ماكبسية شامية !!

 


 

عمر العمر
11 August, 2011

 


aloomar@gmail.com

النظام السوري حشر نفسه ووطنه في مأزق يستحكم كل ما توغلت ماكينته العسكرية في دماء شعبه. العنف المفرط حفر هاوية بين النظام والشعب في الداخل، كما شوّه صورته في الخارج.
النظام يتقمّص شخصية ماكبث كأنما لا يجد سبيلاً غير الخوض في مزيد من الدم. تحوّل «حماة الديار» إلى «غزاة الديار» هزّ صورة الجيش. كل المبررات الحكومية بقصد تسويق العنف لم تقنع أحداً بما في ذلك العقلاء داخل النظام.
عنف الدولة على هذا النحو الدموي ألهب صمود الشعب السوري. تحت إصرار السوريين على تقديم الشهداء بسخاء نادر أخذت المؤسسة العسكرية في التشقق كما الثورة الشعبية المتصاعدة كشفت بجلاء عدم وجود دولة لحزب أو حزب وراء الدولة. قلة محدودة تدير الأزمة الوطنية المستفحلة، قلة قابضة على مفاصل السلطة والثروة. العقلية القاصرة وراء الأزمة فضحت عورات النظام المختبئة عقوداً وراء ستار القمع. الواقع المقروء في متن الثورة الحالية يناقض تماماً كل الأدبيات السياسية الرسمية الصادرة في دمشق طوال 40 سنة ويزيد.
الانتفاضة الباسلة أبانت الهوّة بين الشعب والنظام. جرأة الشارع عرَّت ضعف هيبة الدولة. النخبة الحاكمة أظهرت عجزاً فاضحاً إزاء استثمار الموقف الملائم واللحظة المناسبة لاحتواء الأزمة في بداياتها ورسم خارطة طريق يجنب الوطن والشعب المأزق المستحكم الماثل.
بعد تجاوز جنائز الشهداء عيّن الرصد وكسر أعداد المفقودين دائرة الحصر لم يعد من الممكن الحديث عن حوار وطني. آليات النظام نسفت كل جسور التلاقي الممكنة مع الشعب. ممارسات العنف الدموي صنعت قطيعة مع الماضي.
الشارع السوري يفيض رغبة عارمة من أجل كتابة مستقبل جديد. هو مستقبل قائم على الاعتراف بالتنوع السياسي والإثني والطائفي، باعتبار الاعتراف ليس واقعاً سورياً قائماً، بل هو كذلك السبيل لتعزيز وحدتها. هو مستقبل يضع نهاية الاستبداد وسبل الفساد.
هو مستقبل يضمن تصفية الزواج غير الشرعي بين السلطة والثروة. هو مستقبل يضمن تفعيل المنظومة
هو مستقبل يضمن تصفية الزواج غير الشرعي بين السلطة والثروة. هو مستقبل يضمن تفعيل المنظومة العدلية المعطلة.
هذه الخارطة المستقبلية لم تكن غائبة عن أعين النظام، غير أنها عصية على التنفيذ من قبل نخبة اتسم أداؤها بالبؤس. إعادة كتابة المشاريع الوطنية المستقبلية يتطلب في البدء ممارسة النقد الذاتي الموضوعي. هذه فريضة تتطلب شجاعة في القلب وجرأة في الفكر.
القابضون على السلطة في دمشق تمادوا في نهجهم القمعي انطلاقاً من قناعة باستحالة تدخل خارجي. هذه القناعة حملتهم على الاستفراد بالشعب وممارسة أشكال متوحشة من التعذيب والتقتيل. المعارضة السورية ترفض التدخل الخارجي، لكنها لم تستبعد وضع النظام تحت ضغوط خارجية.
هذه النظرة بدأت تأخذ مسارها على الأرض. تحت هذا الضغط، أمام النظام خياران، أحلاهما مرّ.. أما الاصطدام بالخارج بعد الداخل أو بدء مسلسل العد التنازلي في التنازلات.
هذا مأزق من نوع آخر يحشر النظام السوري نفسه فيه. وراء المأزقين الأول والثاني عقلية لم تدرك الطفرة التي أحدثتها ثورة الاتصالات في منظومة العمل السياسي. تلك العقلية عمدت إلى إطفاء الشعارات بالنار. هي نفسها استهدفت إشعال فتنة إثنية ومذهبية بغية إجهاض الثورة.
العقلية نفسها حاولت استدراج جموع قبلية لحمل السلاح في وجه الجيش بغية إيجاد مسوغات تبرر عنفه المفرط في وجه المدنيين العزّل.
وعي الشعب السوري الباهر وثقافته، يشكلان مصدّات ضد مثل تلك المحاولات الساذجة. في وهج هذا الوعي والثورة وبعد التضحيات السخية، لم يعد ممكناً لشباب الثورة القبول بالجلوس إلى طاولة حوار يستهدف إجراء عملية إصلاح مهما كان عمقها أو بعدها الجراحي.
الشارع السوري بات مفتوحاً على ثورة شاملة تنجز تحولات جذرية على الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

آراء