لجان المقاومة خطوات تنظيم

 


 

 


abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الثورة السودانية حاولت الاستفادة من تجارب الثورات السابقة، ومن ضمن عوامل عديدة ساعدتها علي النجاح، تغييرها لاساليب النضال وادواته، بطريقة مكنتها من التغلب علي تناقضات مكوناتها ونقاط ضعفها، وتمخض عن ذلك الوحدة الجادة والتضامن الصادق، وكانت كلمة السر في ذلك وضوح الهدف (تسقط بس) والتزود بوقود شعارات الثورة حرية سلام وعدالة.

والانتصار علي نظام عدمي ومنظومة اجرام احترافية كالانقاذ، لم يكن امرا سهلا، ولن تتاح له فرص الاكتمال في الوقت المنظور. وذلك ليس بسبب تطرف نظام الانقاذ في الطغيان وتكريسه للفساد كنمط حياة فقط، وانما لما تركه خلفه من تجريف كامل للحياة السياسية وتدمير ممنهج للبنيات الاقتصادية وتحلل للقيم الاجتماعية.
وكان الاكثر تضرر من ذلك، هو العمل العام، فبعد ان كان يعتمد علي المبادرات الفردية والجماعية، وتتصدره العناصر الكفؤة ذات المقبولية في المجتمع. اصبح هذا العمل في عهد الانقاذ طاردا للحد البعيد، بعد ان طاوله الفساد والافساد وسيطرة اعوان النظام وعسعسه علي كامل مفاصله، اضافة للخطورة واشانة السمعة لمن لا ينتمي الي نظامهم، وهذا ناهيك عن المتاعب الاقتصادية وانشغال الغالبية بتدبير لقمة العيش، وانفتاح الخلاص علي الهجرة لمعظم النشطاء الفاعلين في الفضاء العام. والاسوأ من ذلك، ومع غياب دولة القانون والاصح تغييب مفهوم الدولة بصفة عامة، اصبحت ثقافة الخلاص الفردي هي الحاكمة للمجتمع، وهي الثقافة المعاكسة ان لم تكن المعادية لثقافة العمل العام. وهذا بدوره افرز كم هائل من الشكوك والتهم والشبهات لكل من يتصدي للعمل العام.
وبما ان عملية البناء الوطني تحتاج لتكامل جهود كل مكونات المجتمع مع حكومته، فهذا ما يجعل تسليط الضوء علي هذا النشاط، فرض عين، يقع علي المهتمين بهذا الامر، من علماء ودارسين وخبراء في هذا المجال. لمعرفة مكامن الخلل وتقديم حلول واقعية، بحيث تجعل من العمل العام نشاطا جاذبا، يحرض اصحاب القدرات الاجتماعية والادارية والخدمية والفنية والابداعية، علي الانخراط فيه، دون خوف او تعرض لاضرار يمكن ان تطال من يعمل فيه.
واهم خطوة تجعل من العامل العام نشاط تنفتح الغالبية علي المشاركة فيه، هو القيام بجهد تنظيري والتأطير له في شكل منظومة عمل مبسطة، تبتقي وجه الوطن. ومن المؤشرات الدالة علي ذلك، التواضع والزهد في المناصب، الشفافية في العمل والتعامل، التضحيات المجانية، وقبلها الالمام بكافة تفاصيل العمل، واليقين التام بالقدرة علي القيام به. وبكلمة واحدة، الرغبة في الانجاز كهاجس لمجموعات العمل العام. وتوافر هذه الروح يرد للعمل العام احترامه وثقة المجتمع فيه، ومن ثمَّ يُكن التقدير لاصحابه والشعور بالعرفان لكل من يتصدي له.
هل يعني ذلك خلو العمل العام من الصراع؟ فهذا ضد طبيعة الاشياء. ولكن الصراع يجب ان يُصرَّف تجاه الرؤي والبرامج والاولويات التي تخدم المصلحة العامة، وليس علي المكاسب الذاتية او الفئوية او المناطقية، طالما الشأن شانا عاما. ومن هنا يصح القول ان التغيير عملية صعبة ومعقدة، لانه يبدأ من تغيير الذات كمنطلق لاحداث التغيير العام. اما ما يجعل التغيير اكثر صعوبة وتعقيد في حالتنا الراهنة، انه يأتي بعد خراب عميم طاول كل شئ، بما فيها الذوات التي ترتكز عليها عملية التغيير. وكأننا امام طوفان سيدنا نوح، الذي ضاقت فيه سبل الخلاص، لتؤول الي مجرد سفينة، في محيط لا ساحل له.
الشئ الذي يؤكد ان لجان المقاومة او الخدمات او المجموعات الشبابية التي تتصدي للعمل العام، من اجل حماية الثورة، يقع عليها عبء كبير، لمنع سفينة الفترة الانتقالية ليس من الغرق فحسب، ولكن حتي من الجنوح لخدمة اي مكون او كيان او جهة او منطقة. وهو دور بقدر ما هو عظيم وفيه وفاء لدماء الشهداء ومعاناة الجرحي والمغدورين بالغياب القسري، إلا انه كذلك يحمل مسؤولية جسيمة لتقديم ما يليق بحجم هذه التضحيات. والخبر السيئ ان كل ذلك يجري في ظل ظروف اقتصادية متردية وامنية معادية ودولة عميقة متربصة ودول اقليمية قادرة وطامعة.
