ماهي جريمة المُحتجين على الغلاء؟ هل التظاهر السلمي المدني من من أجل أي قضية جريمة؟ أم أن كل هذا الذي يجري للمتظاهرين السلميين طغيان وبربرية وتصرفات جائرة ومُهينة للكرامة الانسانية.. وهي تصرفات خارج الدستور حتى ولو كان الاحتجاز رفيقاً ومؤدباً وليس عن طريق السياط والضرب المبرح والقاء البشر في حديد الناقلات مثل الاخشاب وأكياس الأسمنت؟ أليس هذا هو التعذيب بعينه وامتهان الكرامة الذي يجري وكأنه ممارسة يومية في جمهوريات الموز؟ ما رأي نقابة المحامين حرّاس القانون والفضيلة؟ وما رأي مفوضية حقوق الانسان نصيرة الحقوق في هذا الذي يجري؟ وما رأى القضاء والقضاة؟
إنهم يريدون ان يكون تجريم التظاهر واقعاً بحكم العادة و(روتيناً) لا يثير الدهشة؛ ولهذا نقرأ في الأخبار أن ولاية الجزيرة تعقد محاكمة للمتظاهرين ضد الغلاء وكأن ذلك أمراً عادياً لا يستوقف عنده أحد ليقول: وهل التظاهر جريمة يُحاكم عليها؟ ليتهم قالوا إن المحاكمة لمواطنين اتلفوا المرافق العامة اثناء التظاهر ليكون الأمر مبلوعاً!.. وعلى كل حال فإن الحق جل جلاله يعلم وعباده يعلمون من هو الذي أتلف -حقيقة- مرافق الدولة؟
هذا الذي يدور كله خارج القانون والدستور، ولا نعتقد أن الأجهزة النظامية لا تعلم أنها مقيّدة بالدستور، وأنها محايدة بين السلطة والمواطن.. هذا إن لم يكن واجبها الأول هو حماية المواطنين من كل عسف حتى يبلغوا مأمنهم ..وإذا كان ذلك كذلك.. فما هي هذه (الخراطيش القومية) التي تلهب ظهر المواطنين المسالمين؟
لا نريد ضرب أمثلة من أي مكان في العالم.. ألسنا نحن مَنْ نخشى الله في عباده ولا نرجو غير مرضاته كما يقول الحاكمين عندنا؟ إذن لماذا نتخطّف الناس من الطرقات وننهال عليهم بالضرب المبرح الذي يجتمع فيه أربعة وخمسة من حملة السياط والعكاكيز على فتاة عزلاء أو شاب أعزل وهو ليس في وضع يمكن أن نقول فيه إنه يقاوم الاعتقال أو يعتدي على الشرطة! ولماذا الاعتقال من الأساس لمواطن يحتج سلمياً على سياسات بلاده العامة التي تؤثر سلباً على حياته وحياة أهله؟ ..أليس هذا من أحقّ حقوق المواطنة ومسموحات الدستور والقانون؟ ولماذا هذه المعاملة لمتظاهر مسالم يجهر برأيه في شؤون وطنه، ونحن نرى دول العالم الكافر - كما يقولون عليها تبجحاً -والله ينصر الدولة الكافرة العادلة على المؤمنة الظالمة- نرى هناك كيف أن المتهم بحيازة المخدرات يواجه الشرطة ويقول لهم لن تستطيعوا أن تضربوني أو أن ترغموني حتى على الكلام إلا بحضور المحامي.. فلا يملك رجال الشرطة غير الانصياع ولا يستطيعون أن يمسوا شعرة من رأسه؟
لماذا لا يعلم الأهالي أين حبست الدولة أبنائهم وبناتهم؟ وماهي جريمتهم؟ ولماذا يتم احتجاز الصحفيين ومهمتهم أن يقوموا بتغطية ما يدور في مجتمعهم وفق مطلوبات مهنتهم؟..نريد كلمة واضحة صريحة من القانون ومن رئاسة القضاء والمحكمة الدستورية ودواوين العدل حتى يكون الناس على بيّنة من أمرهم: هل التظاهر السلمي ممنوع دستوراً وقانوناً؟ وهل اعتقالات المتظاهرين وضربهم وسحبهم من أرجلهم من الأمور المنصوص عليها في القوانين؟ وللناس الحق في أن تتساءل: لماذا لا تتم ملاحقة متظاهرين آخرين خرجوا يهتفون من أجل (مسألة ما)، ولم تتعرّض لهم أجهزة الدولة حتى بلغوا الوجهة التي يريدونها، في حين تتم ملاحقة آخرين بالسياط والغازات مع أن التظاهر في الحالتين كان تظاهراً سلمياً؛ فلماذا تُنثر الدولة الورود على مظاهرة وتواجه مظاهرة أخرى بالكريزات والنبابيت والعصي؟ هل تفرّق الدولة في التعامل بين مواطنيها بهذه الصورة الفجة فتسمح بالتظاهر الصاخب لمن تحبهم.. وتطارد الآخرين بقسوة لأن لهم رأياً آخر، أو لأن السلطة لا تعتبرهم من مؤيديها ؟
الإجابة على هذه الاسئلة معلقة في رقاب من يعملون في قضاء الدولة وأجهزتها العدلية وهيئاتها ومفوضياتها الحقوقية والمحامين الذين يمثلون القضاء الواقف.. ولا مهرب من ذلك.. فهذه أمانة وعليهم أن يقوموا بواجب المهمة والمهنة الذي اختاروها لأنفسهم ولم يرغمهم أحد عليها! وإلا فليبحثوا لهم عن مهن أخرى لا تقضّ مضاجع الضمير!
murtadamore@yahoo.com