ما دام الكيزان قادرين على تخريب اي مشروع سلام او عرقلته بالكامل لماذا لا يتم استيعابهم في مشروع السلام؟
هذا ايضا سؤال تضليلي فيه ايحاء بان القوى المدنية اقصائية
عدم استيعاب الكيزان في اي مشروع تسوية سياسية في الظرف الراهن سببه ان شروط استيعابهم التي يطرحونها بعضمة لسانهم مستحيلة التحقيق عمليا!
الكيزان لا يطلبون لانفسهم وضعا طبيعيا في المعادلة السياسية السودانية بل يتعاملون مع وضعيتهم كمالك حصري للمجال العام في السودان كوضع طبيعي جدا وغير الطبيعي هو مطالبتهم بادراك حقيقة ان السودان وطن الجميع ويجب ان يتساوى فيه الجميع، ومكمن الخطورة هو انهم يمتلكون من القوة العسكرية والاجهزة الامنية الرسمية والشعبية والسيطرة على المال والدولة ما يجعلهم قادرين عمليا على سحق خصومهم السياسيين! وكانت هذه الحرب وسيلتهم لهذا السحق النهائي لكل معارض لهم ولكل منحاز للثورة ضدهم! ولذلك تجدهم هم الفئة الوحيدة التي تريد استمرار الحرب وتقف ضد السلام بعنف مبالغ فيه، فهم يتصورون ان نهاية الحرب يجب ان تكون بتسليمهم الدولة وشعبها ومواردها ! باختصار تسليمهم ممتلكاتهم الخاصة كاملة غير منقوصة ليفعلوا فيها ما يشاءون!
وبالتالي فان استبعاد الكيزان من اي فترة انتقالية شرط لازم جدا لنجاحها! لان المطلوب هو انتقال السودان من حالة الهيمنة المطلقة لنظام الكيزان الى مربع جديد ينهي هذه الوضعية الشاذة ويؤسس لوضعية طبيعية! وضعية ديمقراطية لا تنزع حق المواطنة من الكيزان ولا تقطع رؤوسهم ولا تدخلهم بيوت الاشباح كما فعلوا هم بخصومهم! بل مجرد انتقال مدني ديمقراطي لتسوية الملعب السياسي للتنافس الحر على السلطة في ظل تكافؤ الفرص وتفكيك تمكين نظام فاسد، وبالمناسبة في اعقاب اي تغيير سياسي طبيعي جدا ان يتم تفكيك تمكين النظام الذي اطاحت به الثورة، حدث هذا في شرق اوروبا بعد الربيع الاوروبي، وقبل ذلك حدث للنظم الفاشية والنازية في غرب اوروبا، اذ يستحيل ان تنتقل الى نظام جديد دون الانعتاق من هيمنة النظام القديم!
هناك من يسأل ببراءة اليس من الافضل استيعاب الكيزان في المشروع الانتقالي لضمان نجاحه واتقاء شرهم؟
هذا السؤال يجوز طرحه فقط في حالة اعلان التيار الرئيسي للكيزان انه مقتنع بفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد وراغب في انجاح الانتقال الديمقراطي ومعترف باخطاء نظامه ومستعد للقبول بالعدالة الانتقالية، ولكن هؤلاء الكيزان منذ ١١ ابريل ٢٠١٩ انخرطوا في تنفيذ هدف واحد هو تدمير الفترة الانتقالية والانقلاب عليها وعندما فشلوا في ذلك اشعلوا الحرب لطي صفحة التغيير نهائيا .
تأسيسا على ذلك فان الذي استبعد الكيزان ليس مشروع اقصاء تقوده القوى المدنية بل هو المشروع الاقصائي الذي يحملونه هم وليس لديهم ادنى استعداد للتراجع عنه كما يقولون بلسان مقالهم وحالهم معا! ولهذا السبب هم معضلة كبيرة وعقبة في طريق السلام وفي طريق اي تحول ديمقراطي!
ثلاثون عاما من القمع والحروب الاهلية وصناعة المليشيات ونهب موارد الدولة وتجريفها سياسيا واقتصاديا واخلاقيا وعزلها دوليا وتمريغ انف سيادتها الوطنية في الوحل ، واخيرا اشعال حرب كارثية دمرت البلاد من اقصاها الى اقصاها وتهدد بتقسيمها ، ورغم كل ذلك لا نجد في خطابهم نبرة ندم او اعتذار او حتى قليلا من الحياء! بل تماديا في الفجور والبجاحة والوقاحة ومثابرة على اللؤم والتوحش ورسوخا لفكرة امتلاكهم دون سواهم للوطن بما فيه ومن فيه واحقية عصابتهم بتوزيع صكوك الغفران الوطني!
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم