قابل السودانيون حصول رئيس الوزراء الاثيوبي د ابي احمد على جائزة نوبل للسلام بحالة الفرح والابتهاج كما لم يخفي السودانين في وسائل التواصل الاجتماعي سعادتهم الغامرة بحصول رئيس الوزراء الشاب على الجائزة الرفيعة ، فالاثيوبين باتو اقرب الان . والثوار يحفظون لابي احمد وساطته وتقديمه لماعرف "بالمبادرة الاثيوبية" لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكرين ودفعه لعملية التفاوض الشاقة والمصيرية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير التي تعثرت بعد ان فضل العسكر خيار المواجهة المباشرة مع الثوار وفض الاعتصام السلمي بديلا للحوار وتسليم السلطة للمدنيين .
بفهمه للتعقيدات البيروقراطية داخل الاتحاد الافريقي وتسلحه بالكاريزما التي صنعها تمكن ابي احمد من الحصول على دعم دولي للتوسط لانهاء الصراع حول تشكيل السلطة بين قوى الثورة والقوى العسكرية عقب سقوط نظام الرئيس عمر البشير، وبالفعل وصل ابي احمد للخرطوم بصحبه مبعوثه محتقبا مبادرته ورغم التشويش الذي مارسه العسكر وسعيهم لاجهاض المبادرة الاثيوبية في مقابل تبني المباردة الافريقية كخيار تكتيكي ، الا ان قبول الجميع بالمبادرتين كاساس لحل الخلاف وتناغم المبعوثين الاثيوبي والافريقي اثناء كان صالح بقاء ابي احمد فاعلا طوال المفاوضات حتى التوقيع على الاتفاق النهائي في في الخرطوم ..
رسخت صور اللقاء البشوشة والدافئة أبان لقاء الوزير الشاب مع قيادات تجمع المهنيين في السفارة الاثيوبية في تلك اللحظات العصيبة من محبة الرجل في اوساط السودانيين ، لقد انقذ اجتماع ابي احمد الجسم السياسي للثورة وممثلها الوحيد من هوجة العسكر الذين كانت قيادته تخطط للانقضاض على تجمع المهنيين نفسه بعد انقضاضهم الغادر على الثوار في ساحة القيادة ، وكان ابي احمد ذكيا في كسب محبة السودانيين بانحيازه لثورة شباب السودان دون العسك وتقديم الدعم السياسي لقياداتها عكس الدول المجاورة (مصر ارتريا ) التي أختارت الانحياز والوقوف جانب العسكر. فكان ظهوره في ذلك المنعرج الحاد للثورة بمثابة طوق الجناة في الوقت الذي كانت القوى الاقليمية تتحين الفرصة لاجهاض الثورة وتوجيهها في مسار يكرس لنظام عسكري جديد يخدم مصالحها
ولكن بعد كل هذا السرد هل يجوز ان نعقد مقاربة بين ابي احمد وحمدوك ، كما انه هل يجب على حمدوك أن يحصل على جائزة نوبل ايضا لكي يسجل اسم السودان في احد قوائم الجائزة الاعظم في العالم ، هل سنشهد عهدا سودانيا بقيادة حمدوك يكون السلام العادل والشامل شيئا حقيقيا وواقعا ملموسا على غرار نظيره ابي احمد ، وهل يمكن أن يكون حمدوك ابي احمد "السودان" أو صانع السلام الجديد ليسجل اسمه الى جانب منصور خالد ودكتور جون قرنق اللذان استطاعا بقدراتهم الشخصية انهاء اطول صراعين مسلحين في حقب تاريخية مختلفة من تاريخ السودان ..
رغم تشابه المشاكل بين البلدين وتمايزهم بسبب طبيعة كل بلد واختلاف العوامل الثقافية والسياسية الا انه يمكن القول ان اداء ابي احمد في تفكيك حالة الجمود الاجتماعي والانغلاق السياسي التي كانت تعيشها اثيوبيا وتحريك كل شئ وصولا لاحداث السلام وصولا الى تتويجه بجائزة نوبل للسلام كان مبهرا وسريعا ، لقد ورث ابي احمد وضعا داخليا هشا وضعيفا ، خلقت السيطرة الامنية والقبضة الحديدة لحزب الجبهة الشعبية انقساما اجتماعيا حادا قاد لانطلاق حركة احتجاجية واسعة قوامها قبيلة الارومو في 2015 واجهتها الحكومة بعصا من حديد ، ومع ذلك عمل ابي احمد مدفوعا برغبة ذاتية هائلة على دينامية جديدة وهي ضرب مراكز القوى القديمة وتجاوزها ببناء معادلات جديدة للتهدئة "تصفير المشاكل" وانهاء التوترات داخليا ومصالحة الجارة ارتريا ، وتمكن من خلق مسار مختلف الاصلاح مؤسسات الدولة ،، لقد انجز تلك المهام الصعبة بقدرة هائلة على ابداء المرونة و تقديم التنازلات ، لقد كانت اثيوبيا تحتاج الى شئ جديد قائد ملهم . استطاع ابي احمد بكارزميته الطاغية وفي مدة وجيزة تجديد طاقة الشعب الاثيوبي وتجاوز المرارت القديمة مع الجارة ارتريا بكل شجاعة راصفا لأفق سياسي جديد لمنطقة شرق افريقيا التي أصاب اليأس الجميع في امكانية نهضتها.
الان ومع وصول قيادة سودانية جديدة الى السلطة ممثلة في شخص دحمدوك بعد ثلاثين عام من ديكتاتورية قاسية ، هل يستطيع الرجل الذي تمتع بشعبية هائلة منذ البداية انهاء المشكل السوداني العويص الذي تطاول عهده ، هل يتمكن الرجل من تكذيب الخلاصة التاريخية التي توصل اليها منصور خالد ان النخب السودانية طوال 60 عاما أدمنت الفشل في وبناء الدولة وتحقيق السلام العادل الوحدة الوطنية ، هل ينهي الرجل خلاصة صراعات المركز والهامش واستعلائية النخب النيلية المركزية التي لم تعبئ باوجاع اهالي الهوامش ولم تفكر في التنازل عن امتيازاتها التاريخية وعن الجرائم والحروب التي ارتكبتها وتقديمالاعتذار عن الارث المر وتسليم القيادات المسؤولة عنها للمحاكمات ، هل يتمكن دحمدوك من تجاوز تعقيدات الصراع الثقافي وازمة الهوية وتجليتها و ازمة العقل السياسي المتشظي بين حداثة زائفة وطائفية مستحكمة، هل يتمكن من تخطي كل تراث نقض العهود والمواثيق نحو لمصالحة الوطنية الشاملة
قضية السلام يقول حمدوك انها اولوية حكمه أذن لم يتبقى الا لمسات الرجل الخاصة وفكره ورؤيته المتمايزة للسلام لتحقيقه وابعاد شبح تفكك الدولة السودانية المخيف . وعندها يمكن ان يترشح حمدوك لنيل جائزة نوبل للسلام ...