قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية: محمود محمد طه، أماراتيا كومار سن (مقاربة)
بحرالدين محمدين
10 October, 2021
10 October, 2021
في كتابه الجديد أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية، أراد الباحث د/ عبدالله الفكي البشير، تعريف القراء برؤية المفكر السوداني محمود محمد طه، صاحب الفهم الجديد للإسلام، تجاه التنمية من خلال إجراء مقاربة بين التنمية في فكر طه و أطروحة التنمية حرية، لعالم الاقتصاد الهندي أمارتيا سن، الذي يرى أن التنمية ما هي إلا عملية توسيع في الحريات، لكن القارئ سيكتشف أن المفكر السوداني محمود طه قد سبق أمارتيا سن إلى هذه الرؤية منذ حوالى نصف قرن.
حيث طرح محمود محمد طه رؤاه تجاه التنمية وفق المؤلف عبد الله الفكي خلال فترة الخمسينات وحتى السبعينات من القرن الماضي، بينما جاءت أطروحة أمارتيا سن عن التنمية في عام 1999م.
هكذا يكتشف القارئ أن مشروع طه هو المتقدم بلا أدنى شك، حيث شخص طه المشكلات مبكراً ووضع حلولاً تقود إلى التغيير الجذري، من خلال ما وصفه مؤلف الكتاب بتحرير الإنسان من الخوف والجهل والفقر والمرض، وذلك بإقامة السلام والتسامح وأنسنة الحياة.
ما يدهش القارئ في هذه المقاربة أن طه وأماراتيا ينطلقان من مرجعيات مختلفة ولكنهما يلتقيان،
حيث ينطلق أمارتيا سن في رؤيته تجاه التنمية من تخصصه العلمي في مجال الاقتصاد، بينما نجد محمود محمد طه ينطلق من مرجعية يسميها الكاتب عبدالله الفكي الفهم الجديد للإسلام، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول، (الآيات المكية)، حيث جعل كل من طه وأمارتيا، الحرية شرطاً لنجاح التنمية. والحرية عند محمود طه هي الفيصل بين حياة الحيوان وحياة الإنسان. ولأن الإنسان يسعى لتحقيق فرديته حسب محمود طه من خلال الحرية، أي التحرر من الخوف والجهل، وذلك بالعلم.
والنقطة الجوهرية التي يلاحظها القارئ هي أن المرجعية الفكرية لمشروع المفكر محمود محمد طه هي إن الإسلام عنده ليس بالفهم السائد المألوف عند الجماعات الإسلاموية، بل هي تقوم على ما يسميه ب "آيات الأصول". وحسب طه، فإن الإسلام بالفهم الدوغمائي السائد يعوق التنمية، حيث أنه يقوم على الوصاية، وعلى ما يسميه (بالرأسمالية الملطفة).
الذي يشد القارئ في هذا الكتاب هو قيمة هذه المقاربة، باعتبارها مساهمة في فك الحصار والمقاطعة المفروضة على مشروع المفكر محمود محمد طه منذ سنوات طويلة، وحتى الآن نجد أن المنافسين السياسيين لمشروعه يعملون على تشويه فكره المتقدم من خلال التكفير.
تعد مساهمات دكتور عبدالله الفكي البشير نافذة جديدة يطل من خلالها مشروع إنساني، ويلاحظ القارئ صدق ما نقول حتى من خلال العناوين، حيث صدرت للكاتب مؤلفات موسوعية مثل: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، (2013)؛ والذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، (2020)؛ ومحمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، (2021)، وصدر له حديثاً الكتاب الذي بين أيدينا الآن، أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية، محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة).
من خلال هذا الإنتاج المعرفي الضخم ندرك أننا امام جهد فكري لافت، بكفاءته وحرصه على الانحياز للحقيقة، حيث يكتشف القارئ أن طه بنى مواقفه السياسية والوطنية وفق قناعاته الفكرية. فيقول، مثلًا، إن "الديمقراطية هي فرص التساوي بين المواطنين من حيث هم مواطنين"، ومن هذا المنطلق دخل طه في سجالات مع تيارات مثل القومية العربية، حيث رفض طه انضمام السودان لجامعة الدول العربية، وهذا يبين نظرته تجاه الواقع السوداني المتعدد ثقافيآ وإثنيآ. وقد كتب مرة يقول "اننا نتعلم دروسا من الأخطاء التي نقع فيها حتى تكون حصيلة جهودنا افضل في المرات القادمة". ويا ليت الإسلامو/ عروبين يفهمون ويتعلمون هذا حتى لا يزجوا بنا في ما لا يشبهنا.
