من الجيل الثاني لجيل ژد: من سلطة النخب لسلطة الشعوب

 


 

 

د. عمرو محمد عباس محجوب

عام ١٧٨٩ نسبت جملة "دعهم يأكلون الكيك"، لماري أنطوانيت ملكة فرنسا في تعليق على شكوى اهل باريس من عدم إمكانيتهم الحصول على الخبز، سواء كان هذا قد حدث او لا، فقد كانت هذه مقدمات لتراكمات سياسية واجتماعية وفكرية، للثورة الفرنسية. اثناء حفل "ميت غالا" (Met Gala) خلال الأسبوع الماضي، وهو حفل لجمع التبرعات لصالح معهد آنا وينتور للأزياء في متحف المتروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك، والذي يقام فيه الحفل سنويا بحضور أبرز مشاهير العالم. وخلال الحفل، أثارت عارضة الأزياء هايلي بايلي غضبا بعد أن قامت بمزامنة شفاهها مع اقتباس ماري أنطوانيت الشهير "دعهم يأكلون الكعك"، بينما كانت ترتدي غطاء رأس مزين بالورود وثوبا مستوحى من آخر ملكة فرنسية.

انتمى إلى الجيل الثاني لما بعد الاستقلال، الذي ساهم بفعالية كبيرة في ثورة اكتوبر، وانتفاضة ١٩٨٥ ودفع الأثمان الباهظة في مقارعة ديكتاتوريات النميري ودفع مع الجيل الذي جاء بعدة اثماناً اكثر عنفاً وقساوة في ديكتاتورية الكيزان من حرب اكل العيش والمطاردات، والاعتقالات والتعذيب والقتل الجماعي وصولاً إلى تدمير بنية الدولة وسرقة كل مواردها. كنا محظوظين وبقدر من الله ان يمتد بنا العمر لنحضر الجيل الثالث وبدايات الجيل الرابع في ثورته المستمرة منذ ديسمبر ٢٠١٨ ونشارك فيها. ادخلت هذه الثورة مصطلحات جديدة ووظائف جديدة من صائدة البمبان وجردل مان والتروس وسلطة الشعب ولجان المقاومة ووووو.

ربط مستخدمو الإنترنت فيديو هايلي بالاستهزاء بما يحدث في غزة من مجاعة، أثار هذا نقاشا أوسع حول كيفية تعامل المشاهير بمعزل عن الحرب الإسرائيلية على غزة. وبدأت الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار "تيك توك" و"إكس" وإنستغرام"، للمشاركة في "المقصلة الرقمية"، وهي إشارة تاريخية لكيفية إدانة ماري أنطوانيت بالخيانة العظمى ضد الجمهورية الفرنسية وإعدامها بالمقصلة في عام 1793. وتركز الحملة على مقاطعة وحظر الشخصيات العامة التي لم تستخدم منصاتها للتحدث علنا عن القضايا الهامة، مثل فلسطين وظلت صامتة بشأن الفظائع الإنسانية المستمرة في غزة. وتهدف الحملة إلى مقاطعة المشاهير على المنصات الاجتماعية وسحب الأرباح من عائداتهم. وامتدت الحملة من الغرب إلى المشاهير العرب وذوي النفوذ.

ضمن إبداعات الجيل الثالث والرابع الذي تولى زمام التغيير والثورة السودانية، برز عنوان اعادة تأسيس الدولة السودانية وبناء سلطة الشعب، كآلية معتمدة في انجاز التغيير. رغم ان المصطلح لم يستكمل بنائه النظري والمفاهيمي، إلا انه شكل دعوة صريحة لممارسة جديدة لتخطي سيطرة النخب الفاسدة والمتعالية.

ان الاحتجاجات الطلابية العالمية والتي ركزت بجانب مطلبها السياسي حول ايقاف حرب الإبادة في فلسطين واستعملت المسيرات والاعتصامات والمذكرات ومحاصرة متخذي القرار وممثلي الشعب وغيرها. لكنها تعدت المطالب السياسية، إلى ضرب بنية شبكات المصالح واللوبيهات والفكر النيوليبرالي وعجز برلمانية الصندوق، بمطلبها الراسخ بقطع العلاقات مع جامعات وشركات الكيان الاقتصادية والبحثية ودعمها المعنوي. هذا التغيير هو استعادة الشعوب لحقها في ممارسة دورها في السيادة والمحاسبة وفرض السياسات الانسانية وقيم الحرية.

 

آراء