نداء كبلو بين مناحة هجرة الأطباء وتحسين شروط خدمتهم

 


 

 


بحصافة

أثارت الثورةُ الصحية والطبية التي فجّرها الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة، وزير الصّحة في ولاية الخرطوم، منذ تسنمه الوزارة في عام 2011، بالتمدد في المنشآت والمراكز الصّحية، لتشمل الأرياف والقرى والنجوع بالولاية، إلى الدرجة التي ينهض رئيس لجنة شعبية في إحدى المراكز الصّحية بمحلية أم بدة الكبرى، مُعلناً في زهوٍّ وافتخارٍ أنّ منطقتهم اكتفت من المراكز الصّحية، مناشداً الأخ الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر والي ولاية الخرطوم، والأخ مأمون حميدة وزير الصحة الولائية بأن يدعموا المناطق الأخرى بمزيدٍ من المُنشآت والمراكز الصّحية، لأنّهم قد اكتفوا في منطقتهم بالخدمة الصّحية والطّبية التي قُدِّمت إليهم من قبل وزارة الصحة الولائية، ردود أفعال متباينة لتلكم الثورة، بين مؤيدٍ، ومعارض لها، حتى أن بعض المعارضين استغل معارضته في التستر خلفها لمعارضة النظام، بتنظيم الوقفات الاحتجاجية أمام بعض مستشفيات المركز.
وأحسبُ أنه من الضّروري الإشارة إلى أن تطوير وترقية الخدمات الصحية والطبية في الأطراف، قلّلت رهق تِرحال المرضى، مالياً ومعنوياً، إذ وفرت لهم الخدمات التي كانوا يقطعون لها الأميال، فصارت على بُعد بضعة أمتار أو يزيد من منازلهم، فلن تعدُ الزّوجة في حاجة إلى رفقة الزوج للذهاب إلى المركز لتلقي العلاج، بل تكتفي باتصالٍ هاتفي لإفادته بما جرى لها من حُسن استقبال، وكريم طِبابة. وأتاح ذلك فرصاً كبيرة لوزارة الصّحة الولائية لتطوير وترقية مستشفيات المركز، لتصبح مستشفيات مرجعية.
وفي رأيي الخاص، أنّ مفهوم الرعاية الصحية الشاملة لجميع أفراد المجتمع، من المفاهيم التي نادت بها المنظومات الدّولية والإقليمية التي تُعنى بالشأن الصّحي والطبي. إذ أنّ الرعاية الصّحية الشاملة في مفهومها الشّامل، أنها تقدم رعايةً صحيةً أولية مستمرة لجميع أفراد المجتمع، وتهتم أيّما اهتمام بالنّواحي الصّحية الوقائية والتطويرية، وعدم الاقتصار على الخدمة العلاجية، ومُبتغاها في ذلك العمل على رفع المستوى الصّحي للمجتمع. وجميلٌ، أن تهتم وزراة الصحة في ولاية الخرطوم بأمر الرّعاية الصحية الشاملة، والتوجه برؤية ثاقبة، وفكرٍ خلاّق إلى طب الأسرة، باعتبار أن طبيب الأسرة هو الطبيب الذي يُقدم العناية الصحية لجميع أفراد الأسرة بشكلٍ دائمٍ ومتواصلٍ، وهو بمثابة المحامي الذي يذُود عن صحة الأسرة، ليس بتقديم العلاج فحسب، بل بفهم احتياجات الأسرة الطبية والنفسية، والتعامل مع الفرد في نطاق الأسرة، مع الإلمام بالطُرق الوقائية، والمقدرة على التشخيص والعلاج. وأحسبُ أنّ طبيب الأسرة، وفي أغلب الأحايين يكون اختصاصي في أكثر من تخصص طبي، من الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق الصّلة الوثيقة مع المريض أو المريضة في إطار الأسرة من النواحي الطبية والنفسية والاجتماعية. ولا يقتصر جُهده على ذلك، بل يجتهد في التنسيق مع الاختصاصيين في التخصصات الطبية الأخرى، بما يخدم مرضاه الذين يُعنى بهم عناية كاملة، ويُجاهد أيضاً في سبيل الإلمام بالمشكلات الصحية في المجتمع، والتعامل معها، وفقاً لفقه الأولويات الطبية.
وأكبرُ الظنِّ عندي، أنّ الكثيرين الذين حضروا فعاليات افتتاح المؤتمر الأول لطب الأسرة يومي الخميس والجمعة الماضيين، استوقفهم في كلمة الأخ الصديق البروفسور عبد العظيم كبلو، رئيس الاتحاد العام للأطباء السودانيين، أمام المؤتمر الاول لطب الأسرة، حديثه عن هجرة الكوادر الطبية المؤهلة، وأشار إليّ – شخصياً - عند حديثه، أنّه من الضّروري أن تهتم الوسائط الصّحافية بتحسين شروط خدمة الأطباء، بدلاً من المناحة على هجرة الأطباء. وأنا هنا استجيبُ لهذه المناشدة، وأدعو الجهات المسؤولة، بدءاً من مؤسسة الرئاسة، ومروراً بوزارة المالية الاتحادية، وانتهاءً بوزارة الصّحة الاتحادية، ووزرات الصّحة الولائية، أن يُولوا أمر هجرة الأطباء عنايةً خاصة، باعتبارها نزيفاً لموارد الوطن وكوادره، وذلك من خلال العمل الجاد والمُثمر تجاه تبني قضية تحسين شروط خدمة الأطباء، وترقية بيئة عملهم، لنحقق الحُسنيين، الأولى المُحافظة على كوادرنا الطبية المؤهلة من الهجرات المستمرة، والثّانية تشجيعُ واستقطاب الكوادر المُهاجرة للعودة إلى أرض الوطن للإسهام الفاعل مع رُسلائهم الآخرين من الأطباء في تطوير وترقية الخدمات الصحية والطبية في بلادنا.
أخلصُ إلى أنّ مفهوم طب الأسرة، أولاه الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة، وزير الصّحة في ولاية الخرطوم، اهتماماً خاصاً، منذ أمدٍ بعيدٍ، أيّ قبل تسنمه وزارة الصحة الولائية، ولكنّه حرص على التدرج في تطبيقه من خلال إجراء الكثير الاستشارات والمشاورات مع اختصاصييّ طب الأسرة من الأطباء السودانيين في المهاجر، وحثّهم على ضرورة المساهمة الفاعلة في إنفاذ سياسة الوزارة في تبني هذا المفهوم، ليكون واقعاً مُعاشاً في المستشفيات والمراكز الصّحية التي انتشرت في أرياف وقرى ونجوع ولاية الخرطوم، إضافةً إلى المُدن والحضر بالولاية. ومن حُسن المُصادفة، أن ينعقدَ هذا المؤتمر، ليدفع البروفسور مأمون حميدة بفكرة إنشاء جمعية اختصاصيي طب الأسرة في السودان، ويجعلها حقيقةً وواقعاً، مُستغلاً في ذلك، حضور العديد من اختصاصيي طب الأسرة القادمين من دول الخليج وبريطانيا وغيرها، للمشاركة في فعاليات المؤتمر، داعياً إلى أن تكون هذه الجمعية، رافداً مهماً من روافد جمعيات اختصاصيي أفرع الطّب المختلفة. وبالفعل كان لانعقاد مؤتمر طب الأسرة يومي الخميس الجمعة الماضيين، سانحة لبلورة فكرة قيام الجمعية، ومن خلال فعاليات حفل افتتاح مؤتمر طب الأسرة الأول في السودان، تم الإعلان عن ميلاد جمعية اختصاصيي طب الأسرة في السودان، وقد شهد هذا المؤتمر حماسة الإخوة اختصاصيي طب الأسرة في المهاجر، لترسيخ مفهوم الرّعاية الصحية الشاملة والمستمرة، في إطار إشاعة مفهوم طب الأسرة في السودان. واستحسن المؤتمرون التزام اختصاصيي طب الأسرة في المهاجر، بالعمل لفترات محددة مع رُسلائهم في السودان.
ولنستذكر في هذا الصّدد، قول الله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ".
وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي:
بلادي وإن جارت علي عزيزة     وأهلي وإن ضنوا علي كرام
بلادى وإن هانت على عزيزة       ولو أننى أعرى بها وأجوع
ولي كف ضرغام أصول ببطشها    وأشري بها بين الورى وأبيع

 

آراء