وجوه في زحام السياسة والإنسانيات .. بقلم: خالد موسي دفع الله
هذه مغامرة كبرى لأن الكتابة وهي تخرج من مشكاة التقريظ والمدح عرضة للتبخيس والإتهام بشح النفس رجاء حظوة غير مستحقة يساق اليها الثلج تبعيضا وتكسيرا كما يقول المثل السوداني الشائع. والكتابة في جهد الرجال دون نهج مستساغ في الجرح والتعديل يقع في باب الإنسانيات لا التمحيص المدرسي المتعمق. لذا فهذه محاولة لرسم بورتريه لبعض الوجوه التي شغلت الرأي العام من خلال عملها التنفيذي أو نشاطها المبدع في الفضاء الإنساني في السودان،ربما يختلف الناس في تقييم كسبهم السياسي، ولكنهم تركوا اثرا في الأرض المبتلة التي شغلوا بعضا من حيزها في مواقيت الحصاد، وسنوات القحط والجفاف.
الأحد: اسامة عبد الله يمكن الإقتراب والتصوير.
شن بعض الناشطين والعاملين في الشأن العام نقدا لاذعا علي المشروع الطوعي (سودان فاونديشن) الذي قدمه اسامة عبدالله وزير الكهرباء السابق لإحداث نهضة شبابية شاملة في عدد من المناحي الإقتصادية والعلمية وبناء القدرات بعد أن ترك العمل الوزاري التنفيذي.وانصب معظم النقد علي أن مجال عمل المؤسسة ينافس مهام الحكومة ووظائف الدولة خاصة في مجال الزراعة وحصاد المياه والتدريب والخدمات، وقد استكثر البعض أن تجد المؤسسة التمويل اللازم لبرنامج العمل الطموح الذي قدمته.وذهب بعض أهل الغيرة السياسية أن مؤسسة (سودان فاونديشن)هو مشروع سياسي أراد أن يعود به اسامة عبدالله الي حلبة التنافس السياسي بعد أن خرج في استراحة محارب قصيرة الأجل.
لا شك أن المتابعين لمسيرة اسامة عبد الله التنفيذية يشهدون له بالقدرة الفائقة علي الإنجاز، وتجاوز معيقات العمل البيروقراطي، وحشد وتوظيف الطاقات لمداها الأمثل ودقة الإدارة وفعالية الأداء، وكانت قدراته القيادية الرفيعة مصدر اشادة دائمة من السيد رئيس الجمهورية في كل المشروعات التي نفذها أو أشرف عليها.وكان الخبير الإقتصادي عبدالرحيم حمدي يقول دائما إن أفضل مؤسسة علي الإطلاق في السودان في التنظيم وإعداد دراسات الجدوي العلمية ومتابعة تنفيذ المشروعات هي وحدة تنفيذ السدود.وقدم ذات الشهادة بنك التنمية الإسلامي بجدة لدقة التنفيذ في المشروعات التي شارك في تمويلها لصالح السدود والكهرباء في السودان.ولا شك أن جزء كبير في هذا النجاح يعود الي القدرات القيادية والتنفيذية لأسامة عبدالله.كما خرج من جلبابه العديد من القيادات الشبابية التي تشغل مناصب تنفيذية ووزارية في الدولة وتنشط في تنظيم المجتمع.
إن (سودان فاونديشن) هي مؤسسة طوعية تعمل في مجال شحذ طاقات المجتمع،وتسعي لإنجاز أختراقات نوعية في مجال التنمية الشاملة، وإعداد قيادات شبابية للمستقبل،لذا فإن فشلها يعود للقائمين علي أمرها ولا يعني الحكومة في شيء، ونجاحها يجعلها نموذجا لقدرة المجتمع علي العمل الطوعي لتفجير الطاقات والإستثمار في المستقبل.وهي بهذه المرامي والأهداف ليست سلما سياسيا يسعي به مؤسسها للصعود مرة أخري الي حلبة التنافس السياسي، لأنه لو أراد ذلك لأتخذ له الأدوات والوسائل ولسلك اليه المسالك ودبر له التدابير، ولكنه يصدر عن قوس واحدة لا تخالف الإجماع، وله من الكسب وصحائف الإنجازما يجعله يتقدم صفوف التنافس وهو لا يعوزه الذكاء والقدرة وحشد المؤيدين، هذا اضافة لفضيلة التواضع والزهد.عندما جرح اسامة عبد الله في الميل أربعين في صيف ١٩٩٥ وهو يتصدي ضمن آخرين لهجمات الأمطار الغزيرة قال عنه الشيخ حسن الترابي أن جرح أسامة هو جرح للحركة الإسلامية،وهو من القلائل الذين امتلكوا الشجاعة وذهبوا الي الشيخ الترابي بعد المفاصلة وقال أنا أخترت صف الدولة. يقول البعض إن اسامة عبد الله لا يعمل بأدوات السياسة وهي تعني حذق المساومات وإبداء التنازلات والمداورات والمدارة و أختار بديلا لذلك أسلوب المواجهات الجريئة وفتق الجراحات المختزنة و طرح الحقائق المجردة التي يعدها البعض تجاوزا، وهو ما جعل أنجازاته في مجال المشروعات والتنمية والبني التحتية سامقة ولكن كسبه في مجال السياسة مختلف عليه خاصة من بعض اقطاب الحرس القديم. ما فات علي هؤلاء جميعا أن أسامة عبد الله أصبح رمزا لجيل استشهد بعضه في ميادين القتال، وبقي بعضه مستمسكا بعروة التغيير وبناء المشروع وله بصمات واضحة في خارطة التنمية والبني التحتية وتتركز تطلعاته علي الفاعلية والإنجاز والعمل الدؤوب لا تسطير صحائف السياسة.وهو إن هجر العمل التنفيذي الرسمي فقد أنخرط في العمل الطوعي الخاص، وحق له أن يمنح فرصته كاملة ليؤكد أن النجاح لا يرتبط فقط بالعمل التنفيذي الحكومي، بل يمكن أن يحقق المجتمع المبادر اختراقات نوعية في مشروعات التنمية الشاملة. ومن كان النجاح ديدنه لا يعدم جوازي الإحسان.
اكتب عن أسامة عبدالله للتاريخ بعد ان ترجل فلا سيف يخاف من حزه ولا ذهب المعز عنده يبتغي، ولا التمس مهاربا من مغارم التصنيف ومحارق العصبيات لأن قلمي براء من كليهما.
الأثنين: مصطفي عثمان والقذافي
قالت مجلة (السياسة الخارجية) الأمريكية إن القذافي مات واصبح نسيا منسيا إلا في في مدينة فورت بورتال اليوغندية إذ ما تزال صورته معلقة بإعتباره أحد ملوك قبيلة تورو التي تقطن علي سفوح جبال رنزوري.
يعتبر مصطفي عثمان اسماعيل من أكثر الساسة السودانيين مقابلة للقذافي الذي إلتقاه ما يقارب المائة مرة، في مختلف المواسم، صيفا وربيعا وشتاءا وصوما وفطرا، وفي لحظات الضيق والكرب وفي اويقات التفريج والسعة.وعليه يعتبر اعرف ساسة السودان بمنهجه وطبعه وسلوكه الرئاسي الغريب، وكان وزير خارجية ليبيا كثيرا ما يستعين به إذ اراد ان يقنع القذافي بموقف عربي معين إذ كان يخافه كل من يعمل معه،وكان موفقا وناجحا معه في هذا المسعي.في لقاء عابر التمست من الدكتور مصطفي عثمان أن يكتب عن سنوات القذافي والسودان، سيما وأنه اصبح الآن استاذا جامعيا في العلوم السياسية بعد ان هجر الأستاذية والتدريس في كلية طب الأسنان بفعل السياسة. وكذلك بعد رسالته الشهيرة للدكتوراة عن السياسة الدولية والتفاوض بين المنهجين الإسلامي والغربي التي نالها من جامعة أم درمان الإسلامية.وهو بحكم خبرته العملية خاصة وأنه أطول وزراء الخارجية شغلا للمنصب، وحنكته السياسية ونهجه العلمي في البحث والتوثيق يستطيع ان يهدي المكتبة السودانية سفرا شائقا وممتعا ومفيدا لا سيما وأنه يملك كثير من اسرار تلك الحقبة في العلاقة مع القذافي، هذا إذا قدر أن الأمر لا ينطوي علي مغامرة سياسية لأن الحديث المحايد عن القذافي مجلبة ضرر وسبة، ولكن نريد سفرا ينتصر للحقيقة والتاريخ. وعن سر علاقته بمصطفي عثمان يقول بعض المقربين من الملف أن القذافي كما قالت احدي حارساته الأوكرانيات كان ذكيا في قراءة الخارطة النفسية لمن يقابلهم، وكان مفتاح شخصيته هو الرد علي قوله المستفز بثقة واقتدار، ومراجعته الرأي دون اهتزاز أو تلجلج. وقد نجح مصطفي عثمان في أحدي اختبارات القذافي العاصفة وهو يشن هجوما عنيفا علي خيارات الإسلاميين السياسية في السودان.
الثلاثاء: فتي يقال له الكردفاني
كان الشاعر الكبير محي الدين الفاتح يقول أنه لم يشكو عسر الإنتقال الي فصول الدراسة لأنه والده كان ناظرا ويسكن داخل حوش المدرسة لذا فهو أنتقل فقط من الفرندة الي الغرفة المجاورة أي الفصل.وكذلك جاء الدكتور السفير يوسف الكردفاني الي الدبلوماسية متتبعا خطي والده السفير الذي خدم نيفا وثلاثين عاما في صحن الدبلوماسية السودانية، لذا فهو لم يشكو عسر الإنتقال والتدرج في سلم الدبلوماسية، بل جاء مستقيم العود، مدرار الضرع وأخضر الفرع ومكتمل العدة.و رغم خلفيته الأسرية التي ارتبطت بالعمل الدبلوماسي والوطني لم يركن لحياة الدعة بل راض نفسه بالمشقات الجسام وحذق أدوات الدبلوماسية وفنونها. عندما صحب الصحفي محمد حامد جمعة وفد ورشة العمل الثانية لترجيح خيار الوحدة الي أديس أبابا في العام ٢٠١٠ بمشاركة وفد نمساوي رفيع المستوي برفقة يوسف الكردفاني وكان في درجة المستشار آنذاك عاد وكتب في صحف الخرطوم: سأحدثكم عن فتي يقال له الكردفاني.و في فيينا عند انعقاد احدي اجتماعات التشاور ضمن احد فعاليات المنظمة الدولية حيث كان السودان يترأس المجموعة الأفريقية، قاد الكردفاني الإجتماع رئيسا للمجموعة الافريقية ورفض إملاءات الجانب الكندي فوقف في شمم وإباء وقال لن تسمح أفريقيا أن تعاملها الدول الغربية بمثل هذا الإزدراء وسحب وفده من الجلسة بكل شكيمة وكبرياء، ولم يعد إلا بإعتذار جهير من كندا لكل الدول الأفريقية.وبقيت حادثة تروي في اضابير الدبلوماسية متعددة الأطراف بفيينا. و يعتبر الكردفاني أحد ابرز الكوادر الدبلوماسية الشابة التي قادت عملية الإنفتاح مع أوروبا وفق منهج الدبلوماسية العامة.
لقد بذل الكردفاني طاقة مبدعة في إعادة تشكيل دور الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية،وربما يختلف معه بعض أهل الإعلام في ذلك النهج إلا أنه قدم أداءا مشرفا، وبذل جهدا مقدرا ما وسعته الحيلة وقررت وزارة الخارجية الإستعانة بقدراته في مواقع أخري داخل الوزارة، لكن خرجت بعض الصحف بخبر بئيس ومصطنع عن نقل تعسفي وإقالة وهو نعت لا يشبه أساليب العمل المهني في الخارجية.
يعتبر الكردفاني رمزا لا اسما همزة وصل بين جيلين، وهو نموذجا حصريا لدبلوماسية المسغبة والجراحات والحصار والعقوبات، وقد ذاد عن كرامة السودان بشمم وكبرياء عرف عنه.عليه فإن أختلاف أسلوب العمل لا يسلب الناس مناقبها وانجازاتها، وحاشا للصحافة الصادقة أن تنقص من ذلك قطمير يستحقه من ثناء واحسان.
الأربعاء: معتز موسي وأحاديث للغلابة
فاجأ وزير الكهرباء معتز موسي المراقبين للشأن العام في السودان بأداء متميز،ونبرة صادقة تصف المواجع وتكشف الحقائق بالأرقام والبيانات، وأحاطة مشهودة بتفاصيل عمله المتشعب من أنتاج واستهلاك وتوزيع وأعطال وشبكة قومية وتوسع مستقبلي في خدمات الكهرباء وحصاد مياه وغيرها من الموضوعات.وقدم أداءا رفيعا ومتميزا في قيادة جهود السودان للوساطة في قضية سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، كما حاول تفكيك المواقف المتصلبة لدول حوض النيل بشأن المبادرة.
لكن المدهش في هذا الأداء ليس الإنجاز التنفيذي فحسب ولكن حرص وزير الكهرباء معتز موسي في الحديث عن الغلابة منتقدا احتكار الخرطوم للإمتيازات التاريخية لخدمات المياه والكهرباء المدعومة ويشقي سكان المدن البعيدة والأرياف من انعدام الكهرباء ومياه الشرب النقية دون ضجر أو شكوي. وهو شديد القناعة أن التوزيع العادل للخدمات الكهربائية والمساواة في امتيازات تقديم الدعم يعتبر من ممسكات الوحدة الوطنية، إذ عندما يشعر المواطن في النجوع البعيدة بحس المساواة يسري في أوصال الدولة بينه والمواطن الذي يسكن في الخرطوم تصح نفسه بروح الوطنية الجامعة.
عندما كان معتز موسي يمشي في مدارج جامعة الخرطوم، كان يحب أن يقرأ في أوقات فراغه بصوت رائق قصيدة الكتيابي( وقرأت في الكتب القديمة أن يوما وبعد آلاف السنين ستطل آخر شهرزاد وتحل في البلد الأمين)،وكان يحبر في دفاتره يوميات الخيل والليل والبيداء. الآن يمكن أن تطل شهرزاد من مولدات الكهرباء وهي تسعي أن تقوم أعوجاج الدولة بالعدل الإجتماعي وتوزيع هذه الخدمة الهامة علي النجوع والأرياف بعد ان كانت حكرا علي البنادر، الآن نستطيع أن نقول أن للغلابة صوت يمثلهم بدرجة وزير مركزي هو معتز موسي.
الخميس: الفاتح عروة وجه يأبي الضحك ولا يمل الإبتسام
عندما جاء وزير الخارجية الروسي لافروف الي الخرطوم الشهر قبل الماضي لحضور فعاليات المنتدي الروسي العربي،كان الفريق طيار الفاتح عروة احد مستقبليه داخل قاعة الصداقة بعد ان حياه بلغة روسية طليقة وهو يتذكر معه ايام نيويورك حيث تعاصرا في عملهما مندوبين دائمين لبلديهما السودان وروسيا،ولعل سر اتقانه اللغة الروسية هو عمله قنصلا للسودان في موسكو في بدايات مسيرته المهنية.قبل هذا الموقف بعامين كان الفاتح عروة يذرف دمعا سخينا في الساحة الخضراء في تأبين صديقه ملس زيناوي رئيس وزراء اثيوبيا السابق الذي نقله بطائرة صغيرة لتولي مقاليد الحكم بعد هزيمة قوات منقستو وقد نجح عروة في انزال الطائرة بعد تعطل احد المحركات عل هيئة الغطس الرأسي ليبعد عن مدي نيران العدو.وتبرع السودان السنة قبل الماضية بهذه الطائرة لتزين متحف الثورة في اقليم التقراي.
كشف الصحفي الامريكي متنر مدير صحيفة الواشنطون تايمز الاسبق في كتابه ذايع الصيت (إضاعة بن لادن) ان الفاتح عروة جاء يحمل عرضا لم تتخيله الادارة الامريكية في العام ١٩٩٨ ونزل في فندق بضاحية روزلن بفرجينيا.وعندما قابله الفريق المختص من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية سي اي ايه، قال لهم الفاتح عروة ان السودان مستعد لتسليمكم بن لادن، لكن نصيحة السودان هو ان تتركوه مشغولا بتجارته في السودان، أو إعادة الجنسية السعودية اليه ليعود معززا مكرما الي دياره. كان عروة يدرك في قرارة نفسه ان واشنطن لن تقبل تسليمه لها لعدم وجود مسوغ قانوني ضده.وبالفعل رفض الجانب الأمريكي العرض مبررا ذلك أنه لا يوجد أي اتهام جنائي أو قضائي ضده وفقا للقانون الأمريكي. قال عضو الفريق الأمريكي في التفاوض السفير ديفيد شن مدير ادارة شرق أفريقيا بالخارجية الأمريكية وسفير واشنطون الأسبق لدي أديس أبابا ان الفاتح عروة يصعب قراءة تعابير وجهه او الكشف عن مشاعره مثل لاعب البوكر الماهر.ونقل الفاتح عروة العرض الي وكالة التحقيقات الفيدرالية اف بي اي بدلا عن السي اي ايه لأنها تتعامل بمهنية أحترافية عالية ولا تتأثر بتوجهات السياسية مثل وكالة المخابرات المركزية. عندما ترشح السودان لشغل مقعد غير دائم بمجلس الامن مرشحا من قبل المجموعة الافريقية، أعترضت واشنطون علي هذه الخطوة وبدأت في مساومة السودان، حينها طلب عروة من مندوبة واشنطون سوزان رايس الحضور لمكاتب البعثة السودانية للحوار وكان هدفه هو جر واشنطون لحوار مباشر دون وسيط.
اعلن الفاتح عروة انه سيخرج مذكراته بعنوان(الساموراي) ليعكس قناعته عن فلسفة الواجب والضمير، وارجو ان يتدبر منهجا شفيفا كاشفا مثل كتاب حياتي لبابكر بدري.بعد أن آب الي دنيا المال والأعمال عادت الإبتسامة الي وجه الفاتح عروة بعد أن اختفت حينا من الدهر وهو يعاظل بعض المهام الخاصة ويقود دبلوماسية السودان في نيويورك.ويكفي الفاتح عروة انه اقنع الممثل الكبير روبرت دي نيرو للتراجع عن تمثيل فيلم عن الإرهاب كانت فكرته خاطئة عن الإسلام والمسلمين.لكن سيبقي الارث السياسي والعملياتي للفاتح عروة هو كفكفة أذي العقيد القذافي عن السودان،المشاركة في التخطيط والتنفيذ لعملية التغيير في اثيوبيا وهزيمة قوات منغستو،والمشاركة في التخطيط والتنفيذ لدحر التمرد في عمليات صيف العبور التي كسرت شوكة الحركة الشعبية ومهدت لمحادثات السلام،قيادة الدبلوماسية السودانية في نيويورك في احلك الظروف ورفع العقوبات الأممية ضد السودان.و ربما يثير البعض قضية ترحيل الفلاشا لكن المحاكم السودانية اصدرت حكمها الفصل وتمت تبرأته في القضية وتحول الي شاهد ملك. وهو قد عاد حاملا حقيبة السجن من أمريكا ليذهب من المطار الي المعتقل رغم نصح الأصدقاء، لأنه يؤمن أن الشعب السوداني لا يحترم الجبناء.
الجمعة: الشوش أين ذلك الرجل؟.
قال عنه الطيب صالح في مختاراته أن الشوش شخص لا يفارقه الضحك ولا يمل الإبتسام في سخرية لاذعة وذلك من شدة الذكاء وشدة الحزن.ولولا بعض فوضي تعتريه لكان اليوم أفضل ناقد وأديب عربي. وهو من حيث الكفاءة والحذق والتأهيل يتفوق علي كثير من الاسماء التي اشتهرت في العالم العربي تحمل لواء النقد.وهو حسب الأدبيات السائرة نال درجة الدكتوراة وهو بن خمسة وعشرين ربيعا، وأنعقدت له عمادة كلية الآداب في جامعة الخرطوم منذ وقت مبكر، وقدم عددا من الدراسات الأدبية والثقافية والفكرية حملتها المطابع الي أنحاء الوطن العربي. بعد ان تساكنا في لندن أجتمع مرة أخري بالطيب صالح في قطر رئيسا لتحرير مجلة الدوحة في أوج مجدها وتألقها،عندما كان الطيب صالح وكيلا لوزارة الإعلام القطرية و قد خلفه عليها الدكتور رجاء النقاش.بعد مقاربات فكرية ومساجلات سياسية آب دكتور الشوش من مهجره في كندا للدفاع عن الهوية العربية والإسلامية ضد مشروع السودان الجديد الذي كان يستهدف طمس تلك الهوية، ونشبت مساجلات فكرية بينه وبين الدكتور منصور خالد وصلت حد التلاسن القلمي بالخلقيات.خفت صوت الشوش وخبا بريق قلمه عندما ذهب مستشارا إعلاميا لسفارة السودان بالدوحة،واستغرق طاقته المبدعة في البحث عن الميزانيات والتمويل والإجراءات البيروقراطية.هذه مناشدة جهيرة لوزير الثقافة الإتحادي أن يعمل علي تأسيس مجلة ثقافية محترمة يعهد رئاسة تحريرها للدكتور الشوش لأنه الأكفأ والأحذق والأقدر، و لأنه من العيب أن يخلو السودان من مجلة ثقافية محترمة بعد أن توقفت الخرطوم عن الصدور والأستاذ عيسي الحلو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. ورغم نشاط الصديق غسان عثمان في دار الخرطوم التي تنتج مجلة الخرطوم الجديدة وعدد من المطبوعات والكتب، إلا أن مكان مجلة ثقافية وفكرية محكمة علي نمط الدوحة والعربي وغيرهما ما يزال شاغرا. دعو الشوش يقول كلمته قبل ان يترجل،ويهجر دنيا الثقافة والفكر والكتابة، ولا تدعوه يذهب كما ذهب محمد الواثق والمدن تردد صدي هجائه الخالد.
kha_daf@yahoo.com
/////////