثمار فى بلدانهم. اتهم بونجو ايضا بشراءه ممتلكات متعددة و ضخمة فى فرنسا لا تكفى مخصصاته كرئيس لشراءها. بعد التحقيق تم الحجز على امواله فى فرنسا. وصل حد السفه و الافتراء بالحاج بونجو انه قام بتمويل المنافس للرئيس السابق جسكار ديستان فى الانتخابات الرئاسية و هى تهمة لم ينفيها. قد زعم ايضا انه عرض للرئيس الامريكى بوش عبر وسيط تمويل حملته الانتخابية ب 35 مليون دولار امريكى أبان حملته الانتخابية (وكلو من حق الشعب الجابونى المسكين) !1
بالله " موش " حاجات تذهل!
تجربة "البونجوية" ليست ظاهرة فى افريقيا تميز بها النظام الجابونى، و لكنها الظاهرة الأكثر وضوحا، بالرقم من أن فى افريقيا دول تفوقها فجورا فى فسادها. التجربة فى جوهرها تسعى الى تحويل النظام الفرد الى مؤسسات بأسم القانون تصبح لها مصالح فى بقاء نظام الحكم القائم.
أهم سمات تلك التجربة
1- تحويل موسسات الدولة الى قطاع خاص للأهل ، العشيرة و القبيلة و المنتفعين، همهم الاساسى الاعتداء على موارد الولة بشكل منتظم و تحويل عائدها الى جيوبهم بلا وازع أوضمير.
2- التلون الحربائى للنظام و اتخاذه المواقف المتعارضة.
3- ارتداء لباس الديمقراطية و تحويرها وفقا للمصالح.
4- خداع المجتمع الدولى بادعاء استقرار النظام السياسى.
5- ترويض المعارضة بالعنف و اغداق الاموال.
أصبحت التجربة "البونجوية" لها مريديها ليس فقط فى القارة الافريقية، بل أيضا فى الدول ذات المصالح فى القارة الافريقية، وهى تستخدم البونجوية بحذاقة عالية فى قمع الشعوب و نهب ثرواتهم. رغم كل ذلك، التاريخ يقول لا استدامة لقمع الشعوب، وقليل من الرؤساء المستبدين الفاسدين يزعفهم الموت من المساءلة كالحاج عمر بونجو و أمثاله ! عدنان زاهر