محمد عبد المنعم صالح
mohamed.abdommm@icloud.com
“يُعدّ هذا الكتاب من أبرز المساهمات التي تناولت التصوف الإسلامي باعتباره ثورة روحية داخل الدين نفسه، لا خروجًا عليه. اذ يرى أبو العلا عفيفي صاحب هاذا المؤلف أن التصوف لم يكن مجرّد نزعة زهد أو تأمل فردي، بل كان حركة تجديد باطني عميق هدفت إلى إعادة المعنى الروحي للإسلام بعدما غلبت عليه الجدليات الكلامية والتشريعات الفقهية الجافة.، فالتصوف عنده ليس فرعًا هامشيًّا من الفكر الإسلامي، بل هو القلب الحيّ للإسلام، وروحه التي أعادت إليه الإشراق بعد أن كاد يتوه بين فلاسفة العقل وفقهاء الظاهر.
فاتحة كان لابد منها ونحنا امام هذا السفر الضخم .. ولندلف في تلافيف هذا السفر ..
يبدأ عفيفي بتشخيص حالة الفكر الإسلامي بعد القرون الأولى، حيث انقسم المسلمون بين:
الفقهاء الذين حصروا الدين في الأحكام الظاهرة والعبادات الشكلية.
المتكلمون الذين جعلوا الدين موضوعًا للجدل العقلي البارد.
الفلاسفة الذين حاولوا إخضاع الدين لمقولات المنطق المحض .
في مقابل هؤلاء، ظهر الصوفيون ليعلنوا أن الدين في جوهره تجربة قلبية ومعاناة وجدانية، لا مجرد تصديق أو جدل .
هكذا مثّل التصوف “ثورة” لا على الإسلام ذاته، بل على التفسيرات الضيقة التي حجبت روحه عن الناس.
ثم موقف الصوفية من الله والكون والإنسان ليعرف الصوفية المؤلف أن الله ليس فكرة عقلية مجردة، بل وجود حيّ تُدرَك حقيقته بالذوق والشهود، لا بالبرهان المنطقي.
أما الكون، فليس منفصلًا عن الله، بل هو تجلٍّ له، والإنسان بدوره ليس مخلوقًا صغيرًا بل مرآة تعكس صفات الحق.
بهذا، تتحول المعرفة عند الصوفي من معرفة عقلية إلى معرفة ذوقية، أي من معرفةٍ تُدرَك بالعقل إلى معرفةٍ تُعاش بالقلب.
ويحلّ الاتحاد والمحبة محلّ الجدل والمناقشة.
أما التجربة الصوفية ومنهج الوصول إلى الله عند عفيفي يفكك أركان التجربة الصوفية كما يفهمها المسلمون، وهي:
التوبة: بداية الطريق وترك التعلق بالدنيا.
الزهد والورع: تطهير القلب من الشهوات.
الذكر والمجاهدة: وسيلتان لتصفية النفس.
المحبة والمعرفة: غاية السالك في الوصول إلى الحق.
ويؤكد أن هذه المراحل ليست طقوسًا أو تصرفات فردية، بل منهج تربوي روحي يهدف إلى ترقية النفس نحو الكمال.
في سياق آخر يحلّل المؤلف بدقة كيف يرى الصوفي أن كل عمل، مهما كان بسيطًا، يمكن أن يكون وسيلة للتقرّب إلى الله إذا صَحَّ فيه الإخلاص والنية.
كذلك يذهب عفيفي إلى أن الصوفية لم يكونوا خصومًا للشريعة، بل مكمّلين لها من الداخل.
فالشريعة هي “الطريق إلى الله”، بينما الحقيقة الصوفية هي الوصول إليه.
لكن الخلاف نشأ لأن الصوفية جعلوا الباطن مقدمًا على الظاهر، بينما تشبّث الفقهاء بالعكس.
ويبرز المؤلف أن هذا التوتر بين الظاهر والباطن هو ما جعل التصوف يبدو في أعين البعض انحرافًا، بينما هو في جوهره تعمّق في الإيمان..
في خاتمة الكتاب، يرى عفيفي أن أعظم ما قدّمه التصوف هو أنه أعاد إلى المسلم وعيه الداخلي بالله، بعد أن كان الدين عند كثيرين عادةً أو التزامًا اجتماعيًا.
لقد جعل التصوف من الإنسان مركزًا للتجربة الدينية، وأعاد الاعتبار إلى الباطن والنية والصفاء القلبي، فكان بحق ثورة روحية تجديدية داخل الحضارة الإسلامية.
المؤلف كانه حاول أن يرسم في هذا الكتاب لوحة فكرية راقية للتصوف، لا بوصفه حركة انعزالية أو انحرافًا، بل كـ ثورة داخل الإسلام نفسه.
ثورة أعادت إلى الدين روحه، وإلى الإنسان قلبه، وإلى الفكر الإسلامي عمقه الوجداني.
لقد استطاع عفيفي أن يبرهن أن التصوف ليس خروجًا عن الإسلام، بل هو عودة إلى جوهره الأصيل: الإخلاص، والمحبة، والتوحيد، والتجرد لله.”
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم