لا يستحون من الكذب.. وعلى الهواء مباشرة!!!
yassin@consultant.com
بدأت الإنقاذ حكمها في 1989م بكذبة نفت فيها أية صلة لها بالإخوان المسلمين. ولاستكمال عملية التمويه، ذهب الترابي إلى المعتقل، واعتلى حواريوه منصة الحكم. كان ذلك من باب الكذب المستساغ في عرف الإخوان، طالما أنه يهدف إلى تثبيت حكمهم ونفي الشبهات عنه في مطلع عهدهم. لم يفكروا في تأثيره على عضويتهم، ومناصريهم، وما يمكن أن يجر إليه من تبعات تدخل البلد في أزمة ثقة بين القول والفعل وعلى أعلى المستويات. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الأكاذيب التي تسربلت بالشعارات الجوفاء، وهي شعارات قد أثبت ضنك العيش الذي يكابده المواطنون مدى فداحة كلفتها، وأنها مجرد افتئات على الحقيقة، وهو افتئات لا يليق بمن يزعم إقامة شرع الله، سواء كان شرعاً مستقيماً أم مدغمساً كما أعلن رئيسهم عقب انفصال جنوب السودان.
لكن وزير مالية ولاية سنار، الدكتور إبراهيم سليمان، وفي حوار تلفزيوني بثته قناة أمدرمان يوم الأحد 2 أكتوبر، جاء بكذبة لا تليق بمن هو مؤتمن على أموال الناس في ولاية مركزية كولاية سنار. ففي حديثه عن سيرة حياته، وعقب تخرجه من جامعة الخرطوم التحق بالمعونة الأمريكية وعمل فيها سنتين ونصف السنة. استطاع أن يجتاز الامتحان المؤهل للحصول على تلك الوظيفة. ولأن المنافسة حادة بينه وآخرين، كانت المفاصلة النهائية لنيل الوظيفة تتمثل في سؤال عن مدى قدرة المتقدم على قيادة العربية. قال صاحبنا إنه قد كذب. هكذا كذب، إذ أجاب بنعم، علماً بأنه لم يسبق له أن قاد عربية، ولا يملك الرخصة المؤهلة لذلك. جاء كل ذلك باعترافه وعلى الهواء مباشرة!!! وكان ضاحكاً ومتهلل الأسارير. ولم لا يفرح، وقد حاز وظيفة بمنتهى الفهلوة؟ وهي فهلوة ذات قدر رفيع لأنها انطلت على الأمريكان.
يا ليته توقف عند ذلك. بل أضاف إلى ذلك كذبة أخرى أكثر بشاعة. هؤلاء لا يستحون من الكذب، إذ يعتبر الكذب ديدنا درج عليهم تنظيمهم الذي مكنهم من رقاب العباد وفي أكثر المواقع حساسية. أضاف أن المسؤول الأمريكي وضع بين يديه عربية وطلب منه أن يقودها، وقد اضطر لتأجير سائق للقيام بذلك نيابة عنه. وعندما عاتبه المسؤول الأمريكي على كذبه بإدعاء القدرة على القيادة، أجابه أنه يستطيع أن يقود لكنه لم تكن بحوزته رخصة القيادة. وقد كانت هذه الإجابة موضعاً لرضا المسؤول الذي اعتبره نزيها بشكل استثنائي. ويكون صاحبنا قد غطى كذبة واحدة بحزمة اجراءات تضليلية كاذبة.
كان علماء الحديث النبوي، فيما يطلقون عليه الجرح والتعديل، وعندما يكتشفون أن أحد رواة الحديث يمارس الكذب، ولو لمرة واحدة، يسقطونه فوراً من الاعتبار، ويستخدمون في حقه أبشع عبارات التشنيع. أحياناً يتسامحون ويقولون: «ليس بثقة». وأحياناً يشتطون ويصفونه بالكذب وبالتالي عدم ائتمانه على شيء.
وزير مالية ولاية سنار، وبأكاذيبه التي يقر بها على الملأ، هل هو جدير بتكليف يضع بين يديه أموال ولاية ذات شأن كبير من حيث القيمة المضافة، ليس من منظور الاقتصاد المحلي، إنما من وجهة نظر اقتصاد البلد قاطبة؟ وهل الكذب في ذكريات الماضي التليد ليس بذي شأن في الحاضر ولا يعد بالتالي دليلاً على استمرار هذه العادة؟ فمن شب على شيء شاب عليه، كما يقولون.
يهمنا هنا أن نتعرف على رأي الإخوان المسلمين في النزاهة الأخلاقية، وهل تظل في منأى عن التأثر بمثل هذا السلوك الذي مورس في الماضي ولا يعتد به في الحاضر؟ أم أن الولاء للحزب الحاكم يجبر مثل هذه الهفوات؟ هل ننتظر إلى أن نكتشف من خلال تقارير المراجع العام مدى خطل أن يظل مثل هذا الوزير في موقع حساس كهذا؟
هذه مجرد تساؤلات نتطلع لأن تأخذها حكومة الإنقاذ مأخذ جد، لا سيما وأن الأمر يتعلق بولاية عدد سكانها نحو المليون ونصف المليون نسمة من أحفاد دولة الفونج التي قامت على مشايخ الطرق الصوفية وما عرف عنهم من صدق بلغ مبلغ المجازفة بالنفس كما تؤكد قصص الشيخ فرح ود تكتوك، حلال المشبوك.
وعلى الرغم من هذه التساؤلات ذات الطابع الاستنكاري، فإننا ندرك تماماً أن الخلل في الإنقاذ خلل هيكلي يتعذر تصحيحه بتصحيح سلوك هذا أو ذاك من الأشخاص. إننا أمام نظام يزعم تملكه للحقيقة المطلقة، وأنه يعمل جاهداً لخدمتها ، ولا يهمه التكلفة التي يكتبدها السوداني الغلبان. فالأمر يخرج من مدار الحكمة البشرية المتراكمة، والتي تقرر ثمة ضوابط لتولي المسؤولية العامة، وتدخل في باب غيبيات لا يعلمها إلا أهل الإنقاذ. وبها وحدها يحكمون!!!