aminoo.1961@gmail.com
بقلم : امين الجاك عامر المحامي
بعد أداء صلاة الجمعة في مدينة عجمان، جلستُ لبعض الوقت في الحديقة المجاورة لمباني استديوهات عجمان الخاصة، حديقة العكاسة أحتسي كوبًا من القهوة في انتظار بعض الأصدقاء. كانت الحديقة خضراء هادئة، ينساب فيها النسيم برفق، فقررت أن أتصفح تطبيق “فيسبوك” على هاتفي لأطّلع على أخبار الأهل والأحباب في مدينتي ود مدني الحبيبة.
وبينما أتجول في المنشورات، استوقفتني صورة وخبر نشرهما صاحب الصفحة العامة “أصدقاء جمال إبولبدة”، عن العم موسى فضل المولى – سائق ومشغل السينما المتجولة. تلك اللحظة الصغيرة كانت كفيلة بأن تفتح أمامي بوابة من الذكريات والحنين إلى أيام الطفولة.
تذكرتُ العم موسى، ذلك الرجل الفارع الطول، المهاب الوقار، الذي كان يحمل إلينا البهجة في أحياء ود مدني من خلال السينما المتجولة. كانت تلك العربة السحرية مشروعًا ثقافيًا تابعًا لوزارة الثقافة، تجوب المدن والقرى، حاملةً على متنها وعيًا ومعرفة وتثقيفًا صحيًا في آنٍ واحد.
كنا ننتظرها بفارغ الصبر، إذ كانت تصل بعد صلاة المغرب لتبدأ عرضها في ميدان الدرنية. في ذلك اليوم، يتوقف لعب الكرة مبكرًا، ويبدأ الجميع في تجهيز المكان: يُحضِر الصغار الكراسي من البيوت المجاورة لكبار السن من الرجال والنساء، وتُرتّب الصفوف أمام تلك الشاشة البيضاء التي تُنصب على العربة.
وما إن تبدأ السينما حتى يعم الصمت المكان، ويجتمع الناس كبارًا وصغارًا حول الضوء المتراقص على القماش. كان العرض حدثًا استثنائيًا، وموعدًا مع الدهشة، وطريقًا نحو الحلم. ومع انتهاء العرض، تنتهي أمسية من أجمل أمسيات الطفولة، لكنها تبقى عالقة في الذاكرة حتى اليوم.
أما الآن، فقد تغيّر كل شيء. صارت السينما في الموبايل، تسكن جيوبنا، وترافقنا في كل لحظة. بضغطة واحدة نشاهد مباراة في كرة القدم أو فيلمًا من أقصى الأرض، لكننا لم نعد ننتظر أحدًا، ولا نتشارك الضحكة أو الدهشة في الظلام.
بين سينما كانت تأتي إلينا، وسينما نسكنها نحن، تمتد حكاية جيلين: جيل كان ينتظر الصورة كعيدٍ جماعي، وجيل يشاهدها وحيدًا على شاشة صغيرة.
وربما في هذا التحوّل تكمن القصة كلها — حكاية الإنسان مع الصورة، من ضوءٍ يجمعنا إلى ضوءٍ يعزلنا، ومن السينما المتجولة إلى سينما الموبايل… حكاية زمنين، وسينما لا تزال تحاول أن تضيء القلوب، مهما تغيّرت الشاشات
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم