كلب طيفور (2) .. بقلم عادل سيد أحمد
كانت الخواجيّة سعيدة بولوجها ذلك الحي العريق، و لعلها قد رأت فيه دلالةواضحة على أحوال البلد و مؤشراً دقيقاً على موقعه من خط الفقر...
و لكن، هالها منظرُ كلبِ طيفُورٍ رغم اتفاقه مع مجمل مظاهر جدب وبؤس الحي، فصاحت عندما رأته:
- Oh… My god!
وأقبلت على الكلب تحتضنه رغم اتساخه، و رغم القروح و القُراد الذي كان يُغطي جلده كله...
وكأنما شعر الكلب بتلك النِّعمة التي هَبطت عليه فجأةً من السماء، وذاك الحنُوِّ الدَّافِق الذي غمرته به و أفاضته عليه الملاكُ الزائر (مِسِزْ أليسون)، فقد أصدر (كلبُ طيفورٍ) أصواتاً، وهو في أحضان الخواجيّة، كانت أقرب إلى النواح منها إلى النباح، كأنه كان يشكو لها الحال بعبراتهِ و تَحَمْحُمهِ...
وسال لعابه برائحته الكريهة وبلل فستان أليسون، إلا أنها، لولوعها الشديد بالكلاب، و عاطفتها الدافقة نحوها، لم تشعر بذلك، أو قُلْ:
- لم تعره اهتماماً...
لا أدري السبب المُحدد الذي جعل مسز أليسون تختارني وصياً على الكلب الذي استقل في ذلك اليوم عن طيفور وصار اسمه (جيمس) حسب مبادرة أليسون...
و أعطتني الخواجيَّة من شنطةٍ كانت موضوعة بحقيبةِ سيارتها، أكياساً صغيرة لبودرة زكيّة الرائحة، ووصفت لي كيف أمسحها في جلد الكلب... يوميّاً،وبحذر بحيث أتفادى مواطن القُرُوح...
و غادرت بعد أن أشرفت على حمّام الكلب جيمس بنفسها...
و غمزت لي، وهي تودع الجميع، قائلةً بالإنجليزيّة فيما فهمت منه:
- جيمس أمانة في عنقك ما دام على قيد الحياة...
ورغم أنه يمكنني القول بأنني حملت الأمانةَ، عن جهالةٍ، وأوفيت بها، على صعوبتها، بقدرٍ كبير... إلا أنني لم أشعر بأية عاطفة تجاه كلب طيفور (جيمس)... ولا فُلَّة، ولا جرائها... ولا كلِّ جنسِ الكلاب و أبناء الكلاب، إلى يومنا هذا!
لقد أثمرت عنايتي بكلب طيفور، بعد حين، تحسنًا في صحته العامة، و لمعانًا في شعره وعينيه، و شفي من أغلب القروح و زال عنه القراد، و كـأنما أدرك جيمس وضعه الجديد، فقد بات يتجنب الأكل من أكياس القمامة و الرقاد في حواف ترع بالوعات الحي...
و انتقل سلوكُه تدريجيَّاً ليحاكي سُلُوك الكلاب المعتاد، فصار ينام النهارات و يجُوبُ الحي في الأمسياتِ و أنصاص الليالي...
و قلَّت مُطاردة أهلِ الحي له بالحجارةِ و العكاكيز، و خفَّت حِدةُ العدوانيات تجاههُ و انحسرت نظرات الاضطهاد التي كان يرمقه بها جميع قاطني الحي، اللهم إلا القلَّة التي لم تضع للنقلة النوعية و الطفرة الكبيرة في صحة و مظهر جيمس أي اعتبار، و كان من بين أولئك القلة الشيخ النذير إمام المسجد، الذي كان ولا يزال لا يتحمل اقتراب الكلب منه، أو حتى الوجود في مرمى بصره، و لو من بعيد، و كان كلما يراه: حوقل و بسمل و لعن الشيطان، مُردداً في كل مرة:
- غور يا الملعون... الله لا يطرح في جلدك بركة!
وشاركه معظم أطفال الحي في شعوره بالنفور و التطير من كلب طيفور، فتراهم يصيحون:
- كلباً كلبك، دنقر راسك و ارفع ضنبك!
وما أن يسمع أحد أفراد الحي أهزوجة الأطفال تلك، حتى يتيقن إن كلب طيفور في الجوار، أو على: مرمى حجر!
لم و لن تشفع له رعايتي الناجحة، و لا وصيَّة مسز أليسون، الخواجيّة الرؤُوفَة، التي أرسلتها وسط جمع أهل الحي: على رُؤوسِ الأشهاد!
amsidahmed@outlook.com
//////////////////