نحن قوم نقرأ ونفهم كل شيء

 


 

 




ذات يوم، كتبت مقالاً نقدياً ساخراً بعنوان" نحن قوم لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم"، مفاده أننا لا نقتني المكتبات المنزلية ، لا نجهد أنفسنا بالإطلاع الشاق على أمهات الكتب العلمية والأدبية ، نكتفي بالتصفح السهل للجرائد اليومية والانترنت، ونتفاخر بأحدث موديلات السيارات والموبايلات لا بالمعلومات الايجابية التي تشكل إضافة جديدة لمفاهيمنا العقلية ، وحينما لم يصلني أي تعليق من أي إنسان اعتبرت ذلك الصمت الجماعي بمثابة إقرار عام بعدم رغبتنا في القراءة والفهم وأصبت بحالة من الاحباط الثقافي الشديد إلى درجة أنني فكرت في الدخول في إضراب مفتوح عن القراءة والفهم أيضاً!
فجأة ، ومن غياهب الانترنت ، وردني نقد جريء من طالبة جامعية افتتحته قائلةً: مقالك مميز ولكنني لم أجد فيه أي تحفيز إيجابي، وهذه هي المشكلة الأصعب، فماذا لو كان عنوانه "نحن قوم نقرأ ونفهم كل شيء"؟ ، وماذا لو ركز المقال على نقد الحال القديم المؤسف واقترح حلولاً عملية محددة لإصلاحه؟! أرجو إعادة النظر في رأيك إذا كان نقدي مقنعاً ، واستطردت الطالبة الجامعية قائلة: هناك حقائق موضوعية أخرى يجب وضعها في الاعتبار قبل القفز إلى استنتاجات سلبية عامة وهي: إن عادات القراءة التقليدية التي كانت سائدة لدى آبائنا قد تغيرت الآن بشكل أساسي وحدث انتقال من الكتاب الورقي إلى الكتاب الالكتروني وهذا الجيل الناشيء قد أسس عادات إطلاع إلكترونية جديدة عبر الاطلاع على الانترنت والآي باد ومشاهدة القنوات الفضائية، والمحصلة النهائية هي أن معرفة الصغار في جيلنا الحالي قد تفوق معرفة الجامعيين في الزمن الماضي ، كذلك نجد أن وسائل التعليم والتعلم بالنسبة للأجيال الحديثة قد تغيرت إلى حد كبير فالاطلاع عبر مفهوم الخارطة الذهنية ، القائم على فكرة مزج التعلم بالتسلية وإشراك الجزء الأيمن من المخ المختص بالخيال والابداع مع الجزء الأيسر من المخ المختص بالمنطق والحساب ، قد وفر على الطلاب والمعلمين كثيراً من المجهودات الشاقة التي كان يتطلبها الأسلوب القديم القائم على التكرار والحفظ، ولعلك تدرك أن ثورات الربيع العربي التي غيرت كثيراً من المفاهيم السياسية والثقافية المحلية والدولية قد نبعت من شباب يتحركون ثقافياً عبر الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي والمعرفي المفتوحة التي لا تحدها حدود ، فهل يجوز لنا أن نبخس كل هذه الانجازات الثقافية الشبابية ونقفز إلى استنتاج عام مفاده " نحن قوم لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم؟!
لم أكن أرغب في التعقيب على النقد أعلاه نظراً لقناعتي التامة بصحة مشاهداتي الميدانية، لكنني شيئاً فشيئاً بدأت استكشف الحقائق الجديدة من أقرب الأقربين لي وهما إبني وإبنتي، فقد شاركا في إحدى المسابقات المدرسية وفوجئت تماماً عندما أحرز إبني المركز الأول وأحرزت إبنتي المركز الرابع لأنهما لم يكونا من هواة الاطلاع الورقي بل من هواة تصفح الانترنت والآي باد ومشاهدة التلفاز، وحينما سألتهما بدهشة عن كيفية تمكنهما من تحقيق معجزتهما الصغيرة ، ردا بسرعة: كل المعلومات موجودة في الانترنت والآي باد وسبيس توون؟! لم أفهم شيئاً ، لكن يبدو أن الواقع قد تغير كثيراً دون أن نشعر بذلك وأن لدينا أجيال ناشئة تستطيع أن تغير العالم بقوتها المعرفية المكتسبة من مصادر إلكترونية لم نتعامل معها نحن إلا منذ وقت قريب وأن هذه الأجيال تقرأ وتفهم كل شيء لكن بوسائل جديدة لم نألفها نحن بأي حال من الأحوال!



sara abdulla [fsuliman1@gmail.com]

 

آراء