أدركوا الوطن قبل أن يتمزق  .. بقلم” بروفيسور مهدي أمين التوم

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

تتنامى هذه الأيام صيحات الإنفصال داعية علناً لتمزيق السودان و تحويله إلى دويلات ومقاطعات جهوية وقبلية ، تُنهِي وحدة وطننا العظيم. وهذه الدعوات في مجملها دعوات إما أنها مدفوعة بنزعات عنصرية داخلية ذات أبعاد تاريخية، أو هي وليد شرعي لإتفاقية جوبا و مساراتها المصطنعة ، كما أنها لا تخلو من كونها مكفولة بجهات أجنبية ذات مآرب إستحوازية  و أطماع قديمة و  جديدة للإستيلاء علي أراضي السودان و مياهه و ثرواته الطبيعية المهولة.

ليتنا نمعن النظر في ما يدور حولنا ،و من داخلنا ، من مخاطر تستهدف تضييع وطن عظيم ، و تشتيت  أُمَّةٍ و أهلٍ و أصهارٍ تمازجوا عبر أزمان طويلة ، و اختلطت دماؤهم و جيناتهم فأنتجت إنساناً سودانياً فريد الرؤى و الخصال ،تكاد تتعرف عليه في أي بقعة في العالم و أنت مغمض العينين.. دعونا في هذا المُعتَرَك و هذا البحر المتلاطم من المطامع ،المحلية و الخارجية ، نتواضع جميعنا  لوطننا الكبير  و  نمعن  النظر  بجدية، أفراداً و مؤسسات حزبية و تنظيمات مجتمعية ،  لدراسة و   تَبَنِّي مقترح ( الولايات المتحدة السودانية ) ، المكرر نشره أدناه ، كحل ممكن لمعضلة السودان الحالية  لنحافظ علي كينونة و وحدة  وطننا جغرافياً و سيادياً ، و نوفر فرصاً مشروعة و دستورية لإستقلالية مقننة لوحدات إدارية كبرى يديرها و يطورها بنوها ، و يستفيدوا مباشرة من خيراتها ، و يسهموا بإرادتهم  و حسب تقديراتهم في تطوير وطنهم الكبير و المحافظة علي سيادته، و علي وحدته الجغرافية ، و علي تراثه التأريخي و الحضاري المشترك الذي هو مِلك للجميع ..

  ليتنا جميعاً نتبنى  و نطوِّر  هذه الدعوة بجدية ، و نعمل من أجل تحقيقها بأسس سليمة ، و وطنية مجرَّدة ، قبل أن يقع الفأس علي رأسنا و رأس الوطن، و لا يبقى لنا بعدئذ سوى البكاء علي أطلال وطن لم نصنه، و أشباح أطماع دنيوية لم ندرك مخاطرها، و معالم تاريخ لم نستوعب دروسه .

ألحقوا البلد قُبَّال تتفرتق !!!

و الله و الوطن من وراء القصد.


**************

(بسم الله الرحمن الرحيم)

الولايات المتحدة

السودانية:

مشروع وطني مقترح.

بقلم: بروفيسور مهدي امين التوم

      ***           ***

علينا ان نعترف أولاً أننا فشلنا في إدارة بلادنا بالطريقة التقليدية التي ورثناها و عملنا علي تطبيقها عبر أربع و ستين سنة، في ظل تخبط عجيب بين ديمقراطية عابثة و ديكتاتورية مهينة، حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن من فقدان تام للبوصلة و وقوف علي حافة إنهيار دولة كانت عظيمة و ذات تاريخ مجيد، تميزت بوحدة أهلها ،و تماسك ارضها، و عظمة صورتها خارج حدودها..

     نعم كان السودان كل ذلك و أكثر، لكن ما أبعدنا اليوم عن كل ذلك !! وما أحرانا بالتوقف مع الذات و التفكير من خارج الصندوق بحثاً عن سودان جدير بما يستحقه من إسم و عنوان و تاريخ مجيد.

