آذارُ حواء! ليتَ أيامُنَا كُلُّها ثمانيّة آذاريّة!
أنت يا حواء قلبُ الأمّة، التي لا تحيا إلا بِكِ ومِنكِ وفِيك. أنت أسَاسُنا القائم وإرثنا الدائم، أنت الإحساس المتفتق بروح البراعم والعيال، أنت لمسة عطف تُفرح كل زهرات الجمال، أنت يا سيدتي من يسهر ويربّي، من يُسخّر ويُلبِّي، من يُخلقُ لِيَخلِقَ ويبدِع، مَن يَعشَقُ لِيُعشقَ ويُوزع. خُلقتِ من طينة صدقٍ ولعقتِ رغم ذلك دِهاقا كاسات المَنُونِ، وأداً كصغيرة ببراءةٍ طاهرِة تَرفِلُ، وشابة بنضارةٍ عابرة تَحبَلُ وشيخَة شائخة رغمَ حكمتها تطأطئ الرأس أمام جبروت آدم وللأنظار تَسدِلُ. لولاك لما قامت لنا ولهم قائمة ولا حامت رحمةٌ على أرضٍ ولا بملكوت السماوات حائمة. بُرِئتِ من طينة الجمال فغشتها نارُ وجدٍ فأصبحت تِمثالا! ألم يحن الوقتُ أن نَعِي نحن البقر؟ أنّ الحضارة أنثى والأمّة أنثى ناهيك عن الأُمّ، أنَّ السماء أنثى والأرض أنثى والكواكب والثريّا أنثى بَينهما، أنَّ الأمانة أنثى والاستقامة أيضا، الرحمة والمغفرة والسلامة واللغة أمٌ للأوطان أنثى. مَاذا عن القرية والمدينة والقارة أليسها كُلُّها كدنيا الوجد أنثى؟ ثم ماذا، فأنت يا سيدتي أنثى وأونسة سرّنا ولجودنا سرّ، أنت لُبّ محيانا وقلب فتَاتنا، النشأة والخلود أنت في حيواتنا وإن لم يكن ذاك الأخير، فأنت حتى في الوجود. أنت الجَنَّة تحت قدميكِ تركعُ والجِنَّة والجُنَّة لقولك تَسمعُ، وبلا وعود هذي عهود! فكم جُرنا عليك وجارت الدُّنيا، وكم عُسنا آيَ الفساد، فصوتُكِ أنثاهُ جهنم وسقر، يا ربّاه أليسَ الزقوم ذكر؟ أنت يا حواء رواق النهضة بنوركِ مزهرٌ وأغصان الحنو بأعطافِكِ مَيسمٌ ولترياق التمدن موطنٌ وموقع ومسكنٌ. ألا يا وحيدة، أنت ذُخرنا حينما تتفتق البراعم بأهداب النُحيلات، يا ملكة سبا، يا مملكة، فأنت يا بلقيس سُليمان نجوى. نحن من رآهم الهُدهد يرعى الحجر، وجيء بنا قبل أن يرتد إليك طرفك، في لمح بالبصر.
أنت يا زِلِيخة مِصر الرَهَق، ويا من زمّلت يوسف من غياهب اليمّ خوفا من غَرَق، مذعنة أنت، فحُسنك لحسنه سَحَر ورونقك لروحِهِ غَمَر، أنت يا سيدتي ماء الزهر وقطر الندى وسلسبيل النَهَر، نعتَسِل لِنشفى ونغتسل حتى بزوغٍ في السَمَر، وأغلب الظن أن الروح فينا غبن عاده السَعَر، في كل البلاد، وفي حبّك فلنستعر! بالله يا سادتي، ألم تدق الساعة ليلا بِفَجر، ولم يحن حين علينا قَد أقَرّ؟ أن نبجّلك ونبجلُّ من مقامك مأوى يستَقِر، نحترمك ونحترم منزلتك نُكرِمُكِ ونكرِّمُ شأنك ألا نَجُر؟ فأنت يا حواء ما سلف سرّا ذكره، وما خفِيَ فينا أمرُه وصفى لِحين ظهره وغَامَ مع البراري بِرُّه، أنت ببساطة سرّ البَرِيَّة، نعم، سرّ الخليقة، قديمة كالسُّومَريّة، فمتى نعي الدرسَ ونصطبر، متى تُردُّ ونَرُدُّ إليك خلقا يَستمرّ؟ متى لكرامة الأنثى نبتصِر ولعزَّة رّبَة بيت نَفتَخر وبمنزلة الطفلة نَعتَبِر، ولو ليوم، ليوم ألا نُصِرّ حتى نَصِر، كعاد وثمود فنَحتَضِر. هلمي بالثامن من آذار لِتُتْحِفي وبيومك الخالد لِتَحتفِي؟ آذارك يصطفيك التّو ويصطفي، وكلُّ بصنعٍ يقتَفِي. يا ليت شعري فليكن ثامن آذار أيّامنّا كُلُّها، هجريّة! هنيئا لآذار بك يا حواء يا سيّدَة البريّة!
Councillor@Badawi.de