بذل دكتور عبدالله الفكي البشير في سفره هذا جهدا كبيرا كشف من خلاله الكثير والمهم في رؤية طه تجاه التنمية التي بينها منذ وقت مبكر، ولكن ما اسميه أنا بأحزاب الأيديولوجيا الاسلامو/عروبية حاربوا طه ورفضوا مشروعه المتقدم، لأن محمود محمد طه أعلن انحيازه للمهمشين وللمستضعفين، وقد تجلى هذا في وقوفه النبيل ومناهضته لقيام المجلس الاستشاري لشمال السودان في أربعينات القرن الماضي. بل لو كانت جماعة الهوس الديني قد استمعت لطه لما أريقت وسفكت دماء عزيزة في الجنوب باسم الإسلام، لأن الجهاد عند طه ليس أصلا في الاسلام وإنما فرع، وفق فهمه الجديد الذي يرى أن الأصل في الإسلام الحرية، وهو حق يقابله واجب الأداء، وهو حسن التصرف في الحرية، ولا تصادر الحرية الا بقانون دستوري.
والقارئ لابد سيقف مندهشاً إزاء أن القانون الدستوري عند طه هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد الي الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة إلي العدالة الاجتماعية الشاملة، حسب الكاتب عبدالله الفكي البشير. ويمضي محمود محمد طه أبعد في فهمه الجديد للإسلام، حيث يقول ان الرق ليس أصلا في الإسلام إنما هو فرع، وهذا يضرب الايديولوجيا الاسلاموية في مقتل، فلطالما ظلت هذه الجماعات طوال تاريخها تستخدم الإسلام كغطاء أيديولوجي تبريري لما تقوم به من استرقاق واقعي، وحتى على مستوى الأذهان، اي في تفكيرها ونظرتها للأخر، وأقصد هنا ما يسميه المفكر محمد جلال احمد هاشم بعقلية نخاس رقيق.
ويبين د. عبدالله الفكي البشير من خلال هذا الكتاب أهمية الديمقراطية بالنسبة للتنمية عند كل من محمود محمد طه وأمارتيا سن، حيث تمثل الديمقراطية عنصرا جوهريا في عملية التنمية وفق ما توصل إليه المفكران، طه وسن. وبالتالي ان تحقيق التنمية عند، كل من كومار سن ومحمود محمد طه يتطلب الديمقراطية، إذ أن إقامة الديمقراطية عند سن يساعد في القضاء على المجاعات والحيلولة دون وقوعها، وكذلك يرى طه ان تحقيق التنمية يشترط إقامة نظام حكم ديمقراطي، والتنمية كما يفهمها طه يجب أن تقود إلي إبراز قيمة الفرد، وتحسين مستواه.
وبذات المستوى تتبين للقارئ رؤية طه تجاه قضايا المرأة وفق ما أورده مؤلف هذا الكتاب، من أن محمود محمد طه يرى "ان إنفاق الرجل على الزوجة من أهم الأسباب الرئيسة التي نهضت عليها وصاية الرجل على المرأة"، أو ما تسميه الكاتبة فاطمة بابكر محمود بالهيمنة الرجولية. حيث يقول محمود محمد طه ان الإنفاق على المرأة من قبل الرجل عبر التاريخ قد جعل للرجل على المرأة سلطان، لذا يرى طه تصحيحه يتم عبر استقلال المرأة اقتصاديا.
استوقفتني أسئلة كثيرة جدا، من ضمنها: ما هي الأسباب التي أدت الي غياب آراء محمود محمد طه عن المرأة؟ اي لماذا لم تأخذ الحركات النسوية بآراء طه وتستلهم فكر طه المتقدم في مسيرتها النضالية؟
وحسب المؤلف فإن اماراتيا لم يفصل في موضوع المرأة، ولم يقدم بشأنه مقترحات، بينما نجد عند طه موضوع المرأة قد أخذ حيزا مركزيا، فقد نظر إلى عمل المرأة وإنتاجها في البيت، ووصفه (بإنتاج الإنسان)، والذي اعتبره اهم انواع الانتاج. وهو بذلك قد تجاوز الفهم الساذج الذي درج رجال الدين على ترديده استنادا الي الفهم القديم للنصوص. وحسب الكاتب عبدالله الفكي البشير إن المفكر محمود طه ركز في مشروعه على فعالية المرأة وعلى الدور الذي تؤديه هذه الفعالية وبالتالي فإن أي تقييد لفعالية المرأة يراه طه ضررا بحياة جميع الناس، من رجال ونساء وأطفال، ولذلك ركز طه في مشروعه على فعالية المرأة. وفي ذات السياق يقول عالم الاقتصاد الهندي أمارتيا سن: "لقد أصبح واضحا من خلال النشاط التجريبي خلال السنوات الاخيرة أن رفاه المرأة يتأثر بمتغيرات مثل قدرة المرأة على اكتساب دخل مستقل".
يبدو واضحاً ان ما قاله أمارتيا كومار سن قد سبقه إليه طه بسنين طوال، إلا أن طه حوصر مشروعة من قبل مؤسسات تديرها عقول تمأسس الجهل المقدس، حسب اصطلاح (محمد اركون)، فالمرأة في فكر طه لا يمكن ان تكون كريمة في الحق إلا باستقلالها اقتصادياً.
كذلك بيين الكاتب من خلال فصله المعنون بالحرية الفردية التزام اجتماعي، التشابه بين آراء سن وطه،
حيث يرى طه ان الحرية مسؤولية والتزام شخصي في تحمل نتيجة العمل بين الخطأ والصواب، حسب ما أورده مؤلف الكتاب. وكذا أمارتيا سن يرى ان المسؤولية تقتضي الحرية، والواجب ان يتحمل الإنسان المسؤولية. والانسان الواعي عند طه ينبغي ان يكون ملتزماً تجاه العالم.
الكتاب في نظري اضافة حقيقية للفكر، فهو نتاج مجهود بحثي دقيق جداً، ما ان يورد الكاتب معلومة إلا ويحيلنا الي المصادر. سيلاحظ القارئ ان الكتاب قائم على مقاربة منصفه دون انحياز. وللحقيقة، فقد لاحظت خلال قراءتي ان الكاتب لم يقل بأسبقية طه، ولكن القارئ منذ الوهلة الاولى يتبين له ان طه قد سبق أمارتيا في هذا المجال، وما يميز مشروع المفكر محمود محمد طه هو انه يخلو من ممارسات كلامية ترى الواقع بالمقلوب، فهو مشروع يخاطب الواقع، لذلك هو نقيض للخطابات المستلبة التي تعبر عن انفصام جلي بين الفكر والواقع. ان أكبر أدلة واقعية مشروع طه، وصدقه، هي أنه قد جسد معارفه على منصة الإعدام!
ختامآ
أجدني أردد ما سبقني إليه الأستاذ صديق محيسي من قول: أرجو من الذين يحلمون بسودان جديد أن يعيدوا قراءة محمود محمد طه من خلال قراءة د/ عبدالله الفكي البشير له، فهو قد أضاء مناطق في فكر طه استعصى على الكثيرين الوصول إليها.
السبت 9 أكتوبر 2021
بحري شمبات
حيث طرح محمود محمد طه رؤاه تجاه التنمية وفق المؤلف عبد الله الفكي خلال فترة الخمسينات وحتى السبعينات من القرن الماضي، بينما جاءت أطروحة أمارتيا سن عن التنمية في عام 1999م.
هكذا يكتشف القارئ أن مشروع طه هو المتقدم بلا أدنى شك، حيث شخص طه المشكلات مبكراً ووضع حلولاً تقود إلى التغيير الجذري، من خلال ما وصفه مؤلف الكتاب بتحرير الإنسان من الخوف والجهل والفقر والمرض، وذلك بإقامة السلام والتسامح وأنسنة الحياة.
ما يدهش القارئ في هذه المقاربة أن طه وأماراتيا ينطلقان من مرجعيات مختلفة ولكنهما يلتقيان،
حيث ينطلق أمارتيا سن في رؤيته تجاه التنمية من تخصصه العلمي في مجال الاقتصاد، بينما نجد محمود محمد طه ينطلق من مرجعية يسميها الكاتب عبدالله الفكي الفهم الجديد للإسلام، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول، (الآيات المكية)، حيث جعل كل من طه وأمارتيا، الحرية شرطاً لنجاح التنمية. والحرية عند محمود طه هي الفيصل بين حياة الحيوان وحياة الإنسان. ولأن الإنسان يسعى لتحقيق فرديته حسب محمود طه من خلال الحرية، أي التحرر من الخوف والجهل، وذلك بالعلم.
والنقطة الجوهرية التي يلاحظها القارئ هي أن المرجعية الفكرية لمشروع المفكر محمود محمد طه هي إن الإسلام عنده ليس بالفهم السائد المألوف عند الجماعات الإسلاموية، بل هي تقوم على ما يسميه ب "آيات الأصول". وحسب طه، فإن الإسلام بالفهم الدوغمائي السائد يعوق التنمية، حيث أنه يقوم على الوصاية، وعلى ما يسميه (بالرأسمالية الملطفة).
الذي يشد القارئ في هذا الكتاب هو قيمة هذه المقاربة، باعتبارها مساهمة في فك الحصار والمقاطعة المفروضة على مشروع المفكر محمود محمد طه منذ سنوات طويلة، وحتى الآن نجد أن المنافسين السياسيين لمشروعه يعملون على تشويه فكره المتقدم من خلال التكفير.
تعد مساهمات دكتور عبدالله الفكي البشير نافذة جديدة يطل من خلالها مشروع إنساني، ويلاحظ القارئ صدق ما نقول حتى من خلال العناوين، حيث صدرت للكاتب مؤلفات موسوعية مثل: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، (2013)؛ والذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، (2020)؛ ومحمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، (2021)، وصدر له حديثاً الكتاب الذي بين أيدينا الآن، أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية، محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة).
من خلال هذا الإنتاج المعرفي الضخم ندرك أننا امام جهد فكري لافت، بكفاءته وحرصه على الانحياز للحقيقة، حيث يكتشف القارئ أن طه بنى مواقفه السياسية والوطنية وفق قناعاته الفكرية. فيقول، مثلًا، إن "الديمقراطية هي فرص التساوي بين المواطنين من حيث هم مواطنين"، ومن هذا المنطلق دخل طه في سجالات مع تيارات مثل القومية العربية، حيث رفض طه انضمام السودان لجامعة الدول العربية، وهذا يبين نظرته تجاه الواقع السوداني المتعدد ثقافيآ وإثنيآ. وقد كتب مرة يقول "اننا نتعلم دروسا من الأخطاء التي نقع فيها حتى تكون حصيلة جهودنا افضل في المرات القادمة". ويا ليت الإسلامو/ عروبين يفهمون ويتعلمون هذا حتى لا يزجوا بنا في ما لا يشبهنا.
بذل دكتور عبدالله الفكي البشير في سفره هذا جهدا كبيرا كشف من خلاله الكثير والمهم في رؤية طه تجاه التنمية التي بينها منذ وقت مبكر، ولكن ما اسميه أنا بأحزاب الأيديولوجيا الاسلامو/عروبية حاربوا طه ورفضوا مشروعه المتقدم، لأن محمود محمد طه أعلن انحيازه للمهمشين وللمستضعفين، وقد تجلى هذا في وقوفه النبيل ومناهضته لقيام المجلس الاستشاري لشمال السودان في أربعينات القرن الماضي. بل لو كانت جماعة الهوس الديني قد استمعت لطه لما أريقت وسفكت دماء عزيزة في الجنوب باسم الإسلام، لأن الجهاد عند طه ليس أصلا في الاسلام وإنما فرع، وفق فهمه الجديد الذي يرى أن الأصل في الإسلام الحرية، وهو حق يقابله واجب الأداء، وهو حسن التصرف في الحرية، ولا تصادر الحرية الا بقانون دستوري.
والقارئ لابد سيقف مندهشاً إزاء أن القانون الدستوري عند طه هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد الي الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة إلي العدالة الاجتماعية الشاملة، حسب الكاتب عبدالله الفكي البشير. ويمضي محمود محمد طه أبعد في فهمه الجديد للإسلام، حيث يقول ان الرق ليس أصلا في الإسلام إنما هو فرع، وهذا يضرب الايديولوجيا الاسلاموية في مقتل، فلطالما ظلت هذه الجماعات طوال تاريخها تستخدم الإسلام كغطاء أيديولوجي تبريري لما تقوم به من استرقاق واقعي، وحتى على مستوى الأذهان، اي في تفكيرها ونظرتها للأخر، وأقصد هنا ما يسميه المفكر محمد جلال احمد هاشم بعقلية نخاس رقيق.
ويبين د. عبدالله الفكي البشير من خلال هذا الكتاب أهمية الديمقراطية بالنسبة للتنمية عند كل من محمود محمد طه وأمارتيا سن، حيث تمثل الديمقراطية عنصرا جوهريا في عملية التنمية وفق ما توصل إليه المفكران، طه وسن. وبالتالي ان تحقيق التنمية عند، كل من كومار سن ومحمود محمد طه يتطلب الديمقراطية، إذ أن إقامة الديمقراطية عند سن يساعد في القضاء على المجاعات والحيلولة دون وقوعها، وكذلك يرى طه ان تحقيق التنمية يشترط إقامة نظام حكم ديمقراطي، والتنمية كما يفهمها طه يجب أن تقود إلي إبراز قيمة الفرد، وتحسين مستواه.
وبذات المستوى تتبين للقارئ رؤية طه تجاه قضايا المرأة وفق ما أورده مؤلف هذا الكتاب، من أن محمود محمد طه يرى "ان إنفاق الرجل على الزوجة من أهم الأسباب الرئيسة التي نهضت عليها وصاية الرجل على المرأة"، أو ما تسميه الكاتبة فاطمة بابكر محمود بالهيمنة الرجولية. حيث يقول محمود محمد طه ان الإنفاق على المرأة من قبل الرجل عبر التاريخ قد جعل للرجل على المرأة سلطان، لذا يرى طه تصحيحه يتم عبر استقلال المرأة اقتصاديا.
استوقفتني أسئلة كثيرة جدا، من ضمنها: ما هي الأسباب التي أدت الي غياب آراء محمود محمد طه عن المرأة؟ اي لماذا لم تأخذ الحركات النسوية بآراء طه وتستلهم فكر طه المتقدم في مسيرتها النضالية؟
وحسب المؤلف فإن اماراتيا لم يفصل في موضوع المرأة، ولم يقدم بشأنه مقترحات، بينما نجد عند طه موضوع المرأة قد أخذ حيزا مركزيا، فقد نظر إلى عمل المرأة وإنتاجها في البيت، ووصفه (بإنتاج الإنسان)، والذي اعتبره اهم انواع الانتاج. وهو بذلك قد تجاوز الفهم الساذج الذي درج رجال الدين على ترديده استنادا الي الفهم القديم للنصوص. وحسب الكاتب عبدالله الفكي البشير إن المفكر محمود طه ركز في مشروعه على فعالية المرأة وعلى الدور الذي تؤديه هذه الفعالية وبالتالي فإن أي تقييد لفعالية المرأة يراه طه ضررا بحياة جميع الناس، من رجال ونساء وأطفال، ولذلك ركز طه في مشروعه على فعالية المرأة. وفي ذات السياق يقول عالم الاقتصاد الهندي أمارتيا سن: "لقد أصبح واضحا من خلال النشاط التجريبي خلال السنوات الاخيرة أن رفاه المرأة يتأثر بمتغيرات مثل قدرة المرأة على اكتساب دخل مستقل".
يبدو واضحاً ان ما قاله أمارتيا كومار سن قد سبقه إليه طه بسنين طوال، إلا أن طه حوصر مشروعة من قبل مؤسسات تديرها عقول تمأسس الجهل المقدس، حسب اصطلاح (محمد اركون)، فالمرأة في فكر طه لا يمكن ان تكون كريمة في الحق إلا باستقلالها اقتصادياً.
كذلك بيين الكاتب من خلال فصله المعنون بالحرية الفردية التزام اجتماعي، التشابه بين آراء سن وطه،
حيث يرى طه ان الحرية مسؤولية والتزام شخصي في تحمل نتيجة العمل بين الخطأ والصواب، حسب ما أورده مؤلف الكتاب. وكذا أمارتيا سن يرى ان المسؤولية تقتضي الحرية، والواجب ان يتحمل الإنسان المسؤولية. والانسان الواعي عند طه ينبغي ان يكون ملتزماً تجاه العالم.
الكتاب في نظري اضافة حقيقية للفكر، فهو نتاج مجهود بحثي دقيق جداً، ما ان يورد الكاتب معلومة إلا ويحيلنا الي المصادر. سيلاحظ القارئ ان الكتاب قائم على مقاربة منصفه دون انحياز. وللحقيقة، فقد لاحظت خلال قراءتي ان الكاتب لم يقل بأسبقية طه، ولكن القارئ منذ الوهلة الاولى يتبين له ان طه قد سبق أمارتيا في هذا المجال، وما يميز مشروع المفكر محمود محمد طه هو انه يخلو من ممارسات كلامية ترى الواقع بالمقلوب، فهو مشروع يخاطب الواقع، لذلك هو نقيض للخطابات المستلبة التي تعبر عن انفصام جلي بين الفكر والواقع. ان أكبر أدلة واقعية مشروع طه، وصدقه، هي أنه قد جسد معارفه على منصة الإعدام!
ختامآ
أجدني أردد ما سبقني إليه الأستاذ صديق محيسي من قول: أرجو من الذين يحلمون بسودان جديد أن يعيدوا قراءة محمود محمد طه من خلال قراءة د/ عبدالله الفكي البشير له، فهو قد أضاء مناطق في فكر طه استعصى على الكثيرين الوصول إليها.
السبت 9 أكتوبر 2021
بحري شمبات