مسؤول أممي: السودان خسر 25% من الناتج المحلي الإجمالي واستمرار الحرب سيجعل التعافي أكثر صعوبة

 


 

 

قبيل انعقاد مؤتمر باريس حول السودان، قال الدكتور عبد الله الدردري مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن السودان خسر 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة واحدة من الحرب. وأوضح في حوار مع أخبار الأمم المتحدة أن الدول لا تخسر 25 في المئة من الناتج خلال سنة واحدة إلا إذا كان الوضع فيها مدمرا.

وحذر الدردري من استمرار تآكل الاقتصاد السوداني، في حال استمرار الحرب، الأمر الذي قال إنه سيجعل التعافي أكثر صعوبة، في ظل تآكل الموارد المتاحة وقدرات التعافي والقدرة الإنتاجية والبنى التحتية. وسلط الدردري الضوء على الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتعزيز قدرة المجتمعات المحلية في السودان- سواء النازحين أو المجتمعات المضيفة - على الصمود خلال هذه المرحلة الصعبة للغاية.

حاورنا الدكتور عبد الله الدردري عشية المؤتمر الإنساني الدولي بشأن السودان الذي تنظمه وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، بدعم من الاتحاد الأوروبي وألمانيا. في بداية الحوار، سألنا المسؤول الأممي عن أهمية انعقاد هذا المؤتمر فأجاب بالقول:

الدكتور عبد الله الدردري: هذا المؤتمر مهم للغاية لأنه يرسل إشارة للشعب السوداني وللعالم بأن المجتمع الدولي لا يزال يهتم بالسودان، وأنه بالرغم من تعدد الأزمات المحيطة بمنطقتنا والعالم - من أوكرانيا إلى ميانمار إلى أفغانستان إلى غزة وغيرها من النزاعات والأزمات - فما زال السودان على جدول أعمال المجتمع الدولي، ولا يزال الوضع الإنساني في السودان يحظى باهتمام كبير رغم أننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق أهداف النداء الإنساني الذي أُطلق سابقا من أجل تأمين المساعدة الإنسانية للسودان والذي بلغ 2.4 مليار دولار ولم يتم الحصول حتى الآن سوى على أكثر من خمسة في المئة من قيمته، وبالتالي، ربما يعطي هذا المؤتمر دفعة من أجل تعزيز دعم المجتمع الدولي للسودان خلال هذه المرحلة الصعبة.

أخبار الأمم المتحدة: أصدرتم تقريرا يقيم الآثار الاجتماعية والاقتصادية للنزاع المسلح المستمر على المناطق الريفية في السودان. التقرير دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب المجاعة التي تلوح في الأفق في السودان. حدثنا أكثر عن هذا التقرير.
الدكتور عبد الله الدردري: عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (إيفبري) منذ مدة على تقييم أثر النزاع في السودان على الحياة المعيشية ومستويات المعيشة والأمن الغذائي، وعلى الاقتصاد الكلي في السودان.

أصدرنا الجزء الأول ولا يزال أمامنا جزءان أساسيان يتعلقان بتقييم الأثر على الشركات الصغيرة والمتوسطة في الحضر وفي الأرياف في السودان. لكن هذا التقرير حتى الآن يعطينا فكرة عن صدمات متعددة تعرض لها السودان منذ بداية النزاع. الصدمة الأولى هي، كما تعلم، أن جزءا كبيرا من الدخول في السودان تأتي من الموظفين أصحاب الرواتب الشهرية. خسر هؤلاء جزءا كبيرا ولم يعد جزء كبير منهم يحصل على أي راتب شهري، وكانت هذه الفئة الوحيدة في المجتمع السوداني التي كانت تحصّل مبلغ أكثر من ثلاثين ألف جنيه سوداني في السنة، بمعنى أنها كانت الأعلى دخلا. تعرضت هذه الفئة لصدمة كبيرة، وقد أدى هذا إلى تراجع كبير في الطلب، وفي الاستهلاك، وفي الاستثمار. وهذه كلها مؤثرات سلبية على معدلات النمو والتشغيل والبطالة والفقر في السودان.

الصدمة الثانية هي تراجع الإنتاج الزراعي بشكل كبير للغاية، فنحن نعلم أن ثلثي عدد السكان في السودان يقيمون في الأرياف. تشير الدراسة إلى أن خمسين في المئة من المزارعين في السودان لم يقوموا بزراعة هذا الموسم، نسبة للنزوح الداخلي والهجرة الخارجية وتراجع إمكانيات تمويل عملية الزراعة والفلاحة، بشكل عام، بسبب غياب التمويل والبذور والأسمدة وغيرها، وأيضا التسويق والوصول إلى الأسواق والوصول إلى الإنتاج.

الانخفاض الشديد في الإنتاج الزراعي في السودان يضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي والمجاعة التي تهدد البلاد

فنحن نتوقع أيضا، إضافة إلى كل المشاكل الأخرى، انخفاضا شديدا في الإنتاج الزراعي في السودان قريبا مما يضاعف من مشكلتي انعدام الأمن الغذائي والمجاعة التي تهدد البلاد. يسلط التقرير الضوء على العلاقة بين الاقتصاد الكلي وبين الاقتصادات المحلية في السودان، ويضع مجموعة مقترحات لكيفية تخفيف هذا الأمر عن الشعب السوداني.

أخبار الأمم المتحدة: أكدتم في التقرير أيضا على ضرورة وقف إطلاق النار باعتباره مفتاحا لوقف استمرار تدهور الوضع الإنساني في السودان. ماذا تقول في هذا السياق؟
الدكتور عبد الله الدردري: الأمر واضح، أولا، إذا استمر القتال بهذا الشكل فإنه حتى إمكانية إيصال المساعدات الغذائية أصبحت صعبة للغاية، يتحدث الزملاء الموجودون على الأرض في السودان اليوم من المنظمات الأممية الإنسانية وحتى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن الصعوبات الهائلة التي يواجهونها بسبب الوضع الأمني.

إذن مبدئيا وقف إطلاق النار هو مفتاح بدء التعافي وبدء عودة الحياة الطبيعية وانتعاش الاقتصاد، والآن وقف إطلاق النار ضروري لتفادي الجوع والمجاعة. هذا أمر لا بد منه. لكن أيضا لا بد أن أنوه إلى أننا لا نستطيع أن ننتظر حتى وقف إطلاق النار لكي نبدأ العمل في المناطق التي نعمل بها، وألا يكون هذا العمل محصورا فقط في قضايا إيصال الأغذية أو المعونات الإنسانية. يجب أن نعمل من الآن - ونحن بالفعل نعمل - في مواضيع تعزيز الحياة المعيشية، تعزيز فرص العمل، إحياء القطاع الزراعي وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية - سواء النازحين أو المجتمعات المضيفة - على الصمود خلال هذه المرحلة الصعبة للغاية.

أخبار الأمم المتحدة: هل لديكم برامج معينة لمساعدة الناس في السودان- وخاصة بالنسبة لمن يعيشون في مناطق قد تكون هادئة نسبيا؟
الدكتور عبد الله الدردري: كما تعلم قبل النزاع كان لدينا سبعة عشر مكتبا في مختلف أنحاء السودان. أما الآن تعمل ستة إلى ثمانية مكاتب بشكل فعال، ولكن حتى في المناطق الأخرى التي اضطررنا أن نغلق مكاتبنا فيها، ما زال لدينا شركاء من الاتحادات، والجمعيات ومنظمات غير حكومية ومجتمعات محلية مازالت نشطة ونحن على تواصل معها ونقدم لها الدعم. إذن، نستطيع القول إننا ما زلنا نعمل في جزء كبير من الأراضي السودانية.

القضية هي قضية التمويل لأن لدينا الشبكات، لدينا العلاقات، لدينا البنى التحتية التي تستطيع أن تسمح لنا بأن نقدم الدعم في المجالات التي نقترحها أو تلك التي بدأنا بالعمل بها. إذا هناك نقطتان: النقطة الأولى هي أننا ما زلنا نقدم الدعم في مجالات تقديم الأدوية وتعزيز قدرة المراكز الصحية على العمل من خلال توفير الطاقة الشمسية وغيرها من الأمور. تدريب العناصر وتقديم الدعم المالي النقدي للعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية وغيرهم. تقديم الدعم للشركات صغيرة والمتوسطة كي تستطيع أن تبقى على قيد الحياة في هذه الظروف الصعبة، وأيضا تعزيز العمل في إحياء البنى التحتية الزراعية الضرورية للإبقاء على الحد الأدنى من الإنتاج الزراعي في هذه المناطق. هذا ما نقوم به الآن بالفعل، ولكن لدينا طموح ولدينا برنامج تفصيلي من ناحية كيف يمكن أن نوسع الإنتاج الزراعي، وكيف يمكن لنا أن نقدم التمويل والعمل مع القطاع الخاص. لأنه، كما قلت، فإن النداء الإنساني قيمته 2.4 مليار دولار ولم يتم الحصول حتى الآن سوى على أكثر من خمسة في المئة.

تمويل العمل التنموي والتعافي المبكر أمر ضروري للغاية رغم سقوط القنابل، ونحن مستعدون

لا يكفي الاعتماد على المنح في إنعاش الحياة المعيشية وفرص العمل والزراعة في السودان. لا بد لنا من إدخال القطاع الخاص، ولا بد لنا من إدخال التمويل. لدينا برامج جاهزة لكل هذه الأمور ومستعدون للانطلاق. لذلك نأتي إلى المؤتمر الإنساني الدولي بشأن السودان في باريس لكي نطالب ونقول إن توفير التمويل للعمل الإنساني والدعم الإنساني ضروري للغاية ونحن ندعمه ولكن أيضا التمويل للعمل التنموي وللتعافي المبكر أمر ضروري للغاية رغم سقوط القنابل، ونحن مستعدون ونأخذ المخاطر المدروسة لكي نتمكن من الوصول إلى المواطنين السودانيين لتعزيز قدرتهم على الصمود في مختلف أنحاء السودان.

أخبار الأمم المتحدة: إذا توقفت هذه الحرب خلال هذه السنة ما تقديرات تكلفة إعادة الإعمار، وما هي السيناريوهات في حال استمرار هذه الحرب؟
الدكتور عبد الله الدردري: في حال استمرار هذه الحرب، سيستمر التآكل السريع. نعلم حتى الآن، وفق تقديراتنا، بأن الناتج المحلي الإجمالي للسودان خسر 25 في المئة خلال سنة واحدة. الدول لا تخسر 25 في المئة من الناتج خلال سنة واحدة إلا إذا كان الوضع فيها مدمرا، وإذا استمر هذا الحال فهذا يعني استمرار تآكل الاقتصاد السوداني، والخطورة بأنه سيجعل التعافي أكثر صعوبة، لأن التعافي يصبح أكثر صعوبة كلما تآكلت الموارد المتاحة والقدرات المتاحة على التعافي والقدرة الإنتاجية والبنى التحتية، وقدرات التسويق والتمويل وغيرها.

نحن لم نعد حتى الآن ما يسمى بمسح الأضرار الشامل الذي عادة ما يتم بعد كل نزاع والذي تقوم به الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، بصورة مجتمعة. لم يتم هذا بعد، ولكن تقديراتنا تشير بأنه (سيأخذ جهدا كبيرا) بأن تستعيد حجم الاستثمارات المطلوب في ظل خسارة الاقتصاد السوداني نسبة الـ 25 في المائة من الناتج المحلي، واستعادة فرص العمل لأكثر من 50 في المئة من كل العاملين في السودان الذين خسروا فرص عملهم، وخصوصا العاملين في الوظائف العمومية والخاصة والذين يعيشون على رواتب شهرية، وأيضا استعادة الإنتاج الزراعي الذي كان قائما قبل النزاع.

50 في المئة من العاملين في السودان خسروا فرص عملهم

ونحن نعرف أن الوضع حتى قبل النزاع لم يكن جيدا. يعني أن يكون هدفنا العودة إلى سودان ما قبل الخامس عشر من أبريل السنة الماضية ليس كافيا. نحن نتحدث عن استثمارات هائلة، ولكن لكي تكون ناجعة لا بد أن يشارك فيها كل السودانيين ويجب أن تشارك فيها المجتمعات المحلية و يجب أن يشارك فيها ويقودها المجتمع السوداني والقطاع الخاص السوداني بدعم من المجتمع الدولي. هذه هي رؤيتنا والتي سنظل نطرحها ونقدم الدعم من أجل تنفيذها.

أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، ما تأثير ما يجري في السودان على المنطقة العربية بأسرها؟
الدكتور عبد الله الدردري: السودان بلد مهم جدا في المنطقة العربية. لا أقول ذلك مجاملة أو من الناحية العاطفية. يشكل النزوح والهجرة واللجوء ضغطا على بعض الدول في المنطقة. ونحن نرى كيف يتأثر الاقتصاد المصري مثلا بلجوء عدد كبير من السودانيين إليه، رغم أنهم يشكلون أيضا قيمة مضافة عندما يُحسن استخدامهم والتعامل معهم. السودانيون شعب منتج وهم منفعة لأي بلد يأتون إليه إذا أُحسن استقبالهم. والحمد لله، بشكل عام، الاستقبال جيد. ولكن السودان جزء أساسي من الأمن الغذائي في منطقتنا.

تتعرض المنطقة الآن لهزات كبيرة في مجال الأمن الغذائي. تؤثر الأحداث في أوكرانيا وروسيا وانقطاع الحبوب وغيرها على الأمن الغذائي في المنطقة. وكذلك لحوم الماشية وغيرها وكلها من المواضيع التي يتميز بها السودان وبالتالي فإن غياب السودان عن الإنتاج والتفاعل مع باقي المنطقة له أثر سلبي على منطقتنا، إضافة إلى الموضوع الأمني والتوترات الأمنية وتهديد الأمن الإقليمي، كلها قضايا لا تسمح بأن نتجاهل الوضع السوداني وأن نبقى بعيدين عنه، بل نحن سنبقى إلى جانب السودان وقريبين منه.

 

آراء