أحزمة السودان الخمسة: لا تفوتك مراسم دفن الإنقاذ !!
أثناء حوار رئيس الوزراء حمدوك وخلال الأسبوع الماضي علِق بذهني كلامه عن (أحزمة السودان الخمسة)..وصرت أصحو وأنام وهذا الجرس يجلجل في رأسى..! هذا كلام له ما بعده ..لم اسمع به من قبل ولم يصل إلى دماغي على كثرة ما سمعنا من السياسيين والاقتصاديين (وكلهم على العين والرأس)..ثم جاءت إشارة من استأذنا دكتور "حيدر إبراهيم علي" إلى أهمية هذه القضية... يا لله..! هذا هو مربط الفرس و(خلاصة الزيت).. ليس لتنمية الوطن ونهوضه من الركام اقتصادياً فحسب .بل إن إدارة عجلة التنمية في هذه الأحزمة هي الترياق واللقاح الذي يبحث عنه السودانيون من اجل إعادة تشبيك لحمة الوحدة الوطنية وتمتين النسيج الوطني من جديد بعد أن عملت مقصات الإنقاذ الجاهلة في تمزيق هذا (القماشة الرفيعة) وتدمير كل تلك الإمكانات الهائلة، وإطفاء أنوار الحياة في جميع أقاليم السودان..بل وصلت بها جهالتها العريضة وتدابيرها الخبيثة وكراهيتها للوطن وأهله بأن فصلت عنه الجنوب ..فكيف كان يكون حالنا إذا كان الحزام السادس هو الجنوب الحبيب..؟! الله لا كسب الإنقاذ..!
هذه الأمر الخاص بالأحزمة الخمسة يجب أن نجعله جوهر صدر محافل النهضة و(موضع سجدة) في ملحمة التنمية وأن نعض عليه بالنواجذ والأضراس وان نوسّده على شغاف القلوب وخلايا العقول ونسانده بكل ذرة من قوانا..فحديث حمدوك عن هذه الاحزمة يلفت الانتباه إلى ضرورة التنمية الشاملة والعدالة والاجتماعية و(القومة المستحقة) باعتبار أن كل منطقة من هذه الأحزمة الخمسة هي مصدر ثراء لا نظير له، وأن لكل حزام منها تكامله البديع (ميزته التفضيلية) من الثروات الكامنة والإمكانات المهولة والثمار الدانية و(البركات الواعدة) التي ليس لها أول ولا آخر.. والتي يمكن أن تصب في (بحيرة الوطن العمومية) بما يجعل بلادنا تطفو على سطح الدنيا وتضاهي أعرق وأكبر وأغني وأعتى اقتصادات العالم في الموارد والثروات حتى تزهو شجرة هذا الوطن الجميل بثمارها اليانعة وتزهر التنمية مثل زرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فآستوى على سوقِه يعجب الزرّاع ليغيظ به السوق الأوروبية المشتركة..!
كل موقع من مواقع هذه الأحزمة الخمسة له خصوصيته الاقتصادية التي تنسجم مع طبيعته ومناخه وحياة إنسانه..وكل خطوة تنمية فيه تجعل سكانه في بحبوحة من العيش وتحفظ مساهمته في (الخير العام) وفي ازدهار الوطن وإنعاش (الوجدان القومي) قبل الاقتصاد الوطني والخزينة العامة.. ولننظر وباسم الله العظيم إلى هذه الأحزمة: الحزام الأول: هو حزام التمازج حزام السافنا الغنية و(الطبيعة السخية) الذي يمتد من (أم دافوق الخضراء) على حدود البلاد مع إفريقيا الوسطى إلى الكرمك عل الحدود الإثيوبية..وهو حزام الزراعة المُثمرة والمراعي الخصيبة والسعيّة والنفط والمعادن النفيسة.. ثم يأتي الحزام الثاني: الممتد من النيل الأبيض إلى الجارة تشاد..حزام الصمغ العربي وحزام (الهشاب النضر الجميل) وحسبك انه يشتمل على كردفان ودارفور بكل محاصيلها وثروتها الحيوانية والجواهر الدفينة والكنوز الخبيئة التي لا تحتاج إلى (دق جرس)..ثم الحزام الثالث: حزام المياه المتدفقة و(الأنهار الطروبة) من النيل الأبيض إلى نهر عطبرة مروراً بالرهد والسوكي و(الأرض الشبقة) التي تروي نفسها بنفسها ومشروع الجزيرة الذي أراد الإنقاذيون دفنه فوقف النيل ينظر إلى مراسم دفنهم على أيدي شباب الثورة الديسمبرية العظمى..! ثم الحزام الرابع: وهو الحزام النيلي و(الجروف الحُبلى) والمحاصيل النوعية والبساتين من الخرطوم وشمالاً على طول الطريق إلي حلفا دغيم على الحدود المصرية.. ولا تقل لي إن الصحراء السودانية هي قفر سبسب و(يباب بلقع) وفلاة خاوية لا معنى لها.. فالعالم اليوم أصبح ينشئ معاهد دراسات الصحراء واستكناه ثرواتها وطاقاتها الدفينة بل إن الرمال الجرداء أصبحت من ذوات (القيمة الدولارية) والخامات الصناعية التي يتنافس عليها المتنافسون..! ثم يأتي الحزام الخامس الرهيب: حزام البحر الأحمر بكل ما ينطوي عليه من قيمة إستراتيجية إقليمية (بل عالمية) وما يحوي من ثراء وموانئ وخطوط بحرية وبواخر وناقلات واستيراد وتصدير ومعادن وسياحة وغوص وشعب مرجانية وتحلية مياه ومناطق زراعية نوعية وتنوع سكاني مع سحر وجمال السواحل..(يا ربا البحر اشهدي.. هاهنا كان موعدي.. وهنا كان مقعدي)..!
لقد دمّرت الإنقاذ كل أقاليم السودان ما وسعها ذلك.. وحكمة الله أن الإنقاذ العاطلة من كل شئ لها (مقدرة نوعية) على الخراب.. ومن المعلوم أن جميع العهود قبل الإنقاذ لم تلتفت بالقدر الكافي إلى تعمير السودان بما يتفق مع إمكاناته وثرواته..كما لم تفطن في معظم الأحوال إلى ضرورة التنمية المتوازنة وتمتين عُرى البناء الوطني والعدالة الاجتماعية حتى يشعر كل مواطن بقيمته وقيمة إقليمه وبلاده.. وبما أن من المعلوم أن فترات الحكم المدني كانت قصيرة و(مشحتفه) لم يتجاوز أي عهد منها الثلاثة أعوام..فإن مصدر الأزمة والكارثة والبلاء و(الكفوة) كانت من الذين استمروا في الحكم المُطلق ثلاثين عاماً..ولا يزالون (يتناوطون) مثل ضفادع المستنقعات ويتفاصحون على الناس..! وهناك فرق بين عجز و(طلاشة) الفترات المدنية السابقة وبين (النية المعقودة) على الخراب المقصود في عهد الإنقاذ الأغبر و(مسيرته القاصدة) نحو تدمير البلاد وتمريغ اسمها في التراب..ويمكن لأي شخص أن يقسم (غير حانث) بأن الإنقاذيين حتى إذا لم يسرقوا (قرشاً واحداً) لوجبت عليها المحاكمة الناجزة بجريمة تدمير الوطن..!
كنا نتمنى (ولا نزال نأمل) من تلفزيون السودان - أو غيره إذا تعذّر عليه الأمر- أن يسارع ويلتقط هذه (الإشارة الحمدوكية) عالية الأهمية ويعقد (عشر حلقات) عن هذه الأحزمة الخمسة لتوضيح خريطتها الديموغرافية والطبغرافية والاقتصادية والسكانية عبر استقطاب العارفين من الاقتصاديين والخبراء ليشرحوا للناس ولأصحاب القرار في (حلقتين لكل حزام) تفاصيل الثروات الكامنة والإمكانات الواعدة.. فهذا الحديث لا يجب أن يمر مرور غير الكرام أو أن نتركه فقط للحكومة.. بل يجب أن يحتل موضعه في أذهان وقلوب المواطنين ليبشروا به ويسهموا فيه ويضيفوا إليه و(يعينوا عليه) بالمبادرة والاستنهاض والتوعية والتداول والابتكار والبرامج والحض على بداية انجازه وانطلاق شرارته.. ففيه أهمية قصوى لحاضر السودان ومستقبله أكثر بكثير من الهرج السياسي المحض حول الصغائر والشمارات و(الفاقاق) الذي يملأ علينا أعمدة الصحف وضلوع الأسافير والمنابر و(البنابر).. فتعمير هذه الأحزمة الخمسة هو الطريق إلى دولة السودان العظمى..!
.... الله لا كسب الإنقاذ
murtadamore@gmail.com