والسؤال المحوري والحال هذه، كيف تكسب هذه اللجان احترام المجتمع وثقته؟ وتاليا تلبية اي دعوات تقدم من قبل هذه اللجان. وهنا تحديدا تكمن لب المسألة او غايتها (حماية الثورة). اي ببساطة الموضوع يتعلق بالسيطرة علي المجتمع وتوجيهه، اما لخدمة شعارات الثورة او لخدمة اعداء الثورة بمختلف تشكيلاتهم وما اكثرهم! وبما ان المسألة تتعلق بالسيطرة علي المجتمع، فلا سبيل امام لجان المقاومة، إلا تقديم نموذج للعمل، يقنع المجتمع انها حريصة علي مصالحه ضد اعداءه، وعلي راسهم تغول السلطات وتعدياتها. وهو ما يعني بدوره خلق مسافة بين لجان المقاومة والسلطات الحاكمة غض النظر عن طبيعتها. لان مجرد التورط في عمل السلطات بما فيها تقديم الخدمات، سيجعلها جزء من السلطة، وتاليا تنعكس عليها عواقب عمل السلطات، بما فيها الفشل والفساد بين مكوناتها وصراعها علي المكاسب، شأن كل سلطة غير مراقبة دستوريا.
والنقطة الجوهرية في هذه الجزئية، ان تلعب لجان المقاومة او الخدمات دور رقابي، وان تضغط في اتجاه تقديم الحكومات المحلية (مجالس محليات) للخدمات علي مستوي مرضٍ، مع تقليل منافذ الفساد والتسيب والاهمال لادني مستويات. وهذا الدور نفسه يصعب اداؤه من غير تحديد مهام وسلطات تلك الحكومات المحلية، بصورة واضحة وجلية، وبطريقة تُسهِل من تقييم ومراقبة اداءها، وقفل او تضييق كل مداخل الاخطاء والتجاوزات، وعلي راسها عناصر الفساد المتمكنة في المحليات واساليبهم في اداء عملهم/فسادهم. وكل هذا يمثل انشطة مستمرة اضافة لهدفها الاساس في حماية الثورة. وهذا من جانبه يستلزم تحديد ادوار ومهام وحدود وطريقة عمل لجان المقاومة وطبيعة علاقتها بالسلطة الحاكمة المركزية والحكومات المحلية، بما يحفظ لها استقلالها. وهذا بالطبع اول ما يعني ان لجان المقاومة ليست جزءً من حكومة حمدوك (او هذا ما يفترض) او رهينة لتوجهاتها او توجيهاتها، ولكنها رقيبة عليها، وحريصة فقط علي ما يلبي نداء شعارات الثورة، ومصالح المجتمع، من قرارات او توجهات. والاهم ان لجان المقاومة نفسها دورها مؤقت، وينتهي بالوصول للدولة المواطنة التي تُحدد فيها الحقوق والواجبات والمهام والادوار علي كافة المستويات.
ولكن كل هذا لا يعني الحجر علي العمل الطوعي او التغول عليه بواسطة لجان المقاومة او غيرها، وكأنها المالك الحصري للعمل العام، فلذلك العمل دوره وتقاليده الراسخة والسابقة علي عمل اللجان، والذي يكمل دور الدولة او يخفف العبء عنها، كنظافة البيئة والتشجير والتطعيم والاسعافات الاولية والتوعية عن مخاطر التدخين وختان الاناث...الخ، علي ان لا يمنع ذلك التعاون والتنسيق بين جميع مكونات الدولة وانشطتها، من اجل تقديم افضل الخدمات للمجتمع.
وعلي ذات ما هو مطلوب من الكيانات العاملة في الفضاء العام، يجب ان تخضع لجان المقاومة لشروط الانتخاب والشفافية والمحاسبة، او اي آلية ديمقراطية ومؤسسية تتناسب وطبيعة دورها، حتي يتم تجويد الاداء، ويُقطع الطريق علي اساليب الاحتكار، المفضية لانتاج متلازمة الاستبداد، لا محالة.
وعموما ليس هنالك امكانية للتقليل من انجازات لجان المقاومة، خلال اخظر ظروف مر بها الوطن، في الفترة السابقة. ولكن لكل مرحلة متطلباتها، وتاليا ما يناسبها من ادوار وادوات وجهود، تتكامل مع جهود كل انصار الثورة، للخروج من هذا المستنقع الآسن، الذي صنعته ممارسات وتطلعات وجهالات جماعة مأفونة، يقودها مجرمون محترفون، لا يتورعون حتي عن الزناء بامهاتهم واغتصاب آباءهم، اذا كان في ذلك خدمة لاستمرارهم في السلطة واكتنازهم للاموال. عليهم اللعنة انَّي يؤفكون.

واخيرا
ما دعاني لتناول اعلاه، ما بلغني عن ممارسات بعض عناصر لجان المقاومة في بلدنا، ونظرة المجتمع لهذه اللجان، وهو ما لا يدعو للفخر او يتلاءم وعظمة هذه الثورة. ودمتم في رعاية الله.

 

آراء