السعودية تعارض، وتفضل حزب الامة
عارض السعوديون، وقلق الامريكيون، وفرح الروس، وتردد المصريون، وخاف الكونغوليون، وحذر الاثيوبيون، واستعد حلف الناتو
واشنطن: محمد علي صالح
(اعتذار صادق: في الحلقة السابقة، في وثيقة امريكية، هناك اشارة الى زوجة عبد الخالق محجوب، في ذلك الوقت الامين العام للحزب الشيوعي السوداني. ما كان يجب ان انشرها. اعتذر اعتذار صادقا).
في الحلقة السابقة من هذه المقتطفات من الوثائق الامريكية، تابعت السفارة الامريكية في الخرطوم انقلاب 25 مايو سنة 1969، بقيادة العقيد جعفر نميري، منذ اول يوم. وقالت ان الانقلاب يساري. وهناك مؤشرات انه اما شيوعي، او سيطر عليه الشيوعيون، او اثروا عليه.
وفي اول يوم، ارسل قسم الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية تقريرا الى السفارة عن معلومات في ملفاته عن قادة الانقلاب، وعن الحزب الشيوعي السوداني، وعن تمرد داخل الحزب ضد عبد الخالق محجوب، الامين العام لأنه هادن الاحزاب التقليدية التي كانت تحكم السودان.
قبل انقلاب نميري، كان هناك تحالف بين الحزب الاتحادي وحزب الامة. وكان اسماعيل الازهري، رئيس الحزب الاتحادي، رئيسا لمجلس السيادة، ومحمد احمد محجوب، من قادة حزب الامة، رئيسا للوزراء.
كانت حكومة ديمقراطية، انتخبها السودانيون انتخابا حرا. لكن، تأمر ضدها نميري وزملاؤه، وحلفاؤه …
في هذه الحلقة، ردود فعل اجنبية لانقلاب نميري:
قلق الامريكيون، وعارض السعوديون، وفرح الروس، وتردد المصريون، وخاف الكونغوليون، وحذر الاثيوبيون، وتنبأ حلف الناتو بأن نميري سيبقى في الحكم فترة طويلة.
قلق الامريكيون:
التاريخ: 28-5-1969
من: قسم الاستخبارات والبحوث، رئاسة الخارجية
الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب يساري
“حسب معلوماتنا، يبلغ عمر العقيد (الآن اللواء) جعفر محمد نميري الذي قاد الانقلاب العسكري في السودان، 39 سنة.
عزل حكومة برلمانية ديمقراطية، لكنها لم تكن فعالة. واستفاد من تذمر عام ضد الحكومة في المدن وداخل القوات المسلحة. وربما سيقدر نميري على كسب مزيد من التأييد لانه وعد بتغييرات “راديكالية” (جذرية) في الداخل، وقومية عربية “اكستريم” (متطرفة) في الخارج.
وحسب معلوماتنا، لابد ان تعارض نميري الاحزاب التقليدية التي كانت تحكم السودان، وخاصة الانصار، وهم “سترونقلي ناشوناليست” (وطنيون جدا). لكنهم، حتى الآن، لم يفيقوا من مفاجاة الانقلاب، وتنفيذه الدقيق، وترتيبه المنظم.
على اي حال، ولأول مرة في تاريخ السودان، تولى الحكم جيل جديد وحديث، غير جيل القادة السياسيين والعسكريين التقليديين، ذوي الميول الاسلامية.
بالاضافة الى نميري، يوجد في مجلس قيادة الثورة سبعة عسكريون، ومدني واحد، هو بابكر عوض الله، رئيس الوزراء ووزير الخارجية. ومنذ البداية ظهر عوض الله، وعمره 51 سنة، كمتحدث بأسم الانقلاب. وقال ان الانقلابيين يريدون اصلاحات اقتصادية جذرية، والقضاء على الفساد، وسياسة عربية متطرفة.
وفعلا، اعلن عوض الله تأسيس اول علاقة دبلوماسية بين السودان والمانيا الشرقية (الشيوعية)، وقال ان سبب ذلك هو تأييدها للقضية العربية.
داخل مجلس الوزراء، بالاضافة الى عوض الله، صار نميري وزيرا للدفاع، وفاروق حمد الله وزيرا للداخية. وغيرهم، هناك 18 وزيرا يساريا وشيوعيا. لا يزال، او كان، سبعة منهم اعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وينتمي الباقون الى اقصى يسار التركيبة السياسية في السودان.
وسيضمن الوزراء الشيوعيون تأييد الحكومة لما بين خمسة وعشرة آلاف عضو شيوعي. بالاضافة الى كثيرين يعطفون عليهم في المدن، ووسط نقابات العمال واتحادات الطلاب والشباب.
ولانه لا يوجد مسئول في النظام الجديد يتمتع بتأييد قبلي او طائفي، مثل اغلبية السودانيين، يجب على النظام الجديد الاعتماد على ولاء القوات المسلحة (ستة وعشرين الف جندي) … “
عارض السعوديون:
التاريخ: 31-5-1969
من: السفير، جدة
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
“امس، قابلت عمر السقاف، وزير دولة للشئون الخارجية، وتحدثنا عن انقلاب السودان. وهو قال ان السعودية حذرت الحكومة الامريكية مرات كثيرة بأن عدم حل المشكلة بين العرب واسرائيل، وعدم الضغط على اسرائيل لتنسحب من الاراضي العربية المحتلة، سوف يكونا سبب توترات، وانقلابات، واهتزازات في كثير من الدول العربية.
وقال، لهذا السبب، سقطت حكومات معتدلة في دول عربية كثيرة، وجاءت بدلا عنها حكومات يسارية. وقال: “حتى شاه ايران ربما لن يقدر على مواجهة هذه الموجة اذا استمرت هكذا.”
وقال ان الملك فيصل شخصيا غاضب جدا على انقلاب نميري. وان الملك، خلال السنوات القليلة الماضية، كان يساند حزب الامة مساندة قوية، وهو حزب تقليدي في السودان. ومرات كثيرة، توسط الملك لانهاء الخلاف داخل الحزب بين الصادق المهدي وعمه الامام الهادي المهدي …
وقال ان السعوديين استخدموا نفوذهم واموالهم لتحقيق هذا الهدف. وحتى قبل اسابيع قليلة، كانوا يتوقعون انتهاء الخلاف، وتوحيد كلمة الحزب، وسيطرة الحزب على الحكم دستوريا. لكن، بعد انقلاب نميري، تغير كل شئ …
ويبدو واضحا ان السعوديين يفرقون بين حزب تقليدي وحزب تقليدي، اي انهم يؤيدون حزب الامة، لكنهم لا يتحمسون للحزب الاتحادي. يرونه قريبا من المصريين، ولا يرتاح السعوديون للمصريين.
وقال السقاف ان السفير السعودي في الخرطوم ارسل، قبل يوم واحد، تقريرا بان انقلاب نميري لا يتمتع بتأييد قوي. وان قواعد عسكرية خارج الخرطوم، وخاصة في الجنوب، لم تؤيد الانقلاب.
وقال ان تسعة من الوزراء الذين عينهم نميري شيوعيون. والباقون يساريون. وان كل الوزراء السابقين اعتقلوا، ما عدا ثلاثة هربوا (الشريف الهندي، وعبد الحميد صالح، والرشيد الطاهر).
وان الصادق المهدي اعتقل، لكن الهادي المهدي، عمه وامام الانصار، موجود في جزيرة ابا. ويخطط لتحدي حكومة نميري العسكرية …
وسألت انا السقاف اذا كانت اخطاء حكومة الاحزاب التقليدية هي التي سببت عدم رضى في الشارع السوداني، ومهدت لانقلاب نميري. واجاب: قال هذا صحيح. لكنه عاد الى رأيه الاول بأن عدم حل المشكلة بين العرب واسرائيل تهدد كل الحكومات العربية المعتدلة …
رأينا:
اولا: نعتقد ان السعوديين يأملون ان تتحرك الاحزاب التقليدية سريعا، وتوحد كلمتها، وتسقط حكومة نميري.
ثانيا: لكن، يعرف السعوديون انه كلما بقى نميري في الحكم مدة اطول، كلما رسخ قدميه، وكلما صار تغييره صعبا … “
فرح الروس:
التاريخ: 27-5-1969
من: السفير، موسكو
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: ردود الفعل لانقلاب السودان
“نشرت الصحف الرئيسية هنا اخبار انقلاب السودان، لكن بدون تعليقات. وركزت وكالة “تاس” على تصريحات بابكر عوض الله، رئيس الوزراء ووزير الخارجية، عن سوء الوضع الاقتصادي في السودان. وعن “خطة علمية” لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وعن “النضال ضد الامبريالية.”
رأينا:
اولا: رغم ان ردود فعل الروس حذرة، واضح انهم سعداء بتصريحات عوض الله عن “الامبريالية” و “الخطط العلمية”.
ثانيا: تعمد الروس عدم التركيز على تصريحات عوض الله المتشددة حول القضية الفلسطينية، ربما لأنهم لا يريدون مزيدا من المزايدات العربية … “
اهتم البلغار:
التاريخ: 29-5-1969
من: السفير، صوفيا
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، موسكو، السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
“اهتم البلغار بانقلاب السودان ربما ليس لسبب آخر غير ان رئيسهم كان زار السودان في يناير، وذلك ردا على زيارة لبلغاريا كان قام بها، قبل سنتين، الرئيس السوداني السابق اسماعيل الازهري …
وركز الاعلام البلغاري على ثلاث نقاط اعلنها نميري: اولا: اعترف بالمانيا الشرقية الشيوعية. ثانيا: غير اسم بلده الى “جمهورية السودان الديمقراطية”. ثالثا: ايد القضية العربية الفلسطينية … “
تردد المصريون:
التاريخ: 29-5-1969
من: السفير، القاهرة
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
“استمرت الصحف المصرية تنشر تفاصيل الانقلاب العسكري في السودان. لكنها لم تقدم تعليقات او تعلن ميولا واضحة. غير انها صارت تستعمل كلمة “ثورة”، بدلا عن كلمة “انقلاب.” وركزت على ذلك جريدة “الجمهورية”.
حتى الآن، لم تصدر تصريحات من مسئولين مصريين. ولم يعلنوا التزاما نحو الانقلاب، ويبدو انهم ينتظرون مزيد من التطورات.
امس، قابلت محمد رياض، من وزارة الخارجية المصرية. لم يقدر على اخفاء سعادته والتعبير عن حماسه لما حدث في السودان. لكنه قال ان الحكومة المصرية لم تحدد موقفا. وقال ان نميري استعجل الاعتراف بالمانيا الشرقية (الشيوعية) … “
خاف الكونغوليون:
التاريخ: 29-5-1969
من: السفير، كنشاسا
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
“اليوم، قابلت وزير خارجية الكونغو كينشاسا، وهو قال لى انهم لا يعرفون كثيرا عن الانقلاب العسكري في السودان. وانه قابل سفير اسرائيل في الكونغو، وطلب منه معلومات عن الانقلاب …
وقال الوزير ان الرئيس الكونغولي موبوتو قلق بسبب انقلاب السودان. وخائف من توتر على الحدود بين البلدين، وخاصة لوجود متمردين ولاجئين وسط “السمبا” الكونغولين في جنوب السودان، وعددهم ستة آلاف شخص …
وقال الوزير ان الرئيس موبوتو لن يستغرب اذا تدهورت العلاقات مع السودان مع انقلاب نميري …
رأينا:
اولا: هناك سبب آخر له صلة بشخصية الرئيس موبوتو وكبريائه، وهو غضبه على عزل الرئيس السوداني الازهري بعد ايام قليلة من عودته من الكونغو، حيث كان ضيفا خاصا على موبوتو … ”
حذر الاثيوبيون:
التاريخ: 28-5-1969
من: السفير، اديس ابابا
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
“امس، قابلت كيتيما، وزير خارجية اثيوبيا، وقال ان بلاده قلقة على اللون الشيوعي المتزايد لانقلاب السودان. واشار الى اعتراف الانقلاب بالمانيا الشرقية (الشيوعية)، وموافقة هذه على مساعدة السودان في المجالين العسكري والامني.
وقال انه يبدو ان اقلية في السودان هي التي سيطرت على الحكم، وانها، لهذا، ستعمل على زيادة قوتها العسكرية والامنية. وان حشد اي حكومة سودانية لقواها العسكرية يهدد الدول المجاورة لها، مثل اثيوبيا.
لهذا، قال ان اثيوبيا ستنظر في حذر لما يحدث في السودان.
ولاحظ ان حكومة الاحزاب التقليدية في السودان لم تكن حاسمة، ولهذا لم تحل كثير من المشاكل المعلقة بين البلدين. وان حكومة نميري، رغم كل شئ، عسكرية ويسهل التعامل معها.
وتوقع الا تسكت الاحزاب التفليدية، وخاصة حزب الامة. وتوقع انقلابا مضادا. وقال ان اعتقال الصادق المهدي سيؤجل اي حركة مضادة في الوقت الحالي، لكن، في المستقبل البعيد، لابد ان يحدث ذلك … “
حلل اللبنانيون:
التاريخ: 29-5-1975
من: السفير، بيروت
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
“خلال الايام القليلة الماضية، اهتمت الصحف اللبنانية اهتماما كبيرا جدا بانقلاب السودان. وابرزت تصريحات نميري وبابكر عوض الله عن الميول اليسارية للانقلاب. والاعتراف بالمانيا الشرقية (الشيوعية). ووصف سوريا انها “قائدة المعسكرة العربي الثوري التقدمي.” وتأييد الفلسطينيين تأييدا قويا …
وجاءت التعليقات حسب الميول العقائدية لكل صحيفة: اشادت صحف اليسار بالانقلاب، وقالت انه سيقوي المعسكر العربي التقدمي. لكن، انتقدت الانقلاب صحف اليمين، وخاصة المسيحية، وقالت انه يضعف الدول العربية …”
تنبأ حلف الناتو:
التاريخ: 29-5-1969
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
الموضوع: حلف الناتو
“امس، اجتمع هنا سفراء دول حلف الناتو في الخرطوم، وناقشوا الانقلاب العسكري، واتفقوا على ان حكومة نميري يسارية، وفيها نفوذ شيوعي. وان الاعتراف بالمانيا الشرقية يزيد اهتمام حلف الناتو، ويجعله يحرص على متابعة الموقف متابعة دقيقة. لكن، اتفق السفراء على ان حكومة نميري تسيطر سيطرة كاملة على الوضع. وانها ستقدر على حكم السودان لفترة طويلة … “
——————————–
(يتبع)
—————————–
mohammadalisalih@yahoo.com <mailto:mohammadalisalih@yahoo.com>