كتاباتي:عن سؤال المثقف من هو؟ وما دوره؟

osmanyousif1@icloud.com
اعرف ان اناس كثر تناولوا هذا الموضوع بالغ الأهمية والمعقد في نفس الوقت، وقد يفيد التطرق اليه لان الثقافة هى وجه الامه فان صلحت صلح الوجه وان فسدت فسد سائر الجسد..
امر الثقافة يا سادتي لا يكفي أن يُقدَّم في مقال واحدٍ عابر، بل يحتاج الي دراسة علمية متكاملة حتى يستبين الأمر.. ونحن لا ندعي المعرفة الشاملة لهذا الموضوع ولكننا فقط سنحاول ان نرمي حجر في المياه الساكنة علنا نكون قد شاركنا في اعادة ما قد دمرته آلة الحرب..
والسوداني في العموم يركن للاسترخاء الي ان تثار حفيظته وعندها يهب من غفوته ويتناول معوله هادماً او مرمماً او مشيداً صرحه من جديد..
ها نحن هنا ياسادتي نحاول ان نقدم مسودة تتناول بعض المحاور، وقد نقوم بتنقيحه أو توسيعه ان تطلب الأمر ذلك لاحقًا ليكون مادة للنشر أو للنقاش.
يكثر في أزمنة التحول والاضطراب عن سؤال من هو المثقف ؟ وما دوره؟ وهل لا يزال للمثقف مكان في عالم يتغير بسرعة ويسيطر عليه الإعلام الجديد والتقنيات (الوسائط الاجتماعية)والتي اصبحت هي المحرك لجميع مناحي الحياة؟..ومن المعلوم أن هذه الأسئلة ليست جديدة، فقد شغلت المفكرين منذ بداية العصر الحديث، وكل جيل أعاد طرحها بصيغته وظروفه، وهنا يتبادر الي الذهن سوال الفرق بين مصطلح المثقف والمتعلم فليس كل من نال قسطاً من التعليم، أو نال شهادات أكاديمية، مثقفاً بالضرورة. فالمثقف، بتعريف أدق، هو ذلك الشخص الذي يمتلك معرفة نقدية بالعالم وبنفسه، ويشعر بمسؤولية تجاه مجتمعه، ويسعى للتأثير في الواقع عبر الفكر أو الفن أو الموقف.

أما التعليم فهو وسيلة وليس غاية؛ او بعبارة اخرى منطلق وليس بالضرورة هوية. قد نجد مثقفًا في السوق، أو في الحقل، لم يلتحق بالمدارس، لكنه يُبصر العالم بوعي، ويفكر، ويعبر، ويغيّر. وقد نجد متعلمًا يحمل أعلى الشهادات، لكنه لا يتجاوز همَّه الشخصي، ولا يفكر في همّ الناس، ولا ينطق إلا بما يُطلب منه، فهو بعيد كل البعد عن روح المثقف.

هل المثقف وعدو نفسه؟
من أخطر التحديات التي تواجه المثقف أن يتحوّل إلى عدو نفسه ومجتمعه؛ حين يغدر بقيمه، أو يصمت عن الظلم، أو يتواطأ مع الاستبداد طمعًا في منصب أو خوفًا من بطش. فيتحول إلى “زينة” للسلطة، أو شاهد زور على قضايا الناس. وهنا يفقد المثقف قيمته الأخلاقية، بل يصبح أداة في يد من يريدون تعطيل وعي الناس. وهذا ما نبّه إليه إدوارد سعيد في حديثه عن المثقف الحقيقي الذي يجب أن يقف دائمًا مع الحقيقة لا مع السلطة، حتى لو دفع الثمن وحده.

الثقافة في نظر علماء الاجتماع:
يجب ان ننظر لعلم الاجتماع، باعتباره العلم الأقرب لدراسة الثقافة والمجتمع..وعلم الاجتماع يعرّف الثقافة بأنها منظومة من المعاني، والقيم، والعادات، والمعرفة، والتقنيات، التي تنتجها جماعة بشرية ثم بعد ذلك تتداولها. بهذا المعنى، الثقافة لا تنحصر في التعليم أو الكتب، بل تشمل طريقة اللبس، الأكل، العمارة، اللغة، الرموز، والفن، والطقوس. علماء الاجتماع أن الثقافة ليست شيئًا جامدًا، بل هي نتاج تفاعل مستمر بين الإنسان والبيئة والتاريخ. ويمكن أن تكون الثقافة محرّكاً للتقدّم، كما يمكن أن تكون عائقاً إن جمدت وتحجّرت.

أنواع الثقافة: المادية منها وغير المادية
يُقسم علماء الإنسان الثقافة إلى نوعين:

  1. الثقافة المادية: مثل الأدوات، الملابس، الأبنية، وسائل الإنتاج، الفنون التشكيلية… وهي تجسيد ملموس لما يصنعه الإنسان.
  2. الثقافة غير المادية: مثل اللغة، الدين، القيم، المعتقدات، الموسيقى، العادات، والتقاليد.
    والمثقف الحق لا يهتم فقط بالكتب أو الخطابات، بل يُدرك كل عناصر الثقافة، ويقرأ الواقع بعينٍ متكاملة: كيف يعيش الناس؟ ما الذي يؤمنون به؟ ما الذي يخافونه؟ ما الذي يحلمون به؟

المثقف العضوي: من المجتمع وإليه

أحد أبرز مفاهيم الثقافة الحديثة هو مفهوم “المثقف العضوي” الذي طرحه المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي. ويميز غرامشي بين المثقف التقليدي الذي يتحدث من برج عاجي، والمثقف العضوي الذي ينشأ من بين الناس ويخدم قضاياهم، ويتفاعل معهم ويعبّر عن تطلعاتهم.

المثقف العضوي ليس محايدًا، بل منخرطٌ في صراعٍ اجتماعيّ من أجل العدالة والكرامة. لا يكتب ليُعجب النخبة، بل ليوقظ وعي الناس ويمنحهم أدوات الفهم والتحليل والمواجهة.

ثقافات المجتمعات البدائية: البساطة العميقة

حتى المجتمعات البدائية، التي لم تعرف الكتابة أو التقنية الحديثة، لها ثقافتها العميقة، والتي تتمثل في القصص والأساطير والعادات والتقاليد. وقد أثبت علماء الأنثروبولوجيا أن هذه الثقافات تحتوي على نُظم معرفة معقدة وذات حكمة خاصة، وإن بدت لنا بسيطة.

والمثقف الحقيقي لا يستهين بهذه الثقافات، بل يتعلّم منها، ويحترمها، ويفكك نظرة الاستعلاء التي ترى أن كل ما هو “بدائي” أقل شأناً.

في الختام
سؤال المثقف يظل سؤالًا مفتوحًا، لا إجابة واحدة له. لكن المؤكد أن المثقف هو ضمير المجتمع، لا صدى له. هو من يسائل لا من يُصفق. من يحمل المعرفة بيد، والالتزام الأخلاقي باليد الأخرى.
وفي زمن الانهيارات الكبرى والتي نعيشها اليوم، يصبح صوت المثقف الحقيقي ضرورة لا ترفًا، لأن غيابه يعني استسلام الناس للخوف، والدجل،

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة

عن عثمان يوسف خليل

عثمان يوسف خليل

شاهد أيضاً

جوابات للاحباب: رسالة للسيدة نهاد نصر الدين

osmanyousif1@icloud.comعزيزتي نهاد ياسليلة ملوك النيل ويا ست البدور، أغريك السلام وانتي تساكنين ذاك المحيط الهادر …