شِعْر: إِدْوَارْد كُورْنِيلْيُو
فِي ٱلْمَسَاءِ ٱلَّذِي نَسِيَ أَنْ يُطْفِئَ شُمُوعَ ٱلْمَجَازِ،
ضَحِكَ ٱلْمَوْتُ،
لَا لِأَنَّهُ سَعِيدٌ،
بَلْ لِأَنَّنَا لَمْ نَعُدْ نُجِيدُ ٱلْبُكَاءَ كَمَا يَجِبُ.
ٱلسَّمَاءُ تَتَهَجَّى أَسْمَاءَ ٱلْقَتْلَى،
وَلَكِنَّهَا تُخْطِئُ فِي تَرْتِيبِ ٱلْحُرُوفِ،
فَتُصْبِحُ ٱلشَّهَادَةُ خَطَأً مَطْبَعِيًّا،
وَيُصْبِحُ ٱلْوَطَنُ هَامِشًا فِي نَشْرَةِ ٱلْأَخْبَارِ.
يَا مَوْتُ،
أَيُّ نُكْتَةٍ هَذِهِ ٱلَّتِي تُلْقِيهَا عَلَى جُثَثِ ٱلْأَطْفَالِ؟
أَيُّ ضَحْكَةٍ تُشْبِهُ صَفِيرَ ٱلرَّصَاصِ
فِي زُقَاقٍ بِلَا ذَاكِرَةٍ؟
ٱلتُّرَابُ فِي ٱلْوَطَنِ لَا يَنَامُ،
يُقَلِّبُ وُجُوهَ مَنْ دَفَنَّاهُمْ بِلَا أَكْفَانٍ،
وَيُسَائِلُ ٱلْغَيْمَ:
هَلْ مِنْ مَطَرٍ يُغْسِلُ هَذَا ٱلدَّمَ مِنَ ٱلْقَصِيدَةِ؟
ٱلْقَصِيدَةُ نَفْسُهَا تَرْتَجِفُ،
تَخَافُ مِنْ أَنْ تُصْبِحَ نَشِيدًا فِي جِنَازَةٍ،
أَوْ شِعَارًا عَلَى قَمِيصٍ مَفْقُودٍ.
فِي ٱلْمَدِينَةِ،
تَتَدَلَّى ٱلْأَرْوَاحُ مِنْ أَعْمِدَةِ ٱلْكَهْرَبَاءِ،
تُضِيءُ لِلْحَالِمِينَ طَرِيقَ ٱلْخَيْبَةِ،
وَتُطْفِئُ لِلنَّاجِينَ وَهْمَ ٱلنَّجَاةِ.
ضَحِكَ ٱلْمَوْتُ،
حِينَ رَأَى أُمًّا تُرْضِعُ طِفْلَهَا مِنْ ثَدْيٍ مَكْسُورٍ،
وَحِينَ رَأَى عَاشِقًا يُقَبِّلُ صُورَةَ حَبِيبَتِهِ عَلَى جِدَارٍ مَهْدُومٍ.
ضَحِكَ،
لِأَنَّنَا نَكْتُبُ ٱلشِّعْرَ عَنِ ٱلَّذِينَ مَاتُوا،
وَلَا نُجِيدُ كِتَابَةَ ٱلْحَيَاةِ لِلَّذِينَ بَقُوا.
ٱللُّغَةُ نَفْسُهَا تُصَابُ بِٱلدُّوَارِ،
حِينَ تُحَاوِلُ وَصْفَ مَا لَا يُوصَفُ،
فَتَسْتَعِيرُ مِنَ ٱلرَّمَادِ مُفْرَدَاتٍ،
وَمِنَ ٱلْحَنِينِ عَلَامَاتِ تَرْقِيمٍ.
يَا مَوْتُ،
هَلْ تَضْحَكُ لِأَنَّنَا نُحِبُّ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ؟
هَلْ تَضْحَكُ لِأَنَّنَا نُغَنِّي فِي ٱلْجَنَازَاتِ أَغَانِي ٱلْمِيلَادِ؟
هَلْ تَضْحَكُ لِأَنَّنَا نُسَمِّي ٱلدَّمَ “مَاءً وَطَنِيًّا”؟
فِي ٱلْوَطَنِ،
ٱللَّيْلُ لَا يُغْلِقُ عَيْنَيْهِ،
يُرَاقِبُ مِنْ نَافِذَةِ ٱلتَّارِيخِ كَيْفَ نُعِيدُ تَدْوِيرَ ٱلْمَأْسَاةِ،
وَكَيْفَ نُزَيِّنُ ٱلْقُبُورَ بِأَسْمَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ،
وَنَنْسَى أَنْ نُعَلِّمَ ٱلْأَطْفَالَ كَيْفَ يَتَهَجَّوْنَ ٱلْحَيَاةَ.
ضَحِكَ ٱلْمَوْتُ،
حِينَ رَأَى ٱلْقَصِيدَةَ تُحَاوِلُ أَنْ تُنْقِذَ مَا تَبَقَّى مِنَ ٱلْمَعْنَى،
وَحِينَ رَأَى ٱلشَّاعِرَ يُعِيدُ تَرْتِيبَ ٱلرُّمُوزِ،
كَأَنَّهُ يُعِيدُ بِنَاءَ وَطَنٍ مِنَ ٱلْكَلِمَاتِ.
وَفِي آخِرِ ٱلضَّحِكِ،
حِينَ تَعِبَ ٱلْمَوْتُ مِنَ ٱلضَّحِكِ،
جَلَسَ عَلَى حَجَرٍ قَدِيمٍ فِي أَطْرَافِ ٱلْهَاوِيَةِ،
وَأَخْرَجَ مِنْ جَيْبِهِ مِرْآةً صَغِيرَةً،
نَظَرَ فِيهَا،
فَرَأَى وَجْهِي.
قَالَ:
“أَنْتَ ٱلَّذِي كَتَبْتَنِي،
وَأَنَا ٱلَّذِي مَحَوْتُكَ.”
ثُمَّ بَكَى.
tongunedward@gmail.com
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم