وقفات مهمة حول إعلان المبادئ بين د. حمدوك والحلو
على حوى إتفاق المباديء الموقع بين د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء وعبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال، الموقع باديس أبابا مساء الخميس ٣ سبتمبر ٢٠٢٠م، نقاط في غاية الخطورة، على مستقبل السودان ووحدته، وعلى مسار الحياة السياسية السودانية:
وأول تلك النقاط : هو هذا الاستسهال للقضايا المصيرية وأعلاها دين الدولة والمجتمع ، ففي الوقت الذي رفض فيه د. حمدوك التطبيع مع إسرائيل لإن ذلك من القضايا المصيرية وليس من مهام الإنتقالية، فإنه ببساطة قرر حسم قضية ظلت محل جدل في السياسة السودانية منذ الإستقلال، وناقشتها مؤتمرات وجولات وتم التوافق عليها برؤية متكاملة وتم إعتمادها في دستور ٢٠٠٥م، كما أن أحزاب وقوي التجمع الوطني الديمقراطي أصدرت يوم ١٧ أبريل ١٩٩٣م وثيقة مهمة عن علاقة الدين في السياسة، وقد وقع عليها الحزب الإتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحزب الشيوعي والحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق، وآخرين وكل هذا الإرث كان يمكن أن يكون مدخلا لحل وتجاوز هذه النقطة، إن إعتماد مبدأ فصل الدين عن الدولة في جلسة عابرة يمثل إستخفافا بقضية معقدة والدخول في جدل لا طائل وراءه.
وثاني النقاط الخطيرة : هو جعل هذه القضية مقابل وثمن لوحدة السودان، فإما فصل الدين عن الدولة أو تقرير المصير والإنفصال، وهذا تعبير آخر عن رؤية قاصرة ومنظور أسيف، بل إنفصام سياسي عن الواقع، ان قضية الدين أكبر من المساومة وذات حساسية بالغة، إن عملية التفاوض ذات خيارات واسعة، لا يمكن إختزالها في خيارين، لا ثالث لهما، ولكل تداعيات كبيرة، و خطيرة. ثم إن الحديث في الغرب دائما عن فصل (الكنيسة) عن (الدولة) وليس الدين، وإنما ما يمكن أن تسميه الآن (رجال الدين)، وتلك حقبة ذات خصوصية هيمن فيها الرهبان على تفاصيل الحياة وخاصة الواقع العلمي والأكاديمي.
وثالث المبادئ الخطيرة هو منطق الوصاية هذا والذي جعل من د. حمدوك وصيا للتعبير عن أهل السودان كافة، وتقديم صك إنابة عن المؤسسات واجهزة وقوى سياسية من بينها حاضنة سياسية ، ووصاية من حركة مسلحة تفرض وصيتها على إقليم كامل بتنوعه ومجموعاته، أن جنوب كردفان ليس اثنية واحدة ولا دين واحد، وكذلك النيل الأزرق، و وصاية على مفاوضات ظلت مستمرة لأشهر، تم خلالها رفض المبدأ، ليذهب د. حمدوك من وراء كل هؤلاء للتوقيع على إتفاق يحتوي الكثير من العيوب،إن هذا الإعلان يجعل شرعية السلاح فوق الدستور و ينتزع السلطة الشعبية ويجعل المواطن السوداني رهين لقعقعة السلاح واجندته.
ورابعا: إرساء مفاهيم مغلوطة، مثل أن الدين ضد الديمقراطية أو أن الدين ينتقص من حقوق الآخرين، إن الدين عنصر إثراء وضامن لوحدة المجتمع والحقوق، ومن المعيب ان تسيطر تصورات فطيرة على منهج إدارة الدولة وان يتم تحميل المجتمع مواقف ايدولوجية ممسوخة وبالية، إن هذه الأفكار تجاوزها المجتمع والتجارب والواقع.
وخامسا: الإشارات الخفية، والتى ترمز لدور طرف آخر، أو وجود أجندة أخرى، فبالأمس غرد ديفيد بيرني مدير منظمة الغذاء العالمي بأنه وراء لقاء أديس أبابا وانه نسق الجهود خلال أشهر، واليوم الأحد ٦ سبتمبر حملت صحيفة (سودان تريبيون) تصريحات د. محمد يوسف مصطفى القيادي بالحركة الشعبية يقول فيها ان د. حمدوك وعدهم بإستبدال حميدتي في المفاوضات القادمة، وهناك هذه الرحلة المتعجلة لوفد قيادي من الحزب الشيوعي إلى أديس أبابا للقاء عبدالعزيز الحلو، كل ذلك يوحي بأن ثمة خفايا وخبايا أخرى تدير المشهد، دعك من الحرج بخصوص مكان اللقاء وتوقيته، مع ان الطرفين اكدا إحترامهما لوساطة جنوب السودان. ومع توقيع الحزب الشيوعي للاعلان السياسي مع الحركة الشعبية يوم الاحد ٦ سبتمبر ٢٠٢٠م، وما احتواه البيان عن مفهوم الهبوط الناعم فإنما يعبر عن روح إقصائية وتحيز وتحالف جديد.
إن قضية السلام محورية وذات أهمية بالغة ولذلك من الضروري البناء على أرضية صلبة، تضمن وحدة الوطن التراضي الوطني والتماسك الإجتماعي والمشاركة الواسعة ولا يتحقق ذلك إلا من خلال حوار شفاف وعلني وجهير ، والله المستعان الأثنين ٧ سبتمبر ٢٠٢٠م
ibrahim.sidd.ali@gmail.com