هل البرهان يريد سقوط الفاشر في يد الدعم السريع ليعيد ترتيب المشهد السياسي (٢)

بقلم الصادق علي حسن

حسابات أطراف الصراع في مدينة الفاشر المحاصرة .

أولاً : قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان .

إن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، وعلى الرغم من ارتباطه الوثيق بالمنظومة الحاكمة وحركة الإسلام السياسي في عهد سلطة سلفه عمر البشير ، إلا أن ذلك الارتباط قد لا يكون على ذات شاكلة ارتباط الضباط المنظمين الذين كانوا على صلة مباشرة بتنظيم حركة الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة السودانية ، ومن الحكاوي التي تروى بمدينة نيالا أن أعضاء الحركة الإسلامية بالمدينة المذكورة ، في ظل سطوة نظام الإنقاذ ،في النصف الأول من العقد الأول من سنين حكم النظام المذكور للبلاد ، وقد كان البرهان ضابطا برتبة صغيرة في الجيش، في عهد حاكم إقليم دارفور الطيب إبراهيم محمد خير المشهور بالطيب سيخة، وبناءً على تقديرات التنظيم المذكور بنيالا غادر البرهان المدينة المذكورة عائدا إلى رئاسته بالخرطوم ،ثم لاحقا عاد البرهان إلى ولاية غرب دارفور مديرا لمكتب الفريق محمد احمد الدابي ممثل رئيس الجمهورية بالولاية في عام (١٩٩٨م- ٢٠٠٢م) والذي كلفه البشير بمهام والي الولاية الأمنية في ظل وجود واليها الاستاذ إبراهيم يحيي عبد الرحمن والذي صار بعد تكليف الدابي بالمهام الأمنية ، واليا على الولاية بلا سلطات حقيقية ، ولخبرة البرهان بدارفور تمت إعادته إلى ولاية وسط دارفور في عام ٣٠٠٣م بظهور الحركات المسلحة، وقد تم تعيينه معتمدا لمحلية غرب جبل مرة وعاصمتها نيرتتي ، وينسب إليه مع آخرين أثناء عمله بوسط دارفور ممارسة الإنتهاكات الجسيمة التي وقعت بالمنطقة المذكورة ، وبحكم توليه لمنصب معتمد محلية غرب جبل مرة تولى البرهان ايضا منصب رئيس حزب المؤتمر الوطني بالمحلية المذكورة (الحزب الحاكم)، وعلى ما يبدو ، ليس البرهان من ضباط تنظيم المؤتمر الوطني داخل الجيش ،ولكن ما يفسر استمراره وبقائه داخل الجيش (بحسب بعض زملائه العسكريين الذين يعرفونه) التقديرات والاعتبارات الجهوية لقيادة الجيش ، فالراجح أن البرهان ليس من أعضاء تنظيم الحركة الإسلامية الملتزمين الذين كان يمكن أن تمارس عليهم عضوة تنظيم الحركة الإسلامية سناء حمد التحقيق حول القصور الناتج عن أداء المهام الموكلة إليهم والإطاحة بالبشير ،وقد شمل تكليف التحقيق الصادر من الأمين العام للحركة المذكورة الراحل الزبير أحمد الحسن ومن داخل محبسه كما ذكرت القيادية النسوية بالتنظيم سناء حمد أعضاء اللجنة الأمنية من العسكريين ،وقد شغل البرهان قبل توليه الرئاسة منصب المفتش العام للقوات المسلحة، ذلك المنصب القيادي الهام في الجيش الذي يلي في المهام القائد العام، ووزير الدفاع . ليس هنالك ما يفيد بأن البرهان كان له أي وضع في داخل تنظيم الحركة المذكورة داخل الجيش حتى يتقيد بتوجيهات امينها العام الزبير أحمد الحسن ، ويخضع للتحقيق التنظيمي الذي كُلفت القيادية النسوية سناء حمد بإجرائها مع أعضاء اللجنة الأمنية من اعضاء التنظيم ، مع انه من ضمن أعضاء اللجنة الأمنية المشمولين بتوجيهات رئيس الحركة المذكورة ،والتي كلفت القيادية النسوية بالحركة المذكورة بإنفاذها، فتوجيهات أمين عام الحركة في عُرف حركة الإسلام السياسي مُلزمة لأعضائها مهما تولى العضو أي موقع بالدولة، كما عبر عن ذلك عمر البشير اثناء حكمه بعد المفاصلة الشهيرة مع مرشد وأمين عام الحركة المذكورة د. حسن الترابي، بعد أن تم خلعه من رئاسة التنظيم ، وقد صرح البشير للإعلام، بانه كان طوال السنوات السابقه للمفاصلة وهو على السلطة، لم يكن حاكما وأردف متسائلا (من منكم يُسلم على والده بتقبيله في رأسه ؟! ، وأجاب كنا نقبل الترابي في رأسه ، والآن أنتهى زمن البقرة المقدسة) ، فالفريق أول البرهان في ممارساته السلطة بعد أن تولى حكم البلاد عقب ثورة ديسمبر المجيدة ، لم يكن بالضرورة مقيدا بتوجيهات الحركة الاسلامية المذكورة، أورئيسها ،أو حتى ادبياتها ، بل افصح بعد أن تربع على منصب الرجل الأول في الدولة، بأن والده هو من تنبأ بأنه سيكون له (شأنا عظيما) ،وأعتبر ان وصوله للرئاسة من كرامات والده . لقد حرص البرهان أن لا يربط وصوله للمنصب الرئاسي بالحركة المذكورة بأي حال من الأحوال، كما وهو في السلطة ظل يحرص على ترديد استثناء حزب المؤتمر الوطني من أي مشاركة في السلطة باعتبار ان الحزب المذكور تم حله تلبية لمطالب الشارع وثورة ديسمبر المجيدة ، كما وقد دخل البرهان في تحالفات فعلية جدية مع قوى الحرية والتغيير ، وتخلى عن أي عمل مباشر وعن أي صلة يمكن أن تربطه بالنظام السابق، أو قد تعيق استمراره في تربعه على السلطة .لم يسع البرهان لاسباغ حماية على أعضاء الحركة الإسلامية الذين طالتهم الإجراءات الجنائية بتهم تقويض النظام الدستوري في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م، كما اقتصرت جهوده على استخلاص المؤسسة العسكرية وجعلها في منأى عن آلية التفكيك، وقد شمل التفكيك حزب المؤتمر الوطني ورموزه وازرعه.

البرهان وغطاء التحالف (المدني والعسكري) .

وجد البرهان ضالته في التحالف الذي تم تشكيله بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة ، ومن خلال التحالف المذكور ضمن وجوده في الفترة الأولى المخصصة للمكون العسكري برئاسة مجلس السيادة، كما تمكن من تمرير تسمية قائد الدعم السريع نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميتي) في منصب نائبه الأول في المجلس السيادي المذكور والذي تم تشكيله بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة المذكورة ،ولم يكن هنالك أي منصب بهذا الوصف في الوثيقة الدستورية المذكورة، ولكن هو وحليفه حميتي وضعا المكون المدني أمام الأمر الواقع وقد اكتشفا ضعف المكون المدني المذكور ، ومن هنالك تبين للبرهان مع حليفه حميتي وقتذاك أمكانية تمرير رغائبهما واجنداتهما على ممثلي قوى الثورة (قحت) ، فالوضع الصحيح في ظل الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، إذا ذهب منصب رئيس مجلس السيادة للمكون العسكري بأن يذهب منصب نائب رئيس المجلس المذكور إذا وجد للمكون المدني ، ولكن الأكثر غرابة تم تعيين حميتي في منصب النائب الأول ، ذلك المنصب الذي لا وجود له في الوثيقة الدستورية المعيبة .

البرهان وحميدتي .

الباحث في سلوك البرهان يجده بلا التزام سياسي حقيقي تجاه أي جهة سياسية أو تنظيمية، فهو مع من يحقق له اغراضه ، كما وأنه وظف معرفته بدقائق ما يجري في دولاب الدولة بقربه من سلفه عمر البشير في خواتيم عهده، وقد تولى وظيفة المفتش العام للقوات المسلحة، وبمثلما استعان البشير بحميتي واستصدر له قانون قوات الدعم السريع من برلمان نظامه في عام ٢٠١٧م وقد أصبح ساعده الأيمن في تمرير اجنداته على حزبه المؤتمر الوطني وفي تغليب أوامره على مراكز القوى المستترة والمتصارعة على خلافته داخل حزبه المذكور وعلى رئاسة الدولة، ومن بينها أهم مركزين متصارعين كان يمثلانهما (على عثمان ونافع علي نافع )، سار البرهان على نفس درب البشير ، وقد ظن البرهان بأن سقوفات حميتي لن تتعدى شغل منصب الرجل الثاني في الدولة . لذلك قبل الدخول في اتفاق مع قوى الحرية والتغيير استخدم البرهان سلطاته الاستثنائية وقام بإصدار المرسوم الدستوري بالرقم (٣٤) لسنة ٢٠١٩م، وبموجبه قام بإلغاء المادة (٥) من قانون الدعم السريع ليتمكن من استخدام الدعم السريع وقائده في حفظ توازن مراكز القوى لصالح استمراره على سدة الحكم من خلال حفظ التوازن مع الجيش من جهة والتوازن السياسي مع قوى الحرية والتغيير التي تمثل قوى الثورة .

شراكة المصالح والمسؤولية الجنائية .

الوقائع تُكشف عن ملامح خفايا الشراكة التي تأسست بين قائد الجيش الفريق اول البرهان ونائبه الفريق أول حميدتي ، الإثنان التزما الصمت المطبق بشأن وقائع مجزرة فض الاعتصام، وهذه الوقائع تكشف عن مسؤوليتيهما المشتركة بالتضامن أو الانفراد ، وبافتراض أن أحدهما هو الذي باشر منفردا إصدار قرار الفض ، ومن دون علم الثاني، فمسؤولية من لم يُشارك في إصدار القرار تقع عليه ايضا بارتكاب جريمة التستر الجنائي، والعقوبة في الحالتين وأحدة ، بل المسؤولية الجنائية تقع على كل اعضاء المجلس العسكري الانتقالي الآخرين، وفي الوقائع أن المجلس العسكري المذكور والذي تم تشكيله عقب الثورة وعزل البشير ، لم يقم بتشكيل أي لجنة تحقيق لتُكشف ماهية القوة المسلحة التي باشرت فض الاعتصام من دون علم رئيس المجلس العسكري المذكور ونائبه وبقية أعضاء المجلس العسكري المذكور ومن أين أتت .

إلغاء المادة (٥) من قانون الدعم السريع بمرسوم .
في يوم ٣/ ٦/ ٢٠١٩م الموافق ٢٩ رمضان ١٤٤٠هجرية تم فض الاعتصام في أبشع مجزرة أرتكبت بحق مئات من الشباب المعتصمين سلميا أمام ميدان القيادة العامة للجيش ، وكان شعارهم المرفوع (حرية / سلام / عدالة) ، وفي ٣٠/ ٧/ ٢٠١٩م الموافق ٢٧ من ذي القعدة ١٤٤٠ هجرية اصدر قائد الجيش ورئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول البرهان مرسوما (بالرقم ٣٤ لسنة ٢٠١٩) قضى بإلغاء المادة (٥) من قانون قوات الدعم السريع والخاص بإنهاء تبعية وخضوع قوات الدعم السريع المذكورة وإمرة قائدها لقيادة الجيش وبذلك صارت لهذه القوات استقلاليتها التامة ، وفي ١٧/ ٨/ ٢٠١٩م تم توقيع اتفاقية قسمة السلطة ما بين ممثل المجلس العسكري الفريق أول حميدتي واحمد ربيع ممثل قوى الحرية والتغيير ،والتي افضت إلى إصدار الوثيقة الدستورية المعيبة، وتأطير قوات الدعم السريع بمرجعية احكام الوثيقة الدستورية المذكورة، ولم تعد قوات الدعم السريع قوات نظامية عسكرية خاضعة للقوات المسلحة بموجب قانون تأسيسها (قانون قوات الدعم السريع ٢٠١٧م) ، ذلك القانون الذي ينظم مهامها العسكرية، بل قد صارت للدعم السريع بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة المذكورة، مهام دستورية لها ولقائدها .
في المقال القادم ساتناول بمشيئة الله تعالى أوجه الشبه والاغراض (ما بين البشير والبرهان) في الاستعانة بالدعم السريع ، وهل تخلى البرهان عن المغدور به خميس عبد الله ابكر والي ولاية غرب دارفور ليلاقي مصيره المحتوم ،كما الراجح انه قد اتجه الآن نحو التخلي عن حلفائه بالقوات المشتركة .
تنويه هام :
بعض المعلومات الواردة بالمقال اعتمادا على الذاكرة التي تعتريها النسيان ،إضافة للتحليل السياسي . وعلى الباحثين مسؤولية التحقق منها .

عن الصادق علي حسن/ المحامي

الصادق علي حسن/ المحامي

شاهد أيضاً

قانون اللجوء المصري ١٦٤ لسنة ٢٠٢٤م مرة أخرى

حتى لا تفقد مصر ما تحققت من مكاسب (٣/ ٤)بقلم الصادق علي حسن أخطاء وانتهاكات …