dr.khalidbalula@gmail.com
فرفور … والوسط الفني (المحترم)
خالد البلولة
*من هو الوسط الفني؟ الذي أشار اليه فرفور ؟!!هل يُقصد به المطربون والعازفون فقط؟وهل يصح أن نصف جميع هؤلاء (بألتفاهة )؟!ثم ما معيار التفاهة أصلًا في نظر من يطلق هذا الوصف؟
*ربما كان حديث الفنان جمال فرفور عن (تفاهة الوسط الفني) مجرد غضبة عابرة،أو نتيجة تراكمات من تجارب شخصية ومواقف مؤلمة داخل الساحة الفنية.غير أنّ من الظلم أن يُختزل وسط كامل في توصيف انفعالي، لأن هذا الوسط -على تنوعه -يضم طيفًا واسعًا من القيم والرموز والمواهب التي أسهمت في تشكيل وجداننا الثقافي والفني.
*أتذكر في العام 1997 حين ذهبنا إلى نادي الصبابي ببحري لتسجيل سهرة تلفزيونية بعنوان (أسمار).كان المطرب الشاب آنذاك جمال مصطفى (فرفور) مرشّحًا للمشاركة في السهرة، وقد اقترح أداء أغنية (جلابية مكوية)إلا أنّ فريق البرنامج رفض تسجيلها لأنها لم تتّسق مع معايير تلفزيون السودان في ذلك الوقت،وربما صُنِّفت -بمقاييس المؤسسة الإعلامية آنذاك – أغنية (تافهة)..لكن، إذا افترضنا جدلًا أن الوسط الفني(تافه)فما معيار هذه التفاهة إذن؟ أهو في المظهر؟ أم في الكلمة؟ أم في الفكرة؟ أم في السلوك؟
*إن هذا الوسط الذي يُتحدث عنه، يضم أساتذة أجلاء جاؤوا من حقول التربية والتعليم،مثل محمد وردي،ومحمد ميرغني، وعبد القادر سالم، والأمين عبد الغفار، وعلي ميرغني،يضم من عُرف بالصرامة والرزانة والكياسة وفي الوسط الفني من حفظة كتاب الله،أمثال أبو داوود وخطر بشير، بل شاهدتُ من الجيل الحديث من يوقف الغناء فور سماع نداء الصلاة،احترامًا لحرمة الوقت وتعظيمًا للشعيرة،قبل أن يعود إلى المسرح بعد أدائها، في مشهدٍ يجسّد عمق الإيمان وصدق الالتزام، وينقض الصورة النمطية التي ترسخت في أذهان البعض عن الفنانين..ومن الجيل الجديد برزت أسماء واصلت بين الأصالة والتجديد، مثل حنان النيل،وعصام محمد نور و نادر خضر،وعماد أحمد الطيب،وعافية حسن وإنصاف فتحي وغيرهم كثير.
*إن في الوسط الفني معلمين، ومثقفين،ومهندسين، ومبدعين حقيقيين، لا يجوز أن يُحكم عليهم بميزان الانطباع أو الغضب.
غير أننا لا ننكر أنّ ثمة صورة ذهنية نمطية ترسخت عبر السنين تجاه الفنانين – ولا سيما المغنين – لأسباب اجتماعية وثقافية معروفة في زمانها، صورة ربطت الفن بالترف،وأغفلت دوره في الوعي والنهضة وصياغة الوجدان الجمعي.
*ينظر المجتمع إلى الفنانين نظرة مغايرة،ويحاكمهم بصفتهم رموزًا مجتمعية وثقافية،فتُحسب عليهم أدق حركاتهم وكأنهم جلباب ناصع البياض لا يُراد أن تُرى فيه بقعة سوداء واحدة، بينما يُنسى أنهم بشر،لهم ما للناس وعليهم ما عليهم.
*وهناك فئة تنطلق من موقف ديني رافض للفن،فتجد في كلام فرفور فرصة للنيل من مجتمع الفنانين،وكأنها تؤكد بذلك موقفها المسبق…وهناك آخرون ينطلقون من موقف سياسي تجاه الفنان نفسه،بحكم عمله السابق في مؤسسة نظامية.
وأرى أن قرار اتحاد المهن الموسيقية بحق الفنان جمال فرفور كان متسرعًا؛ إذ كان الأولى أن يُستدعى،ويُستمع إلى مبرراته، ويُفتح معه حوار حول ما قاله.فليس من الحكمة أن يُواجه وصف الوسط الفني بـ(التفاهة)بالعقاب،بل بالتفكير والمراجعة والسؤال،إذ قد تحمل كلماته قدرًا من الحقيقة يستحق الإصغاء إليه، لا الإدانة.
إن الفن، في جوهره، مرآة المجتمع؛ فإذا وصفنا الوسط الفني بالتفاهة، فإننا نُسيء إلى أنفسنا قبل أن نُسيء إليه
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم