نكتة اليكس دى وال عن السياسة السودانية : تعليق على مقال د . الواثق كمير
يروى الباحث المتخصص فى شؤون بلادنا اليكس دى وال نكتة عن المشهد السياسي فى السودان وهى تقول : (السياسة السودانية تتغير كل أسبوع لكنك لو غبت ١٠ أعوام وعدت ، ستجد ان لا شىء قد تغير). هل قلت انها نكتة ؟ واجدنى شديد الاحتفاء بكتابات د. الواثق كمير وقد تكرم على بإرسال نسخة قبل النشر عبر البريد الالكتروني من مقاله الذى جاء بعنوان : قوى التغيير: وضع كل البيض فى سلة البيان ٤٥٦ .ويجده القارىء مبذولا هنا فى سودانيل.
وفى تقديرى ان أهمية ما كتب د. الواثق تعود الى انه يتيح قراءة متعمقة وخارج صندوق التفكير التقليدى لمواقف وافكار أطراف الصراع على السلطة فى السودان بل والأكثر حيوية اشراك الراى العام ( انظر عدد النقرات والتى تشير الى عدد القراء فى سودانيل- على سبيل الإشارة - لمقالات د. الواثق ) عبر كتابة رصينة وعلموية فى النظر وتأمل قضاياه بدرجة مطلوبة من الجدية فامر بلادنا وما يجرى فيها هو جد الجد .فهذا حق شعبنا علينا ان نقدم له: الوعى ...بقدر مانستطيع . او كما قال صاحب العبارة الشهيرة.
واجدنى متفقا مع د. الواثق فى تحليل موقف الادارة الامريكية الحالية نحو الحكومة والمعارضة وهو شديد الاتساق مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية كقوة عظمى واظن انه من حسن حظنا ان يحدث ذلك فى هذه الوقت فالحكومة الان فى وضعية أفضل من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية لكنها لا تزال تبحث عن شرعية مفقودة اذ لا تملك الفكرة ولا الرؤية او البرامج التى تقود بها المجتمع والبلاد - وإذ كنت لست فى المقدمة فأنت حتما فى الموءخرة وإذا لم يكن لديك خطة فأنت تتعامل مع الأحداث بحالة رد الفعل Reaction وليس الاستجابة Respond.
ومن الخير لنا كسودانيين ان نجد الحل لمشاكلنا بانفسنا بدلا من ان يفعل الآخرين ذلك نيابة عنا وذلك لأننا ادرى بقضايانا والتحديات الحقيقية التى تواجه مجتمعنا وبلادنا وفى ذلك وقاية من شرور التدخل الأجنبى . ومن المؤسف ان الحاجة الى المعامل الخارجى - اقليميا ودوليا -فى معادلة الحلول المرجوة للقضايا والأسئلة التى تواجه بلادنا تتزايد مع فقدان الثقة بين طرفي الحكومة والمعارضة بشقيها فالاتفاقيات تبدو على الدوام تبعث على الأمل لكنها عند التنفيذ تسقط عند اول اختبار بل والادهى تتعرض لمحاولة الالتفاف والتنصل وهى حالة وصفها السياسي إبيل الير فى كتابه:( التمادى فى نقض المواثيق والعهود ). هذا بالاضافة الى ضرورة اشراك المجتمع الاقليمى والدولى فى تحمل تبعات المستحقات والتكاليف الاقتصادية والمالية الباهظة لمرحلة الاستقرار والسلام.
غير أننى أعيد الإشارة هنا الى ما اعتقد أنهما بحق اهم مظهرين لمشاكل بلادنا الان وهما:
-حيرة الحركة الاسلامية نفسها والتى اغلقت الأبواب بينها وبين قيم الاسلام الحقة وفى مقدمتها الحرية والعدل والمساواة وتحول امرها الى حلقة صغيرة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تقضى فى كل شؤون البلاد والعباد.
- أزمة السودان على المستوى السياسي من غياب الحريات العامة والادهى تحول الموءسسة الأمنية الى لاعب اساسى فى الممارسة السياسية . واقتصاديا تبنى نظام راسمالي لا يرحم ، فاقد لآليات الضمان الاجتماعي مما يؤدى لتنامى الفقر المدقع والتفاوت الانتاجي .ثقافيا اختناق الثقافة وتغييب الخطاب العقلاني .
واضيف الى ماسبق مأسسة الفساد الذى تحول وحش حقيقى .
وكنت قد لاحظت فى مقال سابق -وجد طريقه الى سودانيل ولعله فى الارشيف - ان مسالة المفاوضات بين الحكومة والمعارضة تراوح مكانها فى كل مرة بسبب فقدان الشرعية السياسة والأخلاقية لكليهما فوزن المفاوض وقوته على طاولة المفاوضات يستمدها من التفويض الذى يحصل عليه من الناخبين اى اصحاب المصلحة خلال الممارسة الديمقراطية عبر الانتخابات وتاليا دفع ثمن القرارات الخاطئة عند صندوق الاقتراع كما نعرف فى عملية التصويت الحر من غير اكراه معنوى او مادى. ولذا فان جولات المفاوضات بين
الأطراف او الحوار تفتقد الى الجدية المطلوبة والفهم السليم لاستحقاقاتها ومطلوباتها كاداة ووسيلة وليست غاية فى حد ذاتها فى التعرف على أوجه الاختلاف واستكشاف المجهول عن الاخر ومن ثم المقاربة وتلمس المشترك من الأفكار والتصورات الصحيحة غير المختلقة او المتوهمة و التى تعين على القبول بالاخر واحترام هويته ووجوده .
وإذا فالحكومة فى وضع أفضل بسبب تخفيف الضغوط الخارجية عليها وافترض ان ذلك أفضل للمعارضة ايضا فلطالما كان العنصر الخارجى مصدر حذر للحكومة وإغراء للمعارضة فى توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية ولكنها الان تواجه مصيرها لوحدها الا اذا عمدت الى الشعب هذه المرة فطالما كنّا نقول فى جميع المرات ان الحكومة غيبت الشعب الا اذا كنّا بالفعل غائبين لدى الطرفين .
والآن الى أين من هنا؟ الحياة لا تعرف الفراغ ولا ريب ان للتغيير قوانينه وأدواته وطاقته الحيوية واعتقد انه واقع وجار الان ويكاد الجميع يحسونه ولو لم يرونه عيانا. وكل الخشية ان يقع فجاءة كما فى حالة رهق او تعب المعادن Metal Fatigue :(ظاهرة الكسر المفاجئ للمعادن المعرضة للأحمال المتغيرة المتكررة. وتصمم أجزاء المنشآت المعرضة لمثل هذه الأحمال، باتخاذ حد التعب للمعادن، أساساً لحساب إجهاد التشغيل. وتتوقف مقاومة المعادن للتعب على نوع الإجهاد المتكرر وسرعته، وفترة راحة الآلات، والإجهادات الداخلية والخارجية، ودرجة الحرارة وشكل المنشأ وحجمه، ومدى تعرض المعدن للصدأ وصلادته ومعالجته الحرارية).ولا ريب ان بلادنا تعرضت لرهق وتعب متصل لا يكاد ينقطع طوال عقود امتدت فى حياة اجيال من البشر وانا منهم.
كنت قد قلت فى صدر هذا ا التعليق ان الحكومة فى أفضل حالاتها مما يلقى عليها عبئا اضافيا فى البحث عن الحلول المطلوبة . ولعل ذلك يمنحها بعض الثقة فى ان تتقدم الى الامام خطوة بالتوقف عن ممارسة المناورة بالمواقف السياسية باستمرار بحيث انها تبدو فى معظم الأوقات كما لو فقدت بوصلة الاتجاه الصحيح - وبالمناسبة لا اعتقد ان الحكومة ستقبل حتى التفكير فى مرحلة انتقالية فى المستقبل القريب وربما من الاجدى الدفع والضغط فى سبيل رفع سقف الحريات وبالذات لتعزيز وضع منظمات المجتمع المدنى والنقابات .
وبالحقيقة انه حل واحد او طريق واحد ربما يتعين علينا كجماعة ، حكومة او معارضة ان نمضى فيه مهما بلغت وعورته وبدا شائكا ويمتد الى ما لا نهاية .الحوار السلمى فهو الأقل تكلفة والاهم ان ثماره ونتائجه هى الأكثر صمودا وقدرة على البقاء والإيفاء بمطلوبات إدارة التنوع والاختلاف فهذا قدرنا ليس لوحدنا بل و البشرية جمعاء.
حسين التهامى
كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية
husselto@yahoo.com