تذكرون اني قد حدثتكم عن محاولاتي التي اخفقت فيها ان اصبح صحفيّاً وكيف خاب املي من التجربة الاولى مع مدير تحرير صحيفة الاتحادي واعيب على نفسي صحافياً شهيرًا اوكما تعلمنا ذلك من كتاب المحفوظات الاولية لكن هو ليه سميّ كتاب المحفوظات؟ خلونا نحكيلكم شوية عن الاناشيد التي كانت مقررة علينا للحفظ الاجباري، في حقيقة الامر كانت تلك الاناشيد هادفة وذات مفاهيم نبيلة ومنها ذلك المقطع الذي استشهدت به انفاً طبعاً كانت تلك الاناشيد تخاطب عقول التلاميذ كما كانت ايضاً تصل قلوبهم..والمتأمل فيها يدرك انها الفت بمهنية عاليه وروعي فيها الفيئات العمرية لكن ما زاد حيرتي بعد ان كبرت هو كيف لاطفال في اقصى جنوب السودان استطاع ان يدرس معنا تلك الاناشيد ويفهمها علماً بانه من الناطقين بغير اللغه العربيه؟ كذلك الامر في اقصى الشمال وفِي بقية البلاد ولو ان الساسه والحكام من الذين تعاقبوا على كراسي الدوله في انتبهوا للعملية التعليمية وكيف انها وحدت الناس فلن ينفصل الجنوب ولا يجد التمرد لبني السودان مكان..اما ماحبب الينا تلك الاناشيد ليس فقط كلماتها ولكن ايضا الالحان التي غالباً ماتكون من الاغنيات الشهيرة فمثلاً احد الاناشيد التي مازال احفظها تقول في مطلعها: انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبةٍ وكيف صارت شجرة
وقد كنّا ننشدها على لحن اغنية للفنان ابراهيم عوض وكم كان يحلو لنا ان نردد هذه الاناشيد عندما نكون في الرحلات المدرسية..
اها نجي لحكاية التسميع وهنا طبعاً كانت فرصة ذهبية لعاشقي السياط من اساتذتنا لكي يهرون بها تلاميذهم الله يغفر ليهم غايتو بس، القصة كانت زي الحرب فقد شكت جلودنا وهي تتوجع لطوب الارض من ضرب غرائب الابل وحزم السلم حتى ان الكثيرين منا هربوا من المدارس واذكر ان احدهم فصل من المدرسة التي لم ولن يفهم منها شي وما كان منه الا وان يطلق زغرودة فرح لهذا الانجاز العظيم... والعقاب البدني لا يصلح اعوجاج ابداً لذلك عندما وصل ابنائي لسن الدراسة عرفت ان هناك عقاب نفسي لاي تلميذ مقصر او مخطئ ويسمونه حبس مابعد انتهاء اليوم الدراسي لعند انتهاء مدرس الفصل من واجباته من تحضير لليوم التالي وقد يطلب منه المُعاقب ان يقوم ببعض المساعدة البسيطة ومؤكد هذه الطريقة ناجعه حداً في تأديب المخطئ عوداً للست الكِتابة هذه الحسناء التي هي في نظري تلك المتعبة والمرهقة ذهنياً واتساءل من امتهنوها واقول لهم هل الكتابة مهنة ام حرفة؟ ثم ذات يوم بعد مايزيد من ثلاث عقود وفِي خلالها تمر مياه كثيرة وتتجدد مياه اخرى من تحت جسور حياتي ومنها اننا جابهنا عارض كبير غير حياتنا كاسرة صغيرة لا اود ان ادخل في تفاصيل مملة ولا تهم احد واقف هنا فليس كل شي بحث في حياتنا باب مشرّع لا ضابط له..رغم اني اوقن ان الذي جمعني بكم كما من عند ابونا النيل وارض واسعة ومسائل اخرى مشتركة من واشائج القربى الاهلوية والانسانية معاً واكيد الثانية أقوى واقوم مقام اعلى من مقامكم ولا اعلم اكثر مما تعلمون ولا ادعي انني من نسل مختلف عن نسلكم فانا ابن امرأة متواضعة كانت تامل القديد وترد الماء من الترعة وتحلب الأغنام وتحمي من وهج الدنيا حتى كبروا وشبوا عن الطوق واصبحوا ارباب اسر وذهبت هي وابي الي دنيا اخرى بعد ان اديا واجبهما على احسن مايكون الابوين فلهما الرحمة.. جلست يوماً وامسكت بقلمي وبدون ان اخطط للكتابة بدات اكتب في رواية لم يكتب لها ان تخلص ثم تبعها مشروع اخر عباره عن قاموس لتعابير سودانية دارجة بالعامية مع ترجمته للانجليزية وقد الهمتني بنتي الكبرى عسجد عندما ادهشتني يوماً وهي بعد في بداية عتبة الشباب بجملة التقطتها من احدى صديقاتها السودانيات (اجي ياراجل) واظنها كانت جديده عليها وقد ضحكت انا لهذا التطور لفتاتين ولدتا ببريطانيا وعاشتا طول حياتيهما هنا مما حملني ان اقول لنفسي ياراجل ليه ماتفكر ان تعمل ليهن قاموس صغير ومبسط وقد كان ولكن للاسف الشديد قبع المشروع في الرف ولم يرى النور.. سوف أحدثكم في مقال اخر كيف بدات عندي عدوى الكتابة ومتى وهل ادركتها ام هي التي ادركتني فالي اللقاء.. احبكم كلكم واتحكر في واطتكم الطيبة الطاهره دي لانصت لنصائحكم كالحُوار مع شيخه..