الحريات الأربعة في ذمة الشعب السوداني والبرلمان

 


 

 



يجب أن لا يحلم بعض أهل السودان بأن يعود الجنوب مرة أخرى لحضن السودان القديم ويعود الوطن كما كان سابقاً....هذا بالطبع من الصعب أن يحدث على أرض الواقع لكثير من الأسباب ومجريات الأحداث وسوف يكون ذلك الحلم كابوساً ثقيلاً يزعج الكثير من أهل السودان وخاصة أن الأمر الذي قاد لإنفصال الجنوب والآلية التي أقرت هذا الإنفصال كان هو صندوق الإستفتاء والإنتخاب والإختيار الحر والذي خص الجنوبيين فقط دون غيرهم ولم يكن لأهل الشمال أي مشاركة شعبية وجماهيرية في ذلك الخيار وبل عبّر ذلك الإستفتاء عن إرادة جنوبية خالصة !!!!!!

إختار الجنوب طريقه وإحتفل بدولته وكانت من شر البشريات و من المُخزيات والعلامات الفارقة تلك العبارات والكلمات والتي أطلقها الرئيس سلفا كير على الهواء قائلاً بأنه لن ينسى رفاقه من الشماليين من كانوا معه في الحركة الشعبية سابقاً من جنوب كردفان والنيل الأزرق و دارفور و وعد بأنه سيقف معهم ولن ينساهم وسيقوم بدعمهم ودعم قضاياهم ... بالطبع عنى بتلك العبارات دعم تمردهم وحربهم ضد حكومة السودان وأهله وقال ذلك الكلام في خطابه منتشياً و محتفلاً بتدشين دولته الجديدة وأمام العالم والرئيس السوداني حضوراً وهو يجلس بجواره وأكد سلفا كير بأنه ممعن في تأكيد رغبته العارمة في إعلان حربه على حكومة جعلت وسهلت له أن يكون دولة جديدة ومستقلة و يكون هو رئيسها وقائدها... قال الرئيس الجنوبي ذلك وبدون مراعاة لأدب قيادة دولة أو إحترام رئيس دولة أخرى كان هو تابع لها ونائباً لذلك الرئيس سابقاً , ورئيس تلك الدولة حاضراً و يحتفل معه بدولته الجديدة ويجلس بجانبه وأطلق رئيس جنوب السودان تلك الكلمات بدون فطنة وكياسة أو دبلوماسية أو لغة محترمة مؤكداً أن عقلية التمرد والغابة تسيطر عليه بقوة وليس لديه شعور القيادة لدولة أو شعب و أكد أنه لا يمتلك قدرات و وعي إدارة دولة !!!

ما يجري من مفاوضات بين السودان وجنوب السودان حول ما عُرف بالقضايا العالقة هو يمثل إمتداداً للفشل الذريع لإتفاقية نيفاشا والتي نجحت فقط وبمقدار كبير في تحقيق الحلم الجنوبي بالإنفصال وتكوين دولة منفصلة ولم تنهي في وقتها وفترتها الإنتقالية كل متعلقات ذلك الإتفاق والقضايا الغير محسومة وأهمها موضوع الحدود وبرزت إشكالات ذلك الإتفاق الملغوم لاحقاً وإتضحت شرور ذلك المقلب والذي شربته حكومة السودان وحزبها الممثل لها في تلك المفاوضات وخلقت لنا الآن واقعاً مضطرباً في كثير من نواحي أرض السودان وقاد هذا الإتفاق ودفع الحكومة من بعد ذلك لان تقدم كثير من التنازلات وتتخلى عن كثير من الإستحقاقات وتدخل في دوامة التفاوض المستمر والغير مجدي في كثير من جولاته وجعلت الحركة الشعبية الجنوبية تعشم في كثير من خيرات أهل السودان وبدون مقابل وجعلت لها اليد الطولى في مسار كثير من جولات المفاوضات وخاصة بعد دخول المجتمع الدولي كطرف أصيل في جولات هذه المفاوضات .

لم يكن من باب وعلامات حسن النية أو الرغبة في العودة من جديد للسودان الواحد هو ما قامت به الحركة الشعبية والجنوبيون من تسمية دولتهم بإسم جنوب السودان وكما يروج ويتوهم البعض ويصرح بأن هذا دليل عافية ورغبة عند أهل الجنوب في الوحدة مرة أُخرى ولكن ولأن عقلية الحركة الشعبية الجنوبية والتي حكمت وما تزال تحكم الجنوب وبفضل وتفضل حكومة المؤتمر الوطني عليها ,هي أنها لاتريد أن تفك إرتباطها في الإستمرار في زرع بذور الفتنة في السودان وتعطي نفسها فرصة خلق أذرع لها فيما عُرف بقطاع الشمال والذي جعلت منه وكيلها في السودان وهي أيضاً قد وجدت بعض الحرج لتنكرها وإنقلابها على شعار زعيمها الراحل جون قرنق والذي كان يرفعه وينادي به ألا وهو إسم السودان الجديد وهي قد إتجهت وإختارت طائعة وبرغبة منها وبتحريضها وتحريكها لمشاعر أهل الجنوب خيار الإنفصال وبالتالي كان من ضمن الإقتراحات هو أن لا يُترك إسم السودان لأهل الشمال فقط وكان هذا المقترح وهذا الأمر هو نكاية وليس حباً في أهل الشمال و المعلوم أن قرنق كان يروج لسودان جديد يرغب في أن يحكمه ويديره هو وحركته الشعبية وما حديثه عن كوش الشمالية وغيرها إلا هو إمتداداً لشعاراته والتي حاول أن يروج فيها لحركته بأنها لكل السودان وحاول أن يحقق بها كثير من المكاسب السياسية واللوجستية وقد نجح في ذلك بمقدار كبير ولكن كان الطموح والهدف المطلوب عندهم والمبطن وبدرجة كبيرة هو فصل الجنوب وتكوين دولة لا يتدخل فيها الشماليون وذلك في حالة فشل تحقيق خيار السودان الجديد والذي يديرونه هم وكان هو خيار أول دونه تقرير مصير الجنوب والإنفصال وهذا الأخير هو ما حدث واقعياً!!!

وقد كان موت وفناء جون قرنق هو المفتاح والذي قاد للخيار الأخير ولأن عقلية القيادة السلفاكيرية لن تستطيع أن تحقق الخيار الأول وهو حكم كل السودان بواسطة الجنوبيين ولم يكن هناك أحد متحمس غير الدكتور جون قرنق في تحقيق حلم السودان الجديد ومعه من تبعه من بعض أبناء الشمال ولذا كان من المحرج لأهل الحركة الشعبية بعد موت قرنق ترك الأمر والإنسحاب من الفكرة كلياً ولذا كان رأي البعض ولرفع الحرج أن يدرجوا أسم السودان ضمن تسمية دولتهم وهم مُكرهين على ذلك وإمعاناً منهم في التدخل في الشأن السوداني وليس تفكيراً في خط رجعة يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه في سودان واحد وكما يتوهم الواهمون والحالمون والذين لا يستندون على واقع و وقائع الأمور ولا يعرفون نفسية وعُقد المثقف والسياسي الجنوبي وجهل وتخلف معظم مواطني الجنوب !!!!!


فكرة الحريات الأربعة والتي ينساق لها البعض من مفكري ومفاوضي حكومة المؤتمر الوطني وبدون وعي ودراسة كافية أو تعبيراً عن رغبة شعبية , هذه الفكرة تمثل جانباً من الطموح و الرغبة الجنوبية في إيجاد موضع قدم في أرض السودان وهي إن حدثت ستكون المدخل والمعبر والتي من خلالها سيكرس الجنوبيون كل جهدهم ومسعاهم لتدمير السودان وتحقيق حلمهم في إنهاك وإضعاف دولة الشمال وتتيح لهم تنفيذ كل أجندة يرغبون في تحقيقها من خلال تلك الحريات و لأنها ستسهل لهم الدخول والخروج والإقامة والتملك والعمل وبالتالي ستضعف آلية المراقبة والمتابعة لهم والحد من نشاطاتهم البريئة أو الملغومة والعدائية وستكون هذه الحريات غطاء مناسب لهم لتحقيق كل الأهداف التي يرغبون فيها ومن خلال عناصر يدخلونها للسودان بإسم تلك الحريات الممنوحة وهي بالدرجة الأولى عبارة عن حريات لن يستفيد منها أهل الشمال إلا عدد محدود جداً ولن تكون هناك ضمانات حتى لذلك لأهل السودان الشمالي من قبل أي حكومة تحكم الجنوب وهي دولة تمزقها الإضطرابات والحروب الداخلية وعدم الإستقرار وان هذه الإتفاقية ستكون طوق نجاة للجنوبيين للعودة للسودان هرباً من واقع دولتهم البائس وليس حباً في أهل الشمال وإلا فلماذا كان خيار الإنفصال وبنسبة عالية إن كانوا هم راغبين في التواجد والتوحد مع أهل الشمال؟؟؟ ولن يجني السودان كثير فوائد من تلك الإتفاقيات وبل ستكون عودة الجنوبيون عبئاً على الشمال وستكون عودة مقننة ومحمية بالإتفاق وسيفعل فيها الجنوبيون الأفاعيل ولن يأمن فيها شعب السودان شراً مستطيراً !!! .

على مفاوضي المؤتمر الوطني أن يدركوا أن مصلحة شعب السودان مرهونة بالسلام أولاً وكف أذى حكومة الجنوب وتحديد حدود وأراضي السودان المجاورة لتلك الدولة الوليدة وليس في رسوم عبور النفط أو منح الحريات الأربعة المجانية والتي هي مفترق طريق حقيقي لأهل السودان والذين هم لن يسمحوا مرة أخرى بالعبث بأمنهم وإستقرارهم وحياتهم ولن تكون عودة الجنوبيون للشمال وبحرية وإقامتهم وعملهم إلا من ضمن تلك المهددات وسابق التجارب يقول ذلك؟؟؟ وعلى مفاوض المؤتمر الوطني أن لا يرهن مصير أمة وشعب برغبتهم في الحكم والإستمرار فيه وبأي طريقة وإن كان ذلك من خلال الإستجابة للضغوط والإبتزازات الدولية وتقديم التنازلات المذلة والمذهلة ومن ضمنها منح تلك الحريات وعليهم أن يعودوا للشعب عودة حقيقية وحتى يعبر عن رأيه في أمر يخص حياته وأمنه وليس عبر برلمان مسيّر وحكومي ولا يمتلك إرادة حقيقية أو تعبير يمثل كل الشعب وإلا إذا أبدى وأظهر البرلمان صحوة وضمير حي ينطق صدقاً بما يريده ويقوله الشعب ويعبر عن رغبته الحقيقية !!!

على الحكومة إن أُجبرت وأُكرهت على أمر يخالف ويمس من سيادتها أو هي عجزت عن الوفاء بالإستجابة للرغبة الشعبية والتعبير عنها أو أُضطرت للسير في مسار وطريق يمكن أن يكون مدخل هلاك ومعاناة لشعبها , فعليها وأكرم لها الإعتذار للشعب وتقديم إستقالتها وتنحيها بدلاً من زج الشعب في غياهب وظلامات ومصير يهدد حياة وبقاء كل أو بعض الشعب!!! والحريات الأربعة والتي يُراد إعطائها لأهل الجنوب وبتقديري المتواضع ستكون جزء كبير من تلك المهددات والمحاذير وأصبح شعب السودان يتوجس خوفاً من مفاجآت مفاوضي وحكومة المؤتمر الوطني والتي أصبحت تسهل وتتنازل عن كل شئ وترضي الجنوب والحركة الشعبية بكل شئ ولا ندري أهو حرص على حكم أو دنيا أو هو مكاسب سلطة أم هو خوف من عقوبات دولية وغيرها أم ماذا ؟؟؟؟؟؟

هذه الإتفاقيات والحريات المزعومة هي أمر يجب أن يُرجع ويُرد للشعب أولاً وأخيراً وهو فقط من يمتلك حق تقرير مصيرها ومسارها ويجب أن لا تُفرض عليه وتُنزّل بإتفاقية حزبية أو جهود فردية ويكفينا مهازل نيفاشا ومآلاتها البائسة ولذا على الحكومة أن ترد هذا الأمر للشعب وبحرية تامة وتعبير حقيقي وتجعل منه أمر على ذمة الشعب ولأنه هو فقط من يقرر لمن يجب أن تكون الإقامة والبقاء في بلده و لمن يجب أن تكون الحرية في العمل والتملك من الأجانب والجيران وخاصة إن كانوا هم من الدول والتي تكيل الكره والعدوان لأهل السودان وجنوب السودان وأهله صاروا أجانب بحكم القانون والأعراف الدولية وبحكم إختيارهم وإرادتهم وهم كذلك يمعنون في العدوان على السودان وأهله !!! وعلى البرلمان أن يكون صوت حقيقي للشعب لا أن يكون صوتاً لحزب وسلطة و هذا الأمر أيضاً في ذمته ويجب الوقوف كثيراً وكثيراً في هذا الموضوع والذي لا ينفع فيه حسن النوايا والظنون أو الضعف والهوان أو الكرم المُهلك لصاحبه أو العطاء لمن لا يستحق أو المنظار بمنظار مصلحة آنية وضيقة أو التعويل على وهم و مصير مرهون ؟؟؟؟ وعلى الحكومة إن كانت تحترم هذا الشعب حقاً أن ترد الأمر إليه أولاً وأخيراً ويكفينا إجتهادات منفردة لحزب أو جماعة أو حكومة!!!!


tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]

 

آراء