مخاطر عسكرة الحياة المدنية
فيصل علي سليمان الدابي
22 November, 2011
22 November, 2011
المدنيون والعسكريون في دول العالم الأول وبعض دول العالم الثالث يؤمنون بالفصل التام بين الحياة العسكرية والمدنية، المدنيون يتخصصون في الانتاج والادارة والحكم ، أما العسكريون فيتخصصون في حفظ الأمن داخلياً وخارجياً ويقبضون رواتبهم من الضرائب المستقطعة من انتاج المدنيين وكل يعمل في مجال تخصصه فليس بمقدور قائد سلاح المدفعية أن يصبح وزيراً للمالية وليس بإمكان قائد سلاح المدرعات أن يصبح وزيراً للخارجية، رجال الشرطة في معظم الدول المتحضرة لا يحملون السلاح لأن خدمة الشعب الأعزل لا تقتضي استخدام السلاح، فالشرطة هي لخدمة الشعب وليس لارهابه، ولا شك أن هذا الفصل بين الاختصاصات المدنية والعسكرية في دول العالم الأول وبعض دول العالم الثالث هو السبب الأساسي في خلق الاستقرار السياسي في تلك الدول.
أما في معظم دول العالم الثالث فإن الحساسيات المدنية والعسكرية تبلغ الذروة لأن العسكريين يتغولون باستمرار على الاختصاصات المدنية، فما أن يقع أي انقلاب عسكري حتى يتم إلغاء الدستور ومن ثم ينقض العسكر على السلطة ويقيلون المدنيين ويعينون العسكر على رأس الوزارات المدنية بغض النظر عن تمتعهم بالخبرات المطلوبة، فكم من وزارة مالية أدارها عسكري لا يعرف الفرق بين قواعد المحاسبة المالية والقواعد العسكرية وكم من وزارة صحة أدارها عسكري لا يستطيع أن يفرق بين البنسلين والكينين! رجال الشرطة في معظم دول العالم الثالث يتسلحون بالرشاشات حتى عندما يقومون بمهمة حفظ الأمن الداخلي! أما رجال الأمن فيكرسون أنفسهم للرقابة القبلية على الصحف فلا يسمحون إلا بنشر ما يرضي قائدهم! ولا شك أن ظاهرة عسكرة الحياة المدنية وتسلط ذوي المؤهلات العسكرية على المؤسسات ذات الطبيعة المدنية هي السبب الأساسي لانعدام الاستقرار السياسي في معظم دول العالم الثالث وهي التي أدت بشكل مباشر إلى اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس، مصر ، ليبيا وسوريا واليمن.
من المؤكد أن قاعدة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هي قاعدة ذهبية تضمن نجاح العمل المدني والعمل العسكري على السواء وأن عسكرة الحياة المدنية تؤدي إلى إضعاف الجيوش وانشغال قياداتها بجمع العمولات والاتاوات والتفريط في حماية الأوطان والانهماك في قمع الشعوب كما يؤدي إلى الفشل الإداري وتعميق مشاعر الكراهية بين العسكر والمدنيين، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: متى يفهم عسكريو العالم الثالث أن المارش العسكري لا يصلح كأساس للمشية المدنية وأن وزارات الدولة ذات الطبيعة المدنية مثل وزارات المالية والاعلام لا يمكن تسييرها بالتعليمات العسكرية التي لا تقبل المناقشة؟! وفي الختام لا يملك المرء إلا أن يتساءل : أما آن الآوان للعسكر في مصر وغيرها من الدول العربية والأفريقية أن يعودوا إلى ثكناتهم ؟! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي 55619340