ما المرجعية؟

 


 

رحيق محمد
24 June, 2020

 


في لحظة تاريخية ما، قرر السودانيون أن يتحدوا على هدف ما، وأن يعملوا لأجله سوياً، وفي سبيل ذلك الهدف ذابت كل الفوارق والتناقضات بين كل الأطياف والفئات المكونة لذلك المجموع، ثم شاء الله أن يتحقق المبتغى .. ويسقط البشير، وتذهب دولة الإنقاذ!
ولأن العقل الجمعي لا يفكر إلى مدى أبعد من َغدِه، فإن ملامح دولة ما بعد الثورة لم تكن واضحة في تصور الإنسان السوداني الذي أنجز الثورة، رغم أن قيادته السياسية التي أدارت الحراك قد أخذت على عاتقها التأسيس الكامل للدولة الجديدة، دولة ما بعد البشير!
كانت المرحلة الأولى من الثورة "مرحلة الهدم" كما أسلفت مرحلة امتازت بالاتحاد وتناسي كل الاختلافات، ولم تكن لتلك المرحلة مرجعية إذ لا يحتاج الهدم إلى مرجعية، ولكن لما جاءت مرحلة البناء، والبناء بطبعه لا يقوم إلا على أساس نظري يستلهم من مرجعية أو مرجعيات، هنا طفت إلى السطح التناقضات والصراعات! والتي تجسدت في أحداث كثيرة لا أحصيها منذ الحادي عشر من أبريل وحتى اليوم! صراعات نشأت نتيجة الاختلافات المرجعية الجذرية بين القواعد المنجزة للثورة وبين قادتها ونُخَبَها الذين تصدروا المشهد، فأصبحت السمة الغالبة التي تمتاز بها هذه الفترة الانتقالية هي "ضياع المرجعية"
كان من الواضح جداً أن سقوط النظام السابق مسألة وقت، وأن المهم ليس سقوطه وإنما الذي يأتي بعد سقوطه، كيف سيكون شكل الدولة من بعدهم وكيف ستُدار وما هي الأسس المرجعية التي سينطلق منها قادة المرحلة الانتقالية لبناء الدولة، والأهم من كل ذلك من أين تستمد هذه المرجعيات شرعيتها؟
هذه الأسئلة كانت أسئلة مهمة وتأسيسية قبل الدخول إلى المرحلة الانتقالية، وحولت هذه المرحلة من مرحلة وظيفية إجرائية إلى مناخ للاستقطاب الحاد، والحق أن النخب استفادت كثيراً من غياب هذه الأسئلة عن وعي السودانيين، وأباحت لنفسها أن تضع الجواب على أسئلة مصيرية هوياتية بسلطة فوقية منبتة عن أصلها.
السودان اليوم يشهد فترة يعاني السودانيون فيها من ضيق في العيش وندرة في ما يقوم به معاشهم وصارت هموم أكثر الناس ومصدر معاناتهم هي مأكلهم ومشربهم، إلا إن هذه الفترة ستنقضي يوماً بإذن الله، وستعود أسئلة النظرية والمرجعية لتكون الشاغل الأهم في الساحة السياسية السودانية، وإن أبت النخب إلا أن تتجاهل المرجعية وأن تعمل وفقاً للأهواء والنزوات والهرمونات، أو على أساس من إملاءات تأتي من غير الخرطوم، فإن هذه الدولة لن تشهد استقراراً قريباً، وإذا أصرت السلطة أن تدخل في صراع مع الهوية فإن صراع الهوية لن تحسمه إلا الدماء تسيل في شوارع الخرطوم وإنها يومئذ حرب يخسر فيها الجميع..

mugiwarara98@yahoo.com

 

آراء