(كلام عابر)
قامت جامعة الدول العربية بدعوة أطلقها السير أنطوني إيدن وزير خارجية بريطانيا عام 1941م لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول العربية وتلقف الدعوة نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي ورجل بريطانيا الأول حينما دعا إلى قيام جامعة للدول العربية لكن الدعوة لم تجد تجاوبا يذكر فكرر أنطوني إيدن الدعوة مرة أخرى حينما طلب صراحة من مصطفي النحاس رئيس وزراء مصر التي كانت تحت الاحتلال البريطاني طلب إليه تبني فكرة الجامعة العربية ، وكانت بريطانيا تأمل أن تكون الجامعة العربية أداة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في العالم العربي، وتبعا لذلك جاء برتوكول الاسكندرية في مارس 1945م وهو الذي تمخضت عنه جامعة الدول العربية من سبع دول ارتفع عددها فيما بعد إلى اثنين وعشرين دولة. ليس بداية الجامعة الكسيحة تلك وحدها هي التي أقعدتها عن العمل فقد كان ميثاقها، وما يزال، أهم عوامل اخفاقها إذا أنه لا يلزم الدول الأعضاء بقرارات مجلس الجامعة إلا تلك الدول الموافقة على القرار، ولكن مهما يكن فقد شكلت الجامعة نوعا من التقارب العربي وإن كان هشا عصفت به النزاعات بين الدول الأعضاء التي تجاوزت الاقتتال إلى الاحتلال.
ينص ميثاق الجامعة على أن تكون مصر هي دولة المقر ولكنه لم ينص كذلك على أن يكون الأمين العام مصري الجنسية ، ورغم ذلك ظلت مصر تجمع بين الحسنيين.. دولة المقر ومنصب الأمين العام، وظل المنصب حكرا على المصريين منذ تأسيس الجامعة وإلى اليوم ما عدا السنوات القليلة التي أعقبت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل التي كانت نتيجتها انتقال المقر إلى تونس واختيار أمين عام غير مصري، ثم عاد المقر والمنصب مجددا لمصر، فضلا عن أن مصر تستأثر بنصيب الأسد في بقية الوظائف في الجامعة ولا سيما في الوكالات المتخصة، ولم يعد ذلك مقبولا للدول الأعضاء خصوصا في السنوات الأخيرة. الأمين العام لا يتمتع بنفس الصلاحيات التي يتمتع بها الأمين العام للأمم المتحدة أو حتى الأمين العام للإتحاد الأفريقي أو منظمة الوحدة الأفريقية سابقا ولكن المنصب يمثل قمة الهرم في الكيان محدود الفاعلية ، وكانت الحجة المصرية لاحتكار منصب الأمين العام أن وجود أمين عام مصري يسهل أعمال الجامعة واتصالاتها بالجهات الحكومية وغير الحكومية التي تتعامل معها الجامعة في القاهرة ولم تعد هذه الحجة مقنعة لأن القاهرة تضم العشرات من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية وتسير أعمالها بسلاسة دونما حاجة لوجود مصري على رأسها.
إذا كان للتغيرات الحالية التي اجتاحت مصر والعالم العربي أن تكون ذات تأثير إيجابي على مسار الجامعة العربية وتبعث فيها شيئا من الحراك والفاعلية، والجامعة تتهيأ لاختيار خليفة لأمينها العام الحالي عمرو موسى الذي ظل في منصبه أكثر من عشر سنوات، فلا بد أن تبادر مصر الجديدة بنفسها بكسر هذا الاحتكار المعيب قبل أن يفرض عليها من الأغلبية الراغبة في التغيير، حتى يصبح منصب الأمين العام مشاعا بين الدول الأعضاء، ويجب ألا تكون فترة البقاء في المنصب طويلة حسب الطريقة العربية التقليدية حتى يكتسب المنصب قيمة وفاعلية أكثر قد تكون مدخلا لإصلاح حال الجامعة وحتى لا يظل الأمين العام مجرد موظف في الحكومة المصرية.
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com