فضيحة الأحزاب .. حيوان سياسي 2 أرسطو
الواقعية هي سر السياسة والحقائق السياسية هي اللغز الأزلي للجنس البشري والتحكم في مصائر الشعوب يأتي دائما نتيجة لمبدأ المساومة بين أمرين استلام سلطة الحكم او تلبية حقوق ورغبات الشعوب ورفاهيتها وأخيرا ان خداع الشعوب واستلاب الثورات هي عمل منهجي حزبي سياسي مستمر لا ينقطع ، يبدأ بمفهوم الثورة وينتهي بمفهوم الصفوة.
قبل الخوض في غمار لُب الكشف عن المستور إليكم بعض المعطيات الأولية:
×× 22 يوليو 2019 طالبت الجبهة الثورية وفد قوى الحرية والتغيير بصفتها المفاوض بإسم كل الأطياف المشاركة في الثورة بثلاثة مقاعد للجبهة الثورية في السيادي ..
×× 31 يوليو 2019 أعلن الحزب الشيوعي انسحابه من المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي بدعاوي ان الوثائق أعطت هيمنة كاملة للعسكر على مجلس السيادة بل وتنصل الشيوعي عن المشاركة ظاهريا رغم مشاركة الكثير من منتسبيه بصفة فردية بالحكومة الانتقالية دون وضع اعتبار للحزب او ما يريده أو ما يقرره قادته ..
×× 8 أغسطس 2019 أعلن تجمع المهنيين في بيان رسمي اتخاذه قرارا بعدم المشاركة في المجلس السيادي او الحكومة الانتقالية !!
×× 18 أغسطس 2019 قدم السيد الصادق المهدي استقالته من رئاسة تحالف نداء السودان -الكتلة الاكبر في قوى التغيير- بدعوى إصلاح نداء السودان وإعادة هيكلته بما يتناسب مع مهام المرحلة الانتقالية ..
×× 11 سبتمبر 2019 تم توقيع على اتفاق إعلان مبادئ للسلام العادل والشامل بين وفد من مجلس السيادة والجبهة الثورية في جنوب السودان ..
×× 13 سبتمبر 2019 تم إتفاق بين الحزب الشيوعي وعبد الواحد محمد نور في باريس على مواصلة العمل الثوري ..
14 سبتمبر 2019 المجلس السيادي قيد دراسة تفضي بتعديل المادة 70 من الدستور لإتاحة الفرصة لإشراك الحركات المسلحة عن طريق توسعة مجلس السيادة او الوزراء ..
في 25 مايو 1969 تم الدفع بالعقيد جعفر نميري للانقلاب على ديموقراطية أكتوبر ، وكان الحزب الشيوعي هو المدبر والراعي لهذا الانقلاب ، وفي عدة مقالات نُشرت بعنوان (دروس ثورة أكتوبر) رأى المحللون بأن الحزب الشيوعي أراد الإنتقام من الشعب السوداني بسبب المظاهرات التي أدت إلى حل حزبهم وطرد نوابه من البرلمان ومصادرة ممتلكاتهم ، لذلك تآمروا مع العسكر للانقلاب على ديموقراطية أكتوبر.
~* دلالات زيارات البرهان الخارجية لكل من مصر ، جنوب السودان ، إثيوبيا ، تشاد ، اريتريا واخيرا السعودية والإمارات والتنازلات و المصالح المشتركة بين النظام السابق وتلك الدول وشكل السلطة القادمة.
~* رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب شريطة الانتقال الى حكومة مدنية تكفل حقوق الإنسان وإحلال السلام الشامل ووقف الحرب (مطلب سياسي لكن جدواه شعبي اقتصادي وهنا يكمن بيت القصيد وعقدة الحبل: عن مستقبل السودان السياسي أتحدث)
** هل أدركتم شيئا ؟
لنكن أكثر واقعية فإن التخمة السياسية التي تحتل المشهد السياسي الآن هي تخمة سياسية ممرضة اي ستؤدي الى الأمراض (استعلاء كل حزب على الآخر سيُعجّل من إنهيار تكتل قوى الحرية والتغيير) والموت (اي زول أهداف ثورة ديسمبر تماما) وقيام حكومة ومجلس سيادي وتشريعي مختلفين تماما عن الشكل الحالي ، وهذا ما قاد حمدوك الى ملاقاة عبد الواحد محمد نور في باريس بصفة شخصية لدراسة تبعات اختلال توازن قوى التغيير بجانب إدراك كيف يفكر العسكر ، نظرا لخبرة عبد الواحد السابق في العمل السياسي مع الانقاذ.
ثم نأتي لتبسيط الامور لعلنا ندرك يوما مدى فداحة الأخطاء التي ارتُكِبت بدعاوي الثورية والصفوية الحزبية وحرية المعتقدات.
ان الوسط السياسي المتخم حاليا هو عبارة عن اربعة فئات بمسميات لا جدوى من ترادف مصطلحاتها او بتكرار تسميتها بالرغم من تباين اهداف كل منها بعد ان نجحت الثورة.
واليكم الأربعة فئات :
1) الحركات المسلحة (الجبهة الثورية)
2) مؤسسات المجتمع المدني
3) النقابات (المهنين) والنقابات العمالية وأخيرا وإن جاز تسميتها ب الطامة الكبرى وهي:
4) الأحزاب السياسية
وان هذا الترتيب مقصود بمافيه من دلالات سابقه ولاحقه أما عن أحقيتها في السلطة خاصة في هذا الوقت من عمر الحكومة الانتقالية والسلطة السيادية والتشريعية يجب ان لا تكون الافضلية للأحزاب السياسية تحت اي مسمى او بند او اي مشروع او تحت اي لوائح ، بل يجب ان تكون للمؤسسات التي سوف تعمل على بناء الدولة عبر أنشطتها ودور وفاعلية عملها الاجتماعي والإنساني المتلامس مباشرة مع الجمهور ومع الذين حُرموا حقوقهم الطبيعية في الدولة كمواطنين وشُرّدوا وهجّروا ، واخر المعطيات بناءا على الاحقية الثورية للدور التاريخي الذي لعبته كل منها في إنجاح هذه الثورة.
لذلك تكون الاحقية الاولى في مكتسبات الثورة مناصفة بين مؤسسات المجتمع المدني والحركات المسلحة وذلك احقاقا للحق الذي اغتصب من أهله ، ثم تأتي النقابات ورابعا واخيرا الأحزاب التي تسمى سياسية.
أما عن حقيقة الفضيحة التي ارتكبتها الأحزاب في حق الشعب كله ، فإن حيثيات الأمور التالية ستوضح جليا كيف ان الوضع السياسي الحالي بات في أقصى درجات جديته لذلك لابد للشعب كله ادراك تلك الحقائق حتى يتسنى لنا معالجة بعض الأمور ان سنحت الفرصة وان جد العقلاء وخاصة من الذين لديهم صوت مسموع.
لقد كان الاقتراح الأولي لمقاعد مجلس السيادة سبعة كراسي لكلا الفريقين ، العسكري وقوى الحرية والتغيير اي 7+7+1 على ان يكون الاخير متفق عليه على ان يمثّل العسكري بسبعة أشخاص وان يمثل قوى الحرية والتغيير بسبعة أشخاص كذلك ، لكن تغيّرت الأمور إلى 5+5+1 اي خمسة مقاعد لكل فريق والاخير متفق عليه أيضا.
لكن ماذا تعني هذه الارقام ؟ وما هي دلالاتها السياسية ؟ وما أهميتها في شكل الحكم الانتقالي ان زاد أو نقص مقعد في السيادي ؟؟ الإجابة تأتي بصورة توضيحية بسيطة جدا بالاسماء التي احتلت المجلس السيادي من قبل قوى الحرية والتغيير:
السيد/ حسن محمد شيخ ادريس مرشح تحالف نداء السودان السيد/ الصديق تاور كافي مرشح تحالف قوى الإجماع الوطني السيد/ محمد الفكي سليمان مرشح التجمع الديموقراطي السيدة/ عائشة موسى السعيد مرشح عن المجتمع المدني ومنظمات حقوقية ونسوية.
تبقت ثلاثة مقاعد حسب الإتفاق الأولي للسبعة مقاعد وكانت من نصيب الجبهة الثورية اي الحركات المسلحة الثلاث وهي حركة تحرير السودان بقيادة اركو مناوي والحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم.
لكن تم تقليص مقاعد السيادي من سبعة مقاعد الى خمسة مقاعد وبذلك تم تمثيل جميع القوى المنضوية تحت قوى الحرية والتغيير الا شخصية واحده ، وهي التي تعتبر اهم مكون لجسم الحرية والتغيير لثقلها السياسي في تحقيق السلام الشامل والعادل ، وهي الجبهة الثورية ، لكن للأسف الشديد تم استبعادها تماما بصورة غير لائقة عن طريق تنسيقية قوى الحرية والتغيير ، بل تم تجاوز ذاك بترشيح مرشح عن تجمع المهنيين رغم إعلان تجمع المهنيين مرارا وتكرارا عن عدم المشاركة في مجلس السيادة او الوزراء والاكتفاء بدور رقابي فقط في المجلس التشريعي وتم ذلك في بيان رسمي للمهنيين -كما هو موضح أعلاه- في 8 أغسطس 2019 ، اي انه تم كسر أحد أهم اللوائح التي تنظم وتنسق عمل تجمع المهنيين حتى ان احد قيادي التجمع وصف ما حدث بأنه "تجاوز للعهد" الذي قطعه التجمع رافضا لهذا القرار المعيب مؤسسيا وأخلاقيا ، حتى ان الحرة نشرت مقال في 18 أغسطس 2019 بعنوان (عضو في المجلس السيادي .. هل غير تجمع المهنيين موقفه ؟) سأجيبكم على هذه السؤال بلا ، لم يُغيير التجمع قراره لكن تنسيقية قوى الحرية والتغيير (على وزن اللجنة الأمنية العليا للمجلس العسكري السابق) هو من قرر تغيير قراره باستبعاد الجبهة الثورية بل وإجبار تجمع المهنيين بالتمثيل في السيادي. لكن لماذا ؟
السبب الأول لتكريس السلطة بين الأحزاب من قوى الحرية والتغيير في مجلس السيادة وذلك باستبعاد الحركات المسلحة وضمان مقاعد 67% في المجلس التشريعي كاملة لصالح جبهة موحدة للأحزاب. أما الأسباب الاخرى ساذكرها لاحقا ضمن سياق التفاصيل.
إن الوفاق بين الجبهة الثورية والدولة السودانيه (المكون العسكري + أحزاب الحرية والتغيير) أمر لا مفر منه الآن ، لأنه لا توجد أي مسببات تمنع إشراك الحركات المسلحة في المجالس السيادية والحكومية والتشريعية الا بإسقاط التهم الموجهة الى منتسبيهم في عهد النظام السابق ، لكن هذا الوفاق سيتم بشكل مختلف (بما ان مجلس السيادة تكون وكذلك الوزراء) وهذا هو بيت القصيد الذي أسعى لتوضيحه.
لكن لماذا تعاملت تنسيقية قوى الحرية والتغيير بتلك الصورة مع الحركات المسلحة المنضوية تحت قوى الحرية والتغيير نفسها ؟ بينما كان المجلس العسكري -بكل مساوئه- مرحب بالتفاوض مع الحركات المسلحة في حين تعثرت المفاوضات بين نفس الكتل المكونة للحرية والتغيير اي الأحزاب مع الجبهة الثورية بل وتبادلوا الاتهامات حيث اتهمت الجبهة الثورية مكونات قوى الحرية والتغيير بان هنالك أطراف داخلها عارضت إدراج رؤية السلام المتفق عليها مسبقا بل واقصائهم من المشهد السياسي كليا وعنونت الجبهة الثورية بأن رؤية الحركات المسلحة تقوم أساسا على دمج قواتها في الجيش السوداني وإدراجها كطرف أساسي في عملية السلام .. وأضيف أنا: ولا يمكن أن يختلف إثنان على إنها رؤية مستحقة وعادلة ومن أبسط حقوق الحركات المسلحة التي طال كفاحها دفاعا عن وطنهم الأول السودان وعن جبهاتهم التي يحاربون فيها دفاعا عن أهلنا كلنا في غرب السودان ولاسيما ولايتي شمال كردفان والنيل الازرق ، بل ان ما فعلته التنسيقية لقوى الحرية والتغيير هي المحاصصة الحقيقية حين اتهموا الحركات المسلحة بأنهم يسعون نحو المحاصصة حينما طالبتهم الجبهة الثورية في 22 يوليو 2019 بثلاثة مقاعد في السيادي أي قبل التوقيع على إتفاقية الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019 اي قبل 25 يوما وكان يمكن ان يُلبّى هذا المطلب المستحق للجبهة الثورية ، مما حمل الجبهة على التنازل بطلب مقعدين فقط ، وأيضا كان ذلك متاحا حتى بوجود العضو الخامس من تجمع المهنيين لتكتمل مقاعد السيادة السبعة ، لكن لكي يتفاوض ثانية قوى الحرية والتغيير (اي الأحزاب التي سرقت الثورة من المدنيين) مثلهم مثل أعضاء المكون العسكري أي بأن يكون هم الذين يمنحون الحقوق للجبهة الثورية (وهذا هو السبب الثاني) أي أن قوى الحرية والتغيير هم أسياد الوطن ، وليس كما كان متفق ومتعارف عليه في تحالفهم الأسبق ضمن إطار قوى الحرية والتغيير الجامعة للكل كشركاء وليسوا كاسياد يوزعون الحقوق متى أرادوا ، وكما زعم أحد قادة الجبهة الثورية بان الصراع الدائر حاليا في السودان هو صراع على السلطة السياسية. وأضيف لقد تمت الخيانة من الداخل اي من تنسيقية قوى الحرية والتغيير لقد خانت العهد مع الحركات المسلحة وهذا ما سيعيد ترتيب أوراق لعبة الحكومة اللاحقة بصورة مختلفة تماما عن التي تجري حاليا وهذا ما استدركه الشيوعي لذلك سارع للتحالف مع عبدالواحد محمد نور.
في 22 أغسطس 2019 اي بعد يوم واحد من أداء القسم للمجلس السيادي واستبعاد الحركات المسلحة تماما ، عنونت الجبهة الثورية ان تشكيل مجلس السيادة من أسوأ انواع المحاصصات بل إنها المساومة وهذا هو السبب الثالث ، لقد ساومت أحزاب قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري على استبعاد الجبهة الثورية مقابل التنازل عن شكل الوثيقة الحقيقية التي تنازلوا فيها عن استقلال القضاء وعن دمج بعض القوات داخل القوات النظامية وصلاحيات جهاز الأمن والمخابرات وتبعية بعض شركات الاتصالات الى السيادي وليس لمجلس الوزراء ، اي ان قوى الحرية والتغيير خانت زملائهم في الكفاح وكذلك حقوق شعبهم التي كانوا يتغنون لنا بها ، بل ان قوى التغيير لكي تأتي إلى هذه السلطة فقد ساومت المكون العسكري على نصيب الجبهة الثورية. اي انها تخلّت عن شريك الكفاح الذي خاض معهم ويلات النظام السابق بل خاضت الجبهة الثورية حروبا أقسى من مجرد المعتقلات وإغلاق الدور.
لقد كان هدف قوى الحرية والتغيير منذ البداية دفع الجبهة الثورية خارج الإتفاق حتى يضمن لهم حصصهم كاملة في السلطة.
هل أدركتم شيئا ؟ بمعنى ، من الذي اعطى الحق لقوى الحرية والتغيير للتفاوض بإسم الشعب كله ؟ ومن الذي أعطى الحق لتنسيقية قوى التغيير بان تستبعد الجبهة الثورية من احقيتها في مقاعد السيادي بل وإجبار (امور خفية لم توضح بعد) تجمع المهنيين بترشيح ممثل لهم؟ الاجابة هو نفس الشخص الذي سينسحب من قوى الحرية والتغيير إبان إنهيار او انقضاء أجل الحكومة المدنية الأولى ليكونوا حزب سياسي جديد جامع بين حزب الامة القومي وحزب المؤتمر السوداني برعاية المكون العسكري وبمشاركة الجبهة الثورية كشريك أصيل مع وجود بعض النقابات المهنية ومنظمات العمل المدني لكي تفضي الي حكومة مدنية لكن رأستها عسكرية مزدوجة بالإضافة لوجود أكبر حزبين او ثلاث على الاكثر.
أما عن باقي الدلالات وكيف ستتحقق هذه الرؤى سأذكرها في المقال القادم إن شاء الله
yousifpharm@hotmail.com
/////////////////////