  إن ما علق بالنفوس من أطماع و أحقاد و مشاعر حقيقية ،أو متخيلة، غرسها ضعف الإلتفات للتربية الوطنية، و سوء الإدارة السياسية للبلاد ،و تشوه أو غياب السياسات التنموية اللازمة و المتوازنة، وهو ما أربك و لا يزال يربك المشهد العام في البلاد، و يجعله يدور في فلك صراعٍ دامٍ بين المركز و الهامش، ظل يتفاقم بمرور الأيام ،و يكسب اراضٍ متزايدة جعلت النظرة المحلية تتفوق كثيراً علي النظرة القومية ، بل جعلت الجهر بتفتيت الدولة ،عبر دعاوي الحكم الذاتي او الإنفصال، يتم الصدع بها علناً  في قلب الخرطوم و في منابر التفاوض الإقليمية و الدولية.

  لقد وصلنا الى نقطة اللاعودة التي تجعل الإبقاء علي دولة السودان مُوَحَّدَة  بالشكل التقليدي ، أمراً مستحيلاً أو علي الأقل عصياً الى درجة الإستحالة. قد يكون البديل هو تنفيذ خطة خبيثة ذات أبعاد دولية تهدف إلى تقسيم السودان الى خمس دول مستقلة، لا يتوقع أن يكون بينها أي رابط غير العداء و التنازع علي الحدود و الموارد، لتزداد تخلفاً و يزداد اهلها بؤساً ،أكثر مما هي عليه، و تتفاقم صراعاتها الداخلية لتقضي علي ما تبقى فيها من أخضر و يابس ، بشكل سيمثل تكراراً مؤسفاً لما عاشته و تعيشه دولة جنوب السودان منذ أن تكالبت قوى خارجية و داخلية لفصلها عن السودان الأم.

     تفادياً لتفتيت الوطن الذي نعتز بالإنتماء اليه ، و حرصاً علي الإبقاء علي الصورة  التاريخية ، و علي الإرث الحضاري المشترك بين كل اجزائه ، و رضوخاً لحقيقة ظللنا ننكرها دهوراً بأن أهل السودان أمة هشة مكوَّنة من شعوب متباينة ثقافياً و عرقياً ، ظلت متعايشة مع بعضها البعض دون إنصهار حقيقي، و دون قبول أو ثقة مطلقة بين بعضها البعض ، فإن التفكير المنطقي يجعل من فكرة إنشاء فضاء جديد بمسمى :((  ألولايات المتحدة السودانية )) فكرة جديرة بالتأمل و التطوير  وِفق تقييم دقيق لتجارب العالم في الأنظمةالفيدرالية،  أخذاً لما أثبتته من إيجابيات، و تفادياً لما أبرزته من إخفاقات.  و لا يستثنى هنا إجراء تقييم موضوعي لتجربة السودان في الحكم الإقليمي و الحكم الولائي بكل ما قد إعتراها عبر سنوات تطبيقها تحت حكومات قاهرة..

     إن فكرة الولايات المتحدةالسودانية

تهدف ببساطة الى:-

١-الإبقاء علي الوحدة الجغرافية للوطن.

٢- المحافظة على مظلة عامة تجمع شعوب الأمة السودانية مختلفة الثقافات و الأعراق و السحنات.

٣-إنهاء صراع المركز و الهامش ، وقفاً لما يهدد البلاد و يغذي الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.

٤-ضمان تحكُّم

  الولايةو أبنائها في خيراتها و تحديدهم لأولوياتها التنموية.

٥- إفساح الطريق تماماً لتطوير الثقافات و اللغات المحلية.

٦- التنمية المتوازنة محلياً حسب رؤى أبناء الولاية .

٧- التحديد المنطقي و العادل  لنسب المساهمة في المشروعات القومية بين الولايات و عبرها.

٨- فتح مجالات التعاون المباشر عالمياً و إقليمياً ضمن بروتوكول متفق عليه.

٩- حرية  التكامل التنموي بين الولايات المتجاورة.

١٠-تشجيع أبناء   الولايات علي الهجرة العكسية لولاياتهم لتطويرها و الإستفادة القصوى من خيراتها و إمكاناتها.

١١-تكون الحكومة المركزية رمزاً للسيادة، و يكون للدولة علم واحد و عملة واحدة و تمثيل ديبلوماسي موحَّد  و مؤهل يراعي التنوع .

      إن تنزيل فكرة الولايات المتحدة السودانية الى أرض الواقع بمثل هذه الأسس العامة ،تتطلب بذل جهود حثيثة من أهل الإختصاص مثل أساتذة العلوم السياسية في جامعاتنا الموقرة لشرح طبيعة و مزايا و مشاكل أنظمة الحكم الفيدرالي و مدى ملاءمته ،لطبيعة السودان و أهله، و توضيح طبيعة العلاقات المتداخلة و المتكاملة بين المركز و الولايات ، و بين الولايات بعضها البعض، و المدى الذي يمكن أن تصله الولايات في علاقاتها بدول العالم و المؤسسات الدولية.. مثل هذه الدراسات يمكن أن يقوم بها أفراد أو مؤسسات أو مراكز بحثية متخصصة ليتحرك الناس على هدى  و علم نحو تحقيق  (الولايات المتحدة السودانية )كمشروع قومي يستهدف الإنطلاق نحو آفاق جديدة  لوطن يستحق واقعاً افضل مما عاشه في الماضي و ما يمكن أن يعيشه في المستقبل إذا بقي الحال على ما هو كائن .

  و كتمهيد علمي  و عملي لتنفيذ المقترح ، فإن هناك حاجة عاجلة لوضع خريطة جغرافية جديدة لما يمكن أن تكون عليه ولايات السودان في ثوبها المتحد الجديد.لقد شهدت خريطة السودان تقسيماً إستعمارياً إلى تسع مديريات، تعدَّل إسمها لاحقاً لتكون تسعة أقاليم، تم تمزيقها في عهد الإنقاذ لتصبح حتى الآن ثمانية عشر ولاية، كانت ،و لا تزال، في معظمها مبنية علي ترضيات سياسية ضيقة أو  مبنية علي أسس عشوائية غير منطقية ..لقد آن الأوان لوضع خريطة علمية جديدة لولايات السودان أو وحداته الإدارية الكبرى ، تأخذ في الإعتبار طبيعة الأرض، و المكونات البشرية، و الثروات الطبيعية، و إمكانات التواصل الإداري، و سهولة تحديد الحدود بعلامات طبيعية بقدر الإمكان..إن وضع خريطة إدارية جديدة بمواصفات علمية دقيقة، يعتبر امراً أساسياً لإنجاز و إنجاح فكرة الولايات المتحدة السودانية..و لحسن الحظ فإن في السودان حالياً كلية متخصصة يمكن أن تقوم بهذه المهمة كمشروع علمي قومي ، وهي (كلية علوم الجغرافيا و البيئة) بجامعة الخرطوم، التي تمتلك كوادر بشرية مؤهلة، و معدات فنية مناسبة ،و ذات علاقات راسخة بمؤسسات حكومية ذات صلة بالموضوع بخاصة مصلحة المساحة و وزارات الخارجية و الحكم المحلي و غيرها..أتمنى أن تتقدم الكلية الموقرة لتهدي السودان خريطة منطقية لتكون أساساً لتنفيذ مشروع (الولايات المتحدة السودانية) كمشروع قومي نأمل أن يصبح واقعاً في مستقبل قريب إن شاء الله..

و الله و الوطن من وراء القصد.

  بروفيسور

مهدي امين التوم

mahditom1941@yahoo.com

 

آراء