وردي لحسن الجزولي ،، حوار نادر لم ير النور من قبل (2-3)
حسن الجزولي
* غنانا الوطني كان يمكن أن يحقق للشعب الأمريكي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية!.
* الطير المهاجر أغنية وطنية أكثر منها عاطفية!.
* هؤلاء هم من هاجموا بلدي يا حبوب!.
يشكل هذا الحوار آخر الأحاديث الصحفية مع الفنان الراحل محمد وردي، ولم يكن التخطيط لذلك عن عمد بالطبع، لو لا الظروف التي فرضت نفسها وحولت هذه الحوار ليكون كذلك. ففي إحدى أمسيات أواخر نوفمبر 2011 أجريت هذا الحوار مع الفنان والصديق الراحل محمد وردي في منزله بحي المعمورة بالخرطوم. في اليوم التالي وأنا بمنزله أنجزت التحرير وأودعته نسخة للمراجعة الأخيرة على أن أعود اليه مساء اليوم التالي لاستلام المسودة بعد المراجعة النهائية والاتفاق على كيفية نشر الحوار. الشاهد إني لم أعد اليه حسب ما هو متفق لأسباب خارجة عن الارادة، وحدث أن غادرت البلاد بعدها بقليل على أمل العودة سريعاً، وتشاء الظروف أن أمكث بالخارج لفترة طالت جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسور، وكان من بينها ذاك الرحيل المر لمطربنا العزيز!. لحظتها انتبهت إلى أني قد أضعت الحوار المسجل نسبة لخطأ تقني مع المسجلة الرقمية التي كنت قد استخدمتها لأول مرة في ذلك الحوار، ولم يتبق لي سوى "الراف كوبي" والذي قمت بتفريغه على جهاز حاسوبي مباشرة، لأكتشف لاحقاً أيضاً أن الجهاز ضربه فايرس أدى لتعطيله بالكامل ولم يتسن لي إخراج مادة الحوار إلا بصعوبة بالغة ساعدتني فيها زوجة أحد الأصدقاء الأجانب والتي تحذق التعامل مع مثل هذه الأجهزة. وهكذا أمكن لي استعادة الحوار كاملاً. بعد أن طرقت عدة أبواب بحثاً عن أي إمكانية للحصول على نسخة من الحوار، بما فيها مقتنيات الراحل محمد بمنزله وبواسطة أبناءه، وكان كثير ممن استشرتهم أشاروا علي بإمكانية تذكر أهم محاور الحوار الصحفي وتلخيصه في شكل مقال إلا أن الفكرة لم تروقني، فبدأت في محاولة لجمع أشتات الأسئلة والاجابات، حيث بدأت بالأستاذ الشاعر محمد المكي إبراهيم الذي ساعدني لنحو ما وكذلك لجوئي للذاكرة ولآخرين، إلا أن الفكرة لم تكن مكتملة أو مقنعة بالنسبة لي، وهكذا كان علي الانتظار ودوامات الأسف الممض تحتويني حتى قيض الله لي زوجة الصديق الاسباني لتنجدني، وهكذا حصلت مرة أخرى على الحوار النادر!.
حوار: حسن الجزولي
* التقيت بمحمد المكي إبراهيم في أكتر من عمل ملحمي، أقصد من ناحية الأناشيد!.
+ محمد المكي شاعر أكتوبر الذي لا يبارى، وقدم قصائد ممتازة للثورة في ديوانه الجميل أمتي، فأنا غنيت ليهو نشيد " أكتوبر الأخضر"، وفيما بعد غنيت "جيلي أنا".
* قدمتها بعد الانتفاضة!.
+ في الحقيقة قدمتها منفعل بالنتيجة الصادمة في انتخابات الجمعية التأسيسية وبالتزوير الضخم اللي لازم الاشراف على الانتخابات وحصول الجبهة الاسلامية القومية وقتها على نسبة كبيرة من الأصوات دون وجه حق وكانت غير المتوقعة.
* شفت شنو في كلمات القصيدة عشان تختار تقديمها عدا عن جميع القصائد الأخرى؟!.
+ كانت المعبر عن المرحلة وكرد بليغ يؤكد أن المستقبل للأجيال الجديدة مهما علا صوت الرجعية، ده اللي أنا شفتو في كلمات محمد المكي!.
* طيب خلينا نتناول نشيد "إنني أؤمن بالشعب"؟!.
+ أهو ده برضو غنيتو في أعقاب الانتكاسة الواضحة لشعارات ثورة 21 أكتوبر والاجهاض اللي تم لأغلب مطالب الشارع، والاعتداء الصارخ على الديمقراطية من قبل الأحزاب التي تكالبت لجني الثمار وهي لم تساهم بصورة كبيرة في صناعة ثورة الشعب!.
* وصلاح أحمد إبراهيم وما أدراك ما صلاح؟!.
+ صلاح بالفعل علامة بارزة في خارطة الشعر السوداني، وسرني أن التقيته في نشيد " يا ثوار أكتوبر يا صناع المجد" وكانت إحتفاءاً عظيماً بثورة أكتوبر وفيها تمجيد كبير للثوار وللشعب السوداني.
* ده إضافة لتجربتك الكبيرة معاهو في أغنية الطير المهاجر!.
+ الطير المهاجر بالمناسبة ممكن تقول عليها برضو إنها أغنية وطنية أكتر منها عاطفية، وصلاح مزج فيها بين حنين الشاعر للوطن ولواعج الحبيبة بشكل خلاني أشوف حلفا كموطن جوه القصيدة دي، وطبعاً درجات الانفعال مع شعر زي ده بتتفاوت من شخص لآخر ،، مش كده برضو؟!.
* نعم ما في شك.
+ عشان كده صلاح كان شاعر ضخم وفخم، وقطعاً ساهم في تطوير القصيدة والشعر الغنائي عندنا في السودان.
* وماذا عن قصة الراحل على المك الشهيرة معاك بخصوص قصيدة الطير المهاجر!.
+ "ضاحكاً " ،، أيوه علي كان حابي عثمان حسين ومرر ليهو القصيدة عشان يغنيها ،، فلمن أنا غنيتا وسمع لحنها إتبشتن بشتة شديدة اليوم داك ومن ديك صاحبني ،، هو زاتو قاعد بحكي القصة دي!.
* خلينا نقيف في تجربتك مع الشاعر مبارك بشير؟!.
+ مبارك من الشعراء المحدثين وتعاونت معاهو في نشيد قدمته عام 1981 بعنوان " عرس الفداء" ، وأذكر من تجارب تلحيني للقصيدة أن أتاحت لي بعض أبياتها إستلاف مقطع لحني لأغنية عازة في هواك وإدخاله في اللحن.
* في تجارب الاستلاف في تركيبة الألحان، هل ممكن نشير برضو لتجربة الملحن ناجي القدسي في تلحين أغنية الساقية لعمر الدوش عندما طوًع نبرة الهتاف الجماهيري الشهير " السفاح السفاح ،، راس نميري مطلب شعبي" لتخدم اللحن؟!.
+ نعم نعم مافي شك، وتوجد تجارب كبيرة في المعاني اللحنية دي، وتجدها برضو عند موسيقيين عالميين عظام، سوى أكانوا أوروبيين أو حتى شرقيين في مصر القريبة دي.
* "بلدي يا حبوب " لو قلنا إنها أغنية وطنية برضو، إذكر إنها ووجهت بانتقادات كتيرة بخصوص بعض المفردات الواردة فيها؟!.
+ كانت زوبعة في فنجان، وبعض النقاد الصحفيين ضخموا الموضوع عبر أعمدتهم الصحفية، وكونو الشاعر يعبر بلغة ومفردات الشارع والحياة اليوماتي ما أعتقد إنو فيها تدني من ناحية الذائقة، والدليل إنو الناس استقبلوها وحالياً تردد وهو ما يعبر عن رضا وقبول المستمع ليها دون أن تضجره كلماتها ،، ونفس تجربة سيد احمد الحردلو تجدها عند شاعر ضخم زي محجوب شريف مثلاً، وده أصلاً نوع الشعر بمضامينه الجديدة والمعبر عن قضايا الناس!.
* دائماً ما تتحدث عن محجوب شريف كمرحلة ومحطة كبيرة بالنسبة ليك؟!.
+ نعم ، قطعاً ،، وهي مرحلة تختلف من ناحية الثنائية التي جمعتني به عن محطات شعرية وتجارب أخرى زي الشاعرين إسماعيل حسن وإسحق الحلنقي مثلاً، لأن محطتي مع محجوب فكرية ويجمعنا نادي سياسي وهموم وطنية مشتركة، وكل ما كتبه محجوب وقدمته له أنا يعبر عن هذه المضامين، برضك تقدر تقول إنو شاعر زي عمر الدوش وبعض شعراء آخرين بدخلو في هذا المضمون.
* بمناسبة الدوش وأشعاره، في حوار صحفي سابق عبرت لي عن أغنية "بناديها" باعتبار أنها تدخل ضمن المفاهيم الجديدة في ربط الحبيبة بالوطن والوطن بالحبيبة كرمز ووصفت الدوش كشاعر فلسفي!.
+ نعم ،، وبناديها برضو أغنية تقدر تسميها فلسفية ،، والدوش في كتير من أشعارو أصلاً هو شاعر فلسفي!. وموضوعة الحبيبة الوطن والوطن الحبيبة تلقاها عند كتير من الشعراء التقدميين سواء عندنا في السودان أو خارج السودان، وطبعاً خليل فرح هو المعبر عن المدرسة الرمزية دي وسط شعراء السودان.
* يعني خليل فرح ممكن يدخل ضمن الشعراء التقدميين؟!.
+ ما في أدنى شك في التقييم ده، وأي ناقد أدبي أو دارس لشعر خليل فرح لا يمكن إلا أن يضع خليل فرح وشعر خليل فرح في خانة التقدم والتقدميين العظام!.
* من الشعراء التقدميين عندك أيضاً شاعر كعلي عبد القيوم وتعاونك معه في نشيد " رفاق الشهداء؟!.
+ "قال بعد فترة صمت طويلة" علي من الشعراء الذين إفتقدتهم حقيقة كصديق وكأخ، كان مثقف من طراز فريد، وهو من المثقفين اللي تعرفت عليهم وصادقتهم من فترة الدراسة الجامعية، جمعتنا هموم وأمزجة مشتركة، جمعتنا أبادماك وكان هو من الطلائع التقدمية في حركة الطلاب، وكانت ليهو مواهب متعددة خلافاً للشعر، علي ساهم في النهضة المسرحية عن طريق النشاط المسرحي في جامعة الخرطوم، مع ناس النصيري في فترة الستينات.
* إنت برضو غنيت ليهو أغنية "بسيماتك" إلى جانب نشيد "رفاق الشهداء"؟!.
+ أيوة تمام ، غنيت ليهو "بسيماتك تخلي الدنيا شمسية"، وهي أغنية عاطفية إستخدمت فيها الطنبور على إيقاع الدليب رغم إنو التقديم غير مكتمل لسع وحابي أشتغل فيها شوية، ورفاق الشهداء قدمناهو في بدايات إنقلاب مايو، بس في الفترة ديك ظهرت بدايات صراع مايو مع اليسار، عشان كده إنحسر وما وجد فرصتو في الذيوع!.
* يا محمد بخصوص ذيوع وانتشار الأناشيد بالتحديد، مش برضو بتلاحظ إنو كتير من الأناشيد المعبرة حقيقة عن وجدان الشعب والناس بتتم عملية مصادرة ليها؟،، لاحظ في الأيام الأولى لانتفاضة مارس – أبريل كان الاعلام وبتوجيه من المجلس العسكري وفي محاولة "لتنفيس" شعارات الانتفاضة يقدم أناشيد رغم أنها بالفعل وطنية، لكنها لا تعبر عن ثورية المرحلة، حجبوا مثلاً أنشايدك وأكتوبريات محمد الأمين وأناشيد تانية زي لن نحيد للعطبراوي في حين أكثروا من بث نشيد "أنا سوداني" مثلاً، وأغنيات شعبية تراثية أخرى، ما هو القصد؟!.
+ ما إنت جاوبت في مدخل سؤالك نفسو، هي محاولة لتغبيش الوعي والمفاهيم، واللعب على هامش الأشياء!، رغم إننا بنتعب لتقديم شعر جميل ورصين نرفع بيهو من الادراك والحس الوطني للناس، "ثم ضاحكاً" يا حسن أنا دايماً بقول إنو الشعر الوطني الرصين القدمناهو ده لو غنيناهو للشعب الأمريكي ، كان براهو حقق ليهم مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية!.
(نواصل الأسبوع القادم)
________
* عن صحيفة السوداني.
elgizuli@hotmail.com
//////////