محرقة الفاشر البشرية من تأسيس إلى مُورال

محرقة الفاشر البشرية من تأسيس إلى مُورال: تناحُر نُخب الضعين والطينة بزوايا العُنصرية – القمعية الشمالية
زرياب عوض الكريم

مُزايدات نُخبتي شمال الجيلي (الجلابة) والطينة (مورال) المُتواطئين تاريخياً ضد إستقلال إقليم دارفور المُوحد وفك إرتباطه عن إسار هيمنة الشمال النيلي وجمهوريته القمعية 1956(خلال حرب 15 إبريل 2023) ، لا تعدوا أن تكون مَسخرة خطابية أو بالحد الأدنى مُفارقة تاريخية ، مُوجهة إلى جمهور (شمالي) أساساً ، مُشوش تاريخياً وذهنياً أو أيدوجياً حول الموقف المستقيم من منظومات (الإستعمار الداخلي) و (الوصاية المُزدوجة) ، كمُمارسة مُستمرة و تجربة تاريخية تنعقد أقواس الإنقسام التناحُري antagonism حولها ، بمُبررات نفسية – إجتماعية أو دونها.

إستخدام -ميزان حُقوق الإنسان- المُختل كسلاح إعلامي في سلسال من الحروب الأهلية ، التي صنعتها الدولة العميقة (جمهورية النهر والبحر المسكوت عنها منذ سبعين عاماً) أساساً منذ 1955 ، هو جُزء لا يتجزأ من الإنقسام البنيوي التاريخي بين مُؤسسة المُواطنين أو الإنسان المُمتاز (الجلابة والآخرين المشمولين بتعاطفهم) ومُؤسسة الرعايا (الإنسان الهمجي) الذي تحتقره دولة 1956 وتعمل على إبادته وإقصاءُه في سرديتها الزائفة. وتحت صمت الفاعلين الدوليين منذ 70 عاماً.

طال هذا الإنقسام البنيوي مُنذ 1899 (الذي يصفه فرانز فانون بالثنائيات المانوية) ، ويصفه ألبيرت ميمي أيضاً في كتابه المُستعمِر والمُستعمَر ، و فلانتين موديمبي في (إختراع افريقيا وأميركا اللاتينية). كما يصفه وليم إدوارد دبويس W. du Bois في أُطروحته الأثيرة (الوعي المُزدوج أو الإزدواج الوجداني أو شُعور التفوق الذاتي الذي يكتسبه الخاضعين للإستعمار) , Double consciousness.

السُودان التركو مصري ، أو السودان النهري في تجسُد الحقيقة الثقافية والتجربة الكولونيالية في القرن التاسع عشر ، وطنٌ مُخترع وهُوية كولونيالية مُخترعة (مصرياً) , ترفض السودانيين الأصليين والسود ، كما هُويات غرب وشرق وجنوب السودان ، في داخلها وتنبُذهم إلى قاعٍ من الازدراء و/ أو اللفظ الثقافي.

محرقة الفاشر البشرية (المُتكررة بشكل نمطي) ، ليست جديدة في سيرورة ما يمكن وصفه خصوصية (نزع الإستعمار) السوداني Sudanese decolonization ، مُنذ محرقة المتمة وهُروب الملك نمر (عُقدة الملك نمر) 1821 ، إلى أحداث توريت 1955 (عُقدة توريت).

١. في ثورة نُخبة الطينة (2003) من داخل جبل مرة ومن خارجها , داخل دارفور وخارجها في كردفان.

منذ أحداث .. لبدو/شعرية/مهاجرية/دار الميدوب / دار التنجر/ دار البرتي (2007) وفي دار الهبانية (برام) أيضاً ، في جبال النوبا الشرقية – أبوكرشولا (2013).

في الجنينة (منذ 2006) وسربا (إثنية الأرنقا) كما (كُلبس) و(جبل مون).الخ.

في غبيش أو ود بندة إلخ.

٢. أو في ثورة نُخبة الضعين (2023) ..

في صفحة أخرى ، في حزام دار الجوامعة ودار حامد من أم روابة إلى بارا (2023) ودار حمر (2024) ، كما في ود مدني وغرب النيل الأبيض إلخ من المُجتمعات التي رفضت أن تخضع لهيمنة أورطة الدعم السريع وإثنياته. وليس إنتهاءا بمحرقة الفاشر (2024-2025).

إنتهى الاحصاء.

خلافاً للكفاح المُسلح في الجنوب المصغر little south من ثورة الاستوائية 1955 إلى ثورة الدينكا والتنوير 1983 , ضد الموندكورو أو المُستوطن الشمالي ، وضد الجيش الذي كان يحمي هذا المُستوطن (حيث كانت صفة المواطنة لا تليق بالجنوبيين في خطابات الدولة النيوكولونيالية).

فإن التمرُد المُسلح في إقليم سلطنة دارفور الموحد ، الذي قادته أساساً نخبة أبناء السلطنات (تحالف مفز) لاسترداد سيادتها الإقليمية وإحتكار المُفاوضة الإجتماعية -السياسية مع (المركز النيوكولونيالي) في (الخرطوم) كما جسدته مُساومة إتفاق أبوجا (2006-2020) ، كان مُوجهاً ضد مُكونات إثنية وإجتماعية بعينها في شمال دارفور وغربها (مكون الجنجويد) ، من خلال خطاب سياسي لا يزال ماثلاً وحاضراً بقوة ، يُجردها من المُواطنة (المدنية).

وهو تقريباً معكوساً ، نفس خطاب التمرد (الخامل) في شرق السودان ، ضد المُكونات التي قامت بتجنيسها الدولة في مطلع القرن الواحد والعشرين. غايته نفي المُواطنة المدنية عنها (التي يعتمدها المركز الشمالي في تبريره الإستيطاني لإستغلال أراضي وثروات الشعوب الوطنية الأخرى).

وفي مناطق الجنوب الكبير من دار الفرتيت (البانتو ) غرباً ، مرورا بجبال النوبا الشرقية والغربية ، وصولاً إلى النيل الازرق. ضد التحالفات الاستيطانية التي زرعتها الدولة المركزية في الخرطوم ، لإقتلاع المكونات الأصلية ومنافستها أو إضعافها.

في كل تلك الأحداث والتحولات الاجتماعية (الدامية) ، كان العُنصريين والقمعيين الشماليين ، مُثقفين وعسكر على السواء ، ومعهم المُستشرقين الغربيين والعرب المُتعاطفين مع الشماليين (الجلابة) أو ضحايا القومية الاستيطانية العربية في إفريقيا إلخ , يتجاهلون مسألة مُهمة للغاية ، في حديثهم المُكرر عن (الانتهاكات المروعة) التي يتعرض لها -الإنسان المُمتاز- على يد الهمج savage people (الأهالي) والجنود الثوار (المُتمردين) ومليشياتهم المُجتمعية العديدة.

وهي أن إعادة تركيب الوعي مابعد الإستعماري reconstruction للإثنيات المُتمردة تجاه الآخر الذي لا يُشاركهم -التمرد- أو يتقبل الخُضوع لمُمارسة الهيمنة (فئة المرؤوسين) أو تجاه (الرعايا الجُدد) ، تتم من خلال سلسلة تحولات نفسية ذهنية إجتماعية عنيفة ، مُستقاة من تأثير الوعي المهيمن ، وتأثير العنصرية الشمالية النيلية وقمعيتها بطريقة (سلبية).

ينظر هؤلاء الذين إمتلكوا السلاح بدون وعي منهجي ، وإمتلكوا السلطة جزئية أو كلية ، إلى تطلعاتهم الاجتماعية من خلال زوايا ومرايا الشمالي المهيمن نفسه. الذي بدوره إكتسب وعيه المزدوج من خلال إقتراض مرايا الإستعلاء البريطاني وغروره الكولونيالي. واقتراض النظرة الثقافية المصرية للجنوب الأسود.

عليه تترتب رؤيتهم إلى (الرعايا الجُدد) مُواطنيهم السابقين ، من خلال زوايا الهيمنة والعنصرية والقمعية المكتسبة نفسها.

وهذا ما يمكن أن نشير إليه ، بأنه النزعة القمعية المُكتسبة (oppressive practice) ، من الاستعمار التركو مصري إلى الشمالي النيلي ، ومن البريطاني إلى الشمالي النيلي ، ومن الشمالي النيلي إلى نُخب المُهمشين والريف في السودان.

هكذا تحولت مُجتمعات الثورة من (السعي إلى الهيمنة) إلى (مجتمعات قمعية) opperssive societies ، تستخدمها السلطة أو تستخدم هي السلطة كأداة لتحقيق وحماية الهيمنة.

تسلسل مُجتمعات الدينكا , مورال ، الجنجويد ، الجلابة ، تاريخياً ، مثالاً.

لا يمكن إختزال عملية نزع الإستعمار particular decolonization الجزئية أو غير المعممة ، التي تنهض بها إنتفاصات إثنية وكوربراتية – تضامنية عشائرية , في كل مرة من تاريخ السودان ، على أنها محض (انتهاكات لحقوق الإنسان) المُمتاز- أو الذي تتعاطف معه إنتقائيا (المجتمعات الممتازة).

عملية نزع الإستعمار الداخلي والخارجي قبله ، لم تؤدي إلى الإنعتاق الاجتماعي بل ولادة مركزيات إثنية هي الجلابة والزغاويزم والجنجويديزم أخيراً ، ولادة قوميات سياسية وهويات اثنوقومية متعدية ثقافياً واجتماعياً intracommunal violence.

الحل الدائم لهذه المُعضلة التي يكمن خلفها غياب أُسس الوحدة الوطنية الغائبة وتشكيلها الاجتماعي على أسس أنثربولوجية صحيحة ، في تعريف وتحديد مفهوم (المجال الاجتماعي) وإعتماد الجغرافيا الثقافية والتحليل الثقافي ، كمخرج من نزاع الهيمنة الدائري وغوايته السياسية.

في الفصل بين المجالات الاجتماعية المُتعارضة والمُتوافقة في التقسيم الإداري والمالي للثروة والسلطة والحكامة.

إرتكبت نُخبة الطينة وكرنوي (مورال) جرائم لا تحصى خلال ثورتها 2003 وإنفصالها عن الارتباط بنظام البشير الترابي 1999 ، ضد الشعوب النوبية في شمال دارفور من الميدوب إلى البرتي والتنجر وضد أبناء شعوب البقارة والفلاتة ، في سعيها إلى (الزغونة) كأداة لإخضاع شعوب لا تقبل هيمنتها.

مثلما ترتكب قوة الدعم السريع وإثنياتها سلسلة طويلة من المجازر والإبادات الجماعية منذ 2023 ، كأداة بدائية من القرن التاسع عشر (نموذج الدفتر دار) ومتأسية بالبدايات المُتوحشة لجمهورية 1956 وأنظمة مايو 1969 ويونيو 1989 (حين كان العنف ضرورياً لتحقيق إرادة قومية الجلابة أو ما تلاه من قوميات مُتعدية ثقافياً) لإخضاع شعوب لا تقبل هيمنتها.

أما حرب الجنوب 1955 و 1989 ، وحرب دارفور 2003 كما 2023 ، فهي واحدة من جرائم القوميين الشماليين والقومية الشمالية التاريخية ، في سعيها للهيمنة وإخضاع الشعوب الوطنية الأخرى بالقوة ، وبتواطؤ الإستعمار البريطاني ومُساعدة المصريين.

فدرلة إقليم دارفور المُوحد وحتى بلقنته balkanization إلى مكوناته الأساسية (الحواكير) وفك إرتباطه بالشمال النيلي autonomy ، هو المخرج الوحيد لتحقيق السلام والتنمية وقبول الآخر في داخله.

تقسيم الإقليم سياسياً إلى عدة أقاليم أو ثمانية مقاطعات إقليمية counties مُشابهة للولايات أو الجمهوريات الإقليمية في إثيوبيا الفدرالية regional states ، وعدم إستنساخ فكرة القومية الاستيطانية settler nationalism في الخرطوم ، مع حماية الأقليات من خلال إعتماد سياسة المناطق الخاصة special zones , هو الأداة الوحيدة لعزل حريق السافنا منذ 1987.

هذه المقاطعات الإقليمية ..

  1. مقاطعة وحدة الإثنيات النوبية (البرتي ، البرقد ، التنجر ، الميدوب) في شمال دارفور.

2.مقاطعة الزغاوة في كرنوي والطينة وأمبرو. في غرب شمال دارفور.

3.مقاطعة بني حسين. في السريف وجبل عامر.

  1. مقاطعة الفور في زالنجي. 5.مقاطعة دار مساليت وإثنيات المابا (القمر ، التاما الأصل ، السنجار ، الأرنقا) في غرب دارفور.
  2. مقاطعة البقارة والفولاني في جنوب دارفور.

7.مقاطعة الداجو والبيقو. في نيالا ومحلية ياسين.

  1. مقاطعة دار الفرتيت (البانتو). في سنقو ووادي الردوم.

سياسة الإبادة والتهجير القسري ، التي تعتمدها قومية الجنجويد في حربها منذ ثلاثين عاما ، وإعتمدتها المهدية في 188- 1885 ، هي سياسة مرفوضة لم تتوافر الضغوط الكافية لالغاءها أو إستبدالها.

مثلما أنه لم تتوافر الجهود الكافية لتحجيم هذه الإثنيات التوسعية الثلاثة التي تسعى إلى إستيعاب الآخرين قسريا لا استرداد سيادتها الذاتية وحكمها الذاتي ، الشمألة northerfication والزغونة zaghawafication والرزقنة rezigaatification.

وإجبارهم من خلال نضال سياسي وعسكري ، على إحترام حُرمات وخُصوصية ووجود الآخرين (أنوجادهم).

northernwindpasserby94@gmail.com

عن زرياب عوض الكريم

Avatar

شاهد أيضاً

مناحة الجلابة والقوى الزائفة في حرب 15 إبريل: وباء سياسي

مثلت حرب 15 إبريل ردة فعل ميكانيكية مُتوقعة من الأطراف منذ يوم 1.1. 1956 ، …