مُواجهة القومية الشمالية والقومية السودانية

مُواجهة القومية الشمالية والقومية السودانية : العزف الهوياتي المُنفرد وحُدود التماهي والإنقسامية
altibahmed1988@gmail.com
زرياب عوض الكريم

تُمثل مرحلة الهيمنة الراهنة للقومية الشمالية الصغرى ، المُعبرة عن ممالك الشمال النهري العربي الخمسة (من مروي إلى شندي) , أو القومية الشمالية الكبرى ، المُعبرة عن إتحاد هُويات شمال ووسط وشرق السودان التركو مصري (هُوية شمال شرق افريقيا الآفروأسيوية أو الكوشية المُعربة والأصلية معاً) أو (تكتُل السودان النهري) ، في مواجهة غربه (هُوية الصحراء النيلية أو لاندسكيب غرب إفريقيا داخل السودان التركو مصري) إبان الفصل التاريخي الثاني من دولة الإقطاع المهدوي وإنتصار تمرد المهدويين وزحفهم (الماوي) من الريف في شرق جنوب كردفان إلى المركز 1885.

تُمثل عزفاً منفرداً للهوية الفرعية (الشمالية) بين 1956-2023 ، مُضاداً لتجربة دولة المهدوية ، وأسيراً لتجربتها المأساوية. رافضاً لوجود الدولة الوطنية وتشكيلها من الأساس ، في الوقت الذي لم يكن هناك حدة في التنافس الإثني أو بين الهويات الفرعية على وراثة الاستعمار البريطاني 1955 بعد القضاء على ثورة الجنود 1924. وتمسكاً بأسرلة الأقليات أي وضعية الأقليات الخلاسية والإستيطانية في السلطة مابعد الإستعمارية ، وتحالفها الاجتماعي ضد الأغلبيات في عموم الريف.

مثلت جُمهورية التعايشي أو عبدالله تورشين (1886-1898) التي ورثت دولة مركزية مُوحدة كولونيالياً مثلها في ذلك مثل دولة الإمبراطور الإثيوبي منليك II الكولونيالية بأيدلوجيا غير وطنية (إقطاعية إسلامية) ، مثلت عزفاً مُنفرداً لهويات الولاء الإقطاعي (الفرعية) في ريف جنوب كردفان على حساب غيرها من الهُويات الفرعية ، التي عملت على إخضاعها وتذويبها بالعُنف الستاليني وإرهاب الدولة.

رفض تحالف الأقليات في شرق جنوب كردفان ، الذي أنتج المهدوية 1881 ، الإعتراف بالهُويات الفرعية إثنية ودينية , لأغراض تكتيكية وإنتهازية (منشورات المهدي) وتمسكت بالتركيب الإقطاعي الإسلامي هجيناً مع الخُصوصية الكولونيالية المُمحلة (خديجة صفوت).

أما تحالف إعادة الاستعمار 1898 من الأقليات الخلاسية التي مثلت نسيج الإقطاع الأوربي محلياً ، فقد قاوم هذا الإعتراف بالريف والتعددية الثقافية من الأساس وبهوياته الفرعية المُتعددة ، تحت غطاء تبريري – سردي عن التمسك بالهوية الكريولية القسرية (السودانوية). التي تمرد عليها في حرب إبريل 2023 وإبان تمرد الجنود الزنوج 1924.

حدود التماهي والإنقسام عن الهوية الموحدة (السودانوية أو الكريوليزم Creolism) ، ظلت طيلة قرن ونصف هي نفسها حدود الهيمنة والعجز عن الدفاعي ، لم تتغير من 1886 إلى 1983 تاريخ ولادة ثورة قرنق الثقافية الداعية إلى إعادة إنتاج الهيمنة بمحتوى ثقافي مختلف ، لا إلى فض نزاع الهويات الفرعية وإشتباكها في فضاء هوية الاستعمار الاستيطاني والقومية الاستيطاني settler nationalism ، أو (جمهورية المُرتزقة الإستكشافية) التي حملها معه محمد علي باشا عام (1820) ، بمرتزقتها وكمبرادورها السياسي ، على غرار سبارطا اليونانية Sparta. الأخيرة التي ظلت هي (الثابت) في زخم من المتحولات أو الحوادث التاريخية.

هذه الجمهورية الإستكشافية أو اللصوصية بتعبير إلكس دي وال منذ القرن التاسع عشر discovery ، ظلت تخوض حرب نهب الموارد (الجمهورية الناهبة) predotary state أو (دولة الغنيمة) ، وفق قوانين شارلس تيلي نفسها ، وترفض إعادة التوزيع والمُساومة السياسية (راجع إلكس دي وال : السوق السياسية في السودان).

وهي دولة حديثة ، ترفُض أسس الحداثة السياسية ونموذج ويستفاليا (فصل الدين عن الدولة وتعميم النسق الفيدرالي) ، وتتمسك بإنتاجها (الغنيمة).

مثلت المهدوية 1885 في كل فصولها من مذبحة التيارة إلى مذبحة المتمة ، صدمة تاريخية للإستعمار الأوربي والقوى الاجتماعية المحلية المُرتبطة به ، لكن أيضاً للعقل الشمالي (صدمة وعي) عبر عنها السلوك التنظيمي والجمعي لإثنيات السودان النهري (الشمالية) في السلطة من حرب الجنوب 1955 إلى حرب الخرطوم 2023.

منذ 1898 القومية الشمالية تحت وصاية ونجت باشا أو عبدالرحمن المهدي الأب أو تحت قيادة البرجوازية الشمالية الصغيرة المتنازعة والمتشاكسة من مايو 1969 إلى 1989 ، تعيش صدمة الوعي هذه وتمثلاتها ، التي أهمها عجزها عن إتخاذ قرار تاريخي بالوحدة مع السودانيين الآخرين بما في ذلك قبول المساواة والتعايُش السلمي بدون حروب دولة أو حروب بادية , أو الإستقلال عنهم (إستعادة سيادة الممالك الشمالية العشرة أو الإقليم الشمالي المُوحد) ، عن تقرير مصيرها كقومية غير مكتملة الوجود أو مُتخيلة.

وهذا هو جوهر الصراع الاجتماعي المُزمن والعنيف ، الذي يجب أن تعالجه أية وساطة دولية لإحلال السلام (الدائم) ، بعيداً عن ضباب المُخاتلات التاريخية و أنساق التزييف السياسي.

يرفض المُثقفين الشماليين المعاصرين عموما منذ بابكر كرار إلى الواثق كمير ، مُناقشة علاقة الدولة بالقبيلة أو الإثنية ، بذات اليُسر الثقافي والاجتماعي الذي نوقشت به في ماليزيا 1969 ونيجيريا 1975 وجنوب أفريقيا 1994 وإثيوبيا وإرتريا 1991 والصومال 2009.

وهي مسألة أقر جوزيف كابيلا نفسه ، بخطل مُقاومتها تحت عنوان (رفض بلقنة الكونغو) balkanization.
وقد أفضى رهاب البلقنة أو (الفدرلة) ، رفض مناقشة الفدرالية وعلاقة الدولة بالهويات الفرعية وبالإثنية ، إلى البلقنة الفعلية اللامتفاوض عليها ليوغسلافيا وبلدان أخرى. من بينها أخيراً اليمن وسوريا.

Northernwindpasserby94@gmail.com

عن زرياب عوض الكريم

Avatar

شاهد أيضاً

مناحة الجلابة والقوى الزائفة في حرب 15 إبريل: وباء سياسي

مثلت حرب 15 إبريل ردة فعل ميكانيكية مُتوقعة من الأطراف منذ يوم 1.1. 1956 ، …