مجزرة بمخيم للنازحين في الفاشر خلّفت عشرات القتلى .. اتهامات لـ«الدعم السريع» بارتكابها بمسيرات وقصف مدفعي أدت إلى حرق منازل بسكانها

الشرق الأوسط: ذكرت مصادر محلية من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المحاصرة منذ أكثر من عام، أن «قوات الدعم السريع» ارتكبت مجزرة داخل أحد مخيمات النازحين في المدينة، خلّف عشرات القتلى والجرحى، وتدمير منازل حرقاً بسكانها.

وقالت «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر»، (مجموعة حقوقية محلية)، السبت، إن طائرات مسيّرة تابعة لـ«قوات الدعم السريع» شنت ليل الجمعة – السبت، غارات بمسيّرات استراتيجية وقذائف مدفعية حارقة، استهدفت عدداً من المواقع من بينها مركز لإيواء المدنيين النازحين، وقتلت العشرات منهم، لا تزال جثث بعضهم تحت الأنقاض.

وأضافت، في بيان على موقع «فيسبوك»، أنه تم إحصاء 60 قتيلاً، بينهم نساء وأطفال ورجال من كبار السن لقوا حتفهم حرقاً واختناقاً داخل مساكنهم المدمرة.

وذكرت في البيان أن الوضع في الفاشر فاق حد الكارثة والإبادة الجماعية، وأن مئات القتلى والجرحى داخل الأحياء السكنية سقطوا جراء القصف المدفعي العشوائي خلال الأيام القليلة الماضية.

وقالت التنسيقية، وهي إحدى المجموعات المدنية التي توثق الانتهاكات ضد المدنيين، إن مدينة الفاشر تفقد يومياً أكثر من 30 قتيلاً، ضمن سلسلة من المجازر المتكررة التي ظلّت ترتكبها «الميليشيات» في استهداف المدنيين. ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» على الحادثة التي أودت بحياة العشرات من القتلى والجرحى المدنيين.
أُسر تحت الركام

بدوره، أفاد مرصد شمال دارفور لحقوق الإنسان، (منظمة حقوقية تطوعية)، في تقرير أولي، بأن عدد القتلى في القصف الذي استهدف المركز المدني في وسط المدينة، تجاوز 30 قتيلاً على الأقل، وعشرات الجرحى «بعضهم في حالة حرجة». وقال إن من بين الضحايا أسر دفنت بالكامل تحت الركام، وأشلاء لقتلى آخرين تعذّر انتشالهم بسبب استمرار عمليات القصف المستمرة دون توقف من قبل «قوات الدعم السريع» على المدينة. وأظهرت مقاطع فيديو، نشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تناثر جثث لعدد من النساء والأطفال والرجال داخل ساحة مركز الإيواء.

وتأكيداً للحادث، أفادت مصادر إعلامية في الفاشر بأن مسّيرة استراتيجية شنت، في وقت متأخر الجمعة، غارات على مواقع عسكرية ومدنية في المدينة، ما أدى إلى مقتل 4 عسكريين وعدد من المدنيين في الأحياء السكنية.

وبحسب المصادر، قُتل العشرات من المدنيين كانوا يختبئون تحت الأرض داخل مركز الإيواء، وأن عمليات انتشال الجثامين مستمرة، في وقت لا تزال فيه المدينة تتعرض لقصف مدفعي عنيف من «الدعم السريع». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» على الحادثة، التي أودت بحياة العشرات من القتلى والجرحى المدنيين.

إلى ذلك، أشار مدير منظمة الصحة العالمية أدهانوم غيبريسوس، في تغريدة عبر موقع «إكس»، إلى أنه منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، تعرَّض مستشفى الولادة السعودي، المستشفى الوحيد الذي لا يزال يعمل في الفاشر، للهجوم 3 مرات، وأن تلك الهجمات أسفرت عن مقتل 6 أشخاص، بينهم طفل. كما أُصيب 12 شخصاً آخرين، بينهم طفلان وعامل صحي. وتضرَّرت غرفة العمليات والمرافق المجاورة.

ودعا مدير منظمة الصحة العالمية إلى «حماية المرافق الصحية فوراً، وكذلك توفير وصول المساعدات الإنسانية، حتى نتمكَّن من دعم المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة، والعاملين الصحيين الذين هم في أمسّ الحاجة إلى الإمدادات الصحية».

وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، قال، الخميس، إن القتال في مخيم للنازحين وما حوله في غرب السودان، أسفر عن مقتل 53 مدنياً على الأقل وإصابة أكثر من 60 آخرين على مدار 3 أيام، هذا الأسبوع، وإن عدد القتلى آخذ في الارتفاع.

وأفاد تورك بأن الضربات الجوية والمدفعية التي شنَّتها «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية في حيَّي أبو شوك ودرجة ومخيم النازحين في الفاشر، أسفرت عن مقتل 46 شخصاً.

من جهة ثانية، قالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدعم السريع» كثَّفت من القصف المدفعي واستخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية والاستراتيجية خلال الأيام الماضية في الهجمات التي تطول بشكل عشوائي كل أنحاء المدينة. وأضافت أن الفاشر تشهد منذ وقت باكر، السبت، قصفاً مدفعياً مكثفاً على أحيائها السكنية.

وتعد الفاشر آخر عاصمة في إقليم دارفور تحت سيطرة الجيش، وتخضعها «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2024 لحصار خانق، تسبب في مجاعة كبيرة وشح في السلع الغذائية، فيما تتواصل الاشتباكات العنيفة بشكل شبه يومي، ما يهدد حياة آلاف المدنيين.

مبادرة الرباعية

وفي السياق، أبدت الحكومة الموازية في السودان، الموالية لـ«قوات الدعم السريع»، استعدادها التام للتعاطي مع المبادرات الدولية لإنهاء الحرب في البلاد.

ورحب رئيس الوزراء، محمد حسن التعايشي، في بيان، السبت، بمبادرة «الرباعية الدولية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، والجهود المقدرة التي تبذلها إدارة الرئيس دونالد ترمب في تحقيق السلام في المنطقة والعالم. وقال إن هذه المساعي تجعلنا أكثر تفاؤلاً في تحقيق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين والدوليين لإنهاء الحرب في السودان والإقليم.
من جهته، قال محمد يوسف المصطفى، عضو المجلس الرئاسي في حكومة السلام برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وعدداً مقدراً من الضباط في الجيش السوداني يريدون تسوية تفاوضية، حسب ما يعلنون ووفقاً لمشاركاتهم السابقة في مفاوضات جدة والمنامة عامي 2023/24، «إلا أنهم يتعرضون إلى مكابح من جماعة الحركة الإسلامية المسيِّرة الفعلية لمجريات الحرب في السودان». وأضاف: «إذا اختار البرهان المضي مع الإسلاميين في الحرب، فسيتحمل المسؤولية التاريخية»، وشدد على أن «الوضع الآن كارثي، وإذا رفض الإسلاميون مقترحات الرباعية فإن الحل سيكون في تدميرهم بواسطة (قوات تأسيس)، وهي مصممة على ذلك».

وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلن تحالف السودان التأسيسي تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»، موازية للحكومة في بورتسودان، أطلق عليها اسم (حكومة السلام)، ومجلس رئاسي برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي). وأشار المصطفى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن البرهان وعدداً مقدراً من الضباط في الجيش مع التسوية التفاوضية التي تحفظ للجيش كرامته وكينونته، لكن الجهة الوحيدة في السودان التي رفضت قرارات الرباعية هي التيار الإسلاموي وحزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وقال: «رفض الرباعية يعني استمرار الحرب في السودان، وبالتالي فإن حكومة تأسيس ستكون مستمرة في محاربة الإسلامويين».

كانت الآلية الرباعية دعت إلى هدنة إنسانية مدتها 3 أشهر، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية بسرعة إلى جميع أنحاء السودان، على أن تقود مباشرة إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم يتم إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تختتم في غضون 9 أشهر. وجدد القيادي في حكومة تأسيس التي اتخذت من مدينة نيالا في غرب السودان عاصمة لها، الترحيب بمخرجات الآلية الرباعية، بضرورة التوصل إلى هدنة لإيصال المساعدات الإنسانية لكل أنحاء السودان. وقال إن مخرجات الرباعية توفر الحد الأدنى من الأمان بوقف الموت المجاني الذي يحدث الآن، ولا يوجد سبب لاستمرار الحرب، خاصة بالنسبة للمواطنين الذين دعوا لوقفها، حتى لا يضيع هذا الجيل. وقال عضو المجلس الرئاسي لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومة بورتسودان عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، والوضع الآن كارثي، وإذا رفض الإسلاميون مقررات الرباعية فإن الحل في تدميرهم بواسطة قوات تأسيس، وهي مصممة على ذلك، حتى يجنحوا للسلم.

عن طارق الجزولي

طارق الجزولي

شاهد أيضاً

روبيو يؤكد أهمية وقف إطلاق النار في السودان خلال اتصال مع نظيره الإماراتي .. مسئول فى الخارجية الأمريكية: لا حل عسكرى للصراع فى السودان

واشنطن (رويترز) – أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يوم الجمعة أهمية وقف إطلاق النار …