نور- تداعي الكهرمان

 


 

وجدي كامل
25 May, 2024

 

نور- تداعي الكهرمان
وجدي كامل

وصلني عن طريق الصديق العزيز صلاح الحسن، المقيم بلندن كتاب (مؤانسات في ادب الرسائل)، ورواية (نور- تداعي الكهرمان) للكاتب والروائي السفير جمال محمد ابراهيم. ألف شكر للسفير الاديب والمثقف جمال محمد ابراهيم على السفرين القيمين. قرات، وعلى نفس واحد العمل الادبي والروائي المتميز (نور تداعي الكهرمان). دفعني الى ذلك اني كنت، وظللت مهتما منذ ايام الدراسة بالبحث في سيرة معاوية محمد نور، وخاصة في نطاق الاسرة بالموردة بامدرمان. فقد سعيت للمقابلة والجلوس لاخيه شرحبيل عن طريق اسرة السفير عبد الوهاب الصاوى الذي جمعتني به وباسرته صداقة عميقة ونادرة وزمالة ممتعة وشيقة وفرها صديقنا التشكيلي الراحل علاء الدين الجزولي وزوجته شلبية الصاوي ولكن لم تتوفر السانحة لاسباب وظروف شتى، حتى اذا بشرحبيل محمد نور يرحل هو كذلك. سيرة معاوية محمد نور سيرة دواية الادانة، فصيحة المحتوى لمثقف استثنائي تاريخي، عالى الكعب، ليس ضد التخلف الاجتماعي فقط، بل ضد الصفوة السياسية التي قادت، وحكمت البلاد بعد الاستقلال والتي مثلها خاله الدرديري محمد عثمان الذي يرمز له جمال بعثمان مرة، ومرة بخليفة. فبقدر ما مثل الدرديري خال معاوية الخال الملهم الذي استزاد معاوية من مكتبته الكثير من المعارف، وشخصيته المظهر وحب اللغة الانجليزية والتفوق فيها فهو قد مثل صفوة، ولاجل خلافة سياسية مستهدفة عملت على عدم تعكير الاجواء بينها وبين الانجليز فضحت بعقليات فذة كمعاوية وحرمتها بشيء من التواطؤ معهم من ان تقود حركة التنوير التعليمي والثقافي بالسودان. ايام معاوية بالقاهرة، ورغم الغطاء الروحي الذي وفره العقاد لمعاوية في وسط حاد الصراعات والتجاذبات بالحركة الادبية المصرية آنذاك، الا انها شكلت دليلا دامغا على نظرة الاستعلاء الثقافي لزمرة من المثقفين والأدباء المصريين لمثقفي، وأدباء (جنوب الوادي) ممن يبحثون عن ندية قدر لها ان تكون مفقودة حتى اللحظة، ولا مجال يبدو لاحقاقها او تعديلها طالما ظل إرتباط الصورة الذهنية للاديب وللمثقف السوداني عند غالبية المثقفين المصريين حالة لا يجوز فك شفرتها الا ضمن عملية اعراب لعلاقة من التبعية الثقافية المعقدة، والتخلف السياسي المستحكم ببلده. فلم يتقبل او يتحمل ابراهيم المازني، ولا اعضاء اتجاه ( وليس مدرسة) (ابولو) النتائج النقدية لمعاوية وكشفه عن اقتباسات صريحة قاموا بها ، ان لم نقل نقلا للعديد من الاعمال الادبية الكلاسيكية، والتجديدية الغربية بسبب استغلال اولئك لضعف القراءة والإطلاع للاداب المكتوبة باللغة الانجليزية، المجال الذي برع فيه معاوية. نور- تداعي الكهرمان حكاية، وسيرة استطاع جمال محمد ابراهيم وضعها في اطار درامي مأساوي متعدد المستويات في عملية السرد التي تراوحت وتعددت بين الراوي ومعاوية وادوارد عطية (قلم المخابرات البريطاني) رغم اختيارات جمال لمناطق آمنه في كتابة السيرة. فالرواية لم تتعرض للعامين الدراسيين الذين قضاهما معاوية في دراسة الطب، كما لم تغطي ملابسات وتفاصيل هربه لمصر وقتها، قبل ان يعود اليها مرة ثانية. ايضا ربما اغفلت الرواية تفاصيل اعادة الدرديري لمعاوية مخفورا عبر القطار من القاهرة للخرطوم معاناة معاوية في صدامات يومية واحداث وثق لها عدد من النقاد السودانيين على راسهم الناقد د. احمد محمد البدوي في كتابه (تجليات ناقد الحداثة). جمال، وفي تقديري، قد نجح في اعطائنا عملا ادبيا، وربما سينمائيا مكتوبا عن سيرة احد عظماء السودان في مجال الثقافة والادب والفكر رغم الرحيل المبكر.

wagdik@yahoo.com

 

آراء