البصيرة ام حمد رمز الحماقة في الثقافة السودانية ، عندما ادخل الثور رأسه في خمارة العجين – وهي وعاء رخيص من الفخار – وعجز الثور عن اخراج رأسه قررت البصيرة ان تقطع رأس الثور!! وبعد ان علق الرأس المقطوع في الجرة الفخارية ولم يخرج قررت اخيرا كسر الجرة!!!
البصيرة ام حمد هي الام الروحية لاي بلبوس يرى الحل في قطع رقاب السودانيين بالحروب المتناسلة ( كل حرب تحمل في رحمها جنينا لحرب اخرى) ولا يفكر مطلقا في ان كسر الجرة هو الحل الاقل كلفة والاكثر عقلانية وانسانية !!
وما هي الجرة المقصودة هنا؟
انها الخلل البنيوي في هيكل الدولة السودانية الذي يشمل مؤسساتها الامنية والعسكرية واحتكار الدكتاتورية العسكرية للسلطة اكثر من نصف قرن ، وهيكلها الاقتصادي الشائه وعنصريتها وتهميشها لقضية التنمية المتوازنة، ووقوعها في قبضة عصابة الاسلام السياسي لثلاثة عقود ، العصابة التي ترغب في احتكار السلطة بواسطة الجيش ولكنها فشلت في تقوية الجيش ليكون قادرا على احتكار القوة المسلحة بل اصبح الجيش مرتهنا لواقع مليشياوي يحيط به احاطة السوار بالمعصم!
هذه هي معضلتنا باختصار ! هذه هي الجرة التي تم ادخال رؤوسنا قسرا في ضيقها وظلامها وروائح دمها وبارودها !!
ومن بيدهم الامر لا يرغبون في كسر هذه الجرة اللعينة بل ان افقهم الوحيد للحل هو الحفاظ على الجرة سالمة!! لا يرغبون حتى في ان يأتو متأخرين مثل البصيرة ام حمد التي كسرت الجرة بعد قطع رأس ثور واحد فيكسروها رغم ان قطعوا مئات الالاف من الرؤس السودانية!!
كل من ينادي بعودة الدكتاتورية العسكرية ينادي بتجدد الحرب!
كل من يعارض فكرة اعادة بناء المنظومة الامنية والعسكرية في اتجاه الجيش المهني الواحد الذي لا يحكم ولا يتحكم في الاقتصاد والتجارة فهو يجهز البلاد لحروب متناسلة!
كل من ليس في تصوره لمشروع السلام رؤية سياسية واقتصادية وتنموية لتجفيف منابع التمليش لا يمكن ان يكون جادا في استدامة السلام !
طي صفحة تعدد الجيوش هو في مصلحة الجميع!
ابعاد السلاح من ساحة التنافس السياسي على السلطة في مصلحة الجميع حتى الكيزان المستقوين بكتائبهم! مصير هذه الكتائب بعد الحرب ان تشتبك فيما بينها في صراع السلطة الارعن!
هل تتذكرون يا كيزان مصير فصائل الجهاااد الافغاني بعد انتصارها على الحكومة الموالية للاتحاد السوفيتي و” فتحها الاسلامي” لكابول؟!
تقاتلت تلك الفصائل فيما بينها بعد ” الفتح” بوحشية حيرت واخجلت كل من ناصرهم في جهاادهم المزعوم!! اقتتلوا في حرب ضروس اهلكتهم واهلكت الحرث والنسل الى ان ال الامر الى الكارثة المسماة طالبان!
سلامتنا جميعا في البحث عن خروج امن من ” حفرة السلاح ” وكم تعمقت وتوسعت هذه الحفرة بعد هذه الحرب!! .
فهل من خارطة طريق لعتق رقابنا من لعنة السلاح هذه؟
رشا عوض
١٦ اكتوبر ٢٠٢٥
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم