أرفض التوظيف السيِّء لما أكتب !!

 


 

فضيلي جماع
12 June, 2021

 

ليس من شيء أكثر مرارة على الكاتب أو الفنان من أن يتم أستغلال أعماله في غير مقصدها. صحيح أنّ ما أنشره أو أرفعه في المنابر العامة يصبح حقاً مشاعاً. بل يسعدني ككاتب أن يتداول الناس ما أكتب ، وأن ينشروا كتاباتي على أوسع نطاق - سواء أتفقوا مع ما كتبت أم اختلفوا. فالكاتب إنما يدفع بما يكتب للقارئين ، منتظراً تزكيتهم لما كتب أو الإعتراض عليه. وفي الحالين فإنّ المستفيد هو الكاتب /المؤلف أو الفنان صاحب العمل الإبداعي المرفوع للمتلقي في أيّ مكان.
صُمْتُ لفترة عن الكتابة في المنابر العامة. قليلاً ما رفعت مادة جديدة في صفحتي بخدمة فيس بوك، ليس تعالياً على سادتي القراء - والعياذ بالله، بل لأنّ أمامي اكثر من مشروع في الكتابة الجادة رأيت الإنقطاع لها. و(صاحب بالين كضاب) كما يقول مثلنا العامي. بيد عدداً مقدراً من أصدقاء وصديقات القلم في مواقع كثيرة يرفدونني من وقت لآخر بعض ما ينشر في منصات التواصل وخاصة خدمة واتساب وخدمة فيس بوك وما تنشره بعض صحفنا الإليكترونية.. وما له علاقة بما أكتب.
وقد لاحظت في الآونة الأخيرة تداول مقال لي بعنوان: ( برغم كل شيء .. قولوا للحزب الشيوعي السوداني: أحسنت.) لاحظت منذ أكثر من أسبوعين التداول الواسع للمقال المذكور عبر وسائط الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي. وطبعاً لا يمكن لمقال نشرته بصحيفة سيارة في العام 2006 - إن لم تخنّي الذاكرة - أن يتم تداوله بهذا الإنتشار الكثيف ما لم يكن في الأمر (إنّ) !! لذا عدت للمنابر والوسائط التي نشطت في تدوير المقال. بل تابعت كتابات بعض الناشطين وتعليقاتهم حول المقال فزال عجبي.
وبمنتهى الصراحة فإنني أعيب على البعض ممن (نكتوا) المقال من الإرشيف محاولة توظيفهم المقال في غير موضعه. ولأننا وقفنا ونقف ما حيينا مع حق الإنسان في أن يكون حراً في قراءة ونشر ما يقع في يده ، فمن الطبيعي ألا يكون مبعث غضبي على إعادة نشر وتدوير المقال ، لكني غضبت من استخدام هذا النشر لمعركة ليس المقال - يوم كتبته -جزءاً من اهدافها ولا هو حين نقرأه بتمعن جزء من المعارك الدائرة بين نشطاء التوجه السياسي ممن قاموا بتدوير المقال على أوسع نطاق لحاجة في نفس يعقوب ، لا في نفس كاتب المقال. عليه أود توضيح الآتي وبمنتهى الصراحة:
1. إغتناماً لمساحة الحرية التي أتيحت بفضل توقيع إتفاقية نيفاشا 2005 والتي بموجبها قامت بعض الأحزاب بمزاولة نشاطها وتعبئة جماهيرها، قام الحزب الشيوعي السوداني بعقد مؤتمره العام (لا أتذكر أهو المؤتمر السادس أم السابع). ولأنّ بعض أحزابنا حاولت ضرب الحزب الشيوعي تحت الحزام لأجندتها الخاصة آنذاك، ولم تستفد من الحرب الضروس التي شنها عليهم نظام الأخوان المسلمين وبعثرهم أيدي سبأ..فقد رأيت أن أقف ناصحاً ، وحادباً على عدم التكالب على حزب شارك في المعارك الوطنية وساهم في رفد أبناء وبنات السودان جرعات من الوعي. مذكراً أولئك بأن حل الحزب الشيوعي في الستينات كان الطعنة الأولى في قفا العمل الديموقراطي السوداني.
2. كتبت ونشرت ذلك المقال قبل حوالي 15 عاماً. وأود أن أؤكد لمن تداولوا المقال لمعركة أخرى تدور رحاها اليوم بين الