أخيراً نطق الجيش !!

 


 

هيثم الفضل
13 March, 2023

 

haythamalfadl@gmail.com

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
بدت المؤسسة العسكرية السودانية منذ إنقلاب 25 أكتوبر وكأنها (إمبراطورية) تعمل عبر الإدارة (الملكية) لقائد الإنقلاب ومن معهُ من القيادات التي أدارت ونفذَت الإنقلاب ، ويظهر ذلك جلياً من إنفراد قائد الإنقلاب ورفاقه بالتصريحات والإفادات الجامحة خارج إطار القنوات المتعارف عليها داخل الجيش ، والتي تُعتبر المنفذ الرسمي الوحيد لتنويرات الجيش المُستهدفة الشعب السوداني أو الرأي العام ، فالبرهان والكباشي وياسر العطا ظلوا على مدار السنوات التي تلت إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة وإلى ما بعد الإنقلاب المشئوم ، يتحدَّثون بإسم الجيش من منظور (سياسي) في كل ما يتعلَّق بالمضامين والإستراتيجيات ، ويتركون للناطق الرسمي للجيش مُجرَّد الشكليات ، وأحياناً ترديد وإعادة ما صرَّح به البرهان أو غيره من القيادات العسكرية ، كل ذلك يوحي للمُراقبين بأن الجيش كمؤسسة شأنهُ شأن ما حدث للدولة السودانية في طريقهُ للذوبان داخل إمبراطورية (عميقة) تُمسك بأغلب خيوط تسييره وإدارته وخفايا أسرارهِ ، خصوصاً تلك المُتعلِّقة بمشاريعه الإقتصادية والإستثمارية ، هذه الإمبراطورية العميقة تسيطر عليها أغلبية من القيادات العسكرية يجمع بينها في الغالب الإتجاه السياسي أو المصلحي أو ربما العرقي والقبلي.
لذلك فقد الجيش حتى (الهيبة) البروتوكولية للتصريحات المُفسِّره لبياناته وتوجُّهاته وآرائه تجاه الأحداث والوقائع المحلية والإقليمية والدولية بسبب تصريحات قادته المُحاكية لندوات قادة الأحزاب والزعماء السياسيين ، فأصبح أيي الجيش بلا منبر رسمي ولا جهاز إعلامي يوفِّر للرأي العام ما ألتبس عليه من قضايا ، فالبُرهان لم يعُد يتورَّع عن إعلان قرارات وتوجُّهات وآراء الجيش في أيي مكان وزمان حتى لو كان ذلك في إحتفال مُتعلِّق بعُرسٍ أو ختان جماعي ، وكذلك يفعل كلاً من الكباشي وياسر العطا في مناسبات كتيرة أغلبها مُتخصِّصة ولا يندرج العمل السياسي ضمن أجندة فعالياتها ، والأكيد أن كل أولئك القادة الإنقلابيون يعون تماماً ولا يفوت عليهم أن تعدُّد مصادر المعلومة في مؤسسة عسكرية كالجيش السوداني لها ما لها من أهمية وخصوصية ، يُعتبر خطأاً مهنياً فادحاً ، ولأجل تفاديه إنشئت في كافة الجيوش إدارة مُتخصِّصة لنقل المعلومات للجمهور يُمثِّلها الناطق الرسمي ، كل هذا من وجهة نظري تنحصر أسبابهُ الرئيسية في إنحراف الجيش كمؤسسة عن (المهنية) المحضه ، وولوجه بإندفاع وتعمُّق في عوالم جديده ليست من إختصاصه ولا صلاحياته وفي مقدمتها مُمارسة العمل السياسي والخوض في الكسب الإقتصادي عبرالإستثمار في قطاعات لا علاقة لها بالقطاع العسكري.
أول أمس أصدر الناطق الرسمي للقوات المسلحة بياناً نتمَّنى أن يكون الخطوة الأولى في الطريق الصحيح الذي يجب أن يتبعهُ القادة العسكريين على رأس القوات المسلحة ، فقد أسهب البيان بوضوح حاد المعالم في تنوير الجمهور بوجهة نظر الجيش تجاه الواقع السياسي القائم الآن ، وكذلك أسهب في تطمين الناس بأن القوات المسلحة السودانية قادرة على السيطرة والحسم في حال حدوث أيي فوضى لا قدر الله ، أما الأهم فقد أكَّد البيان إلتزام القوات المسلحة بنفاذ العملية السياسية الجارية الآن إستناداً على بنود الإتفاق الإطاري ، وللتنبيه فإن هذا الإلتزام الأخير للجيش يُعتبر السابقة الأولى من ناحية صدورهِ عبر قناة رسمية للجيش مُمثلة في ناطقهِ الرسمي ، فكل ما سبق من إلتزامات و(تنصُّلات) و أحياناً (مراوغات) كانت بلسان البرهان ولكن بإسم الجيش.

 

 

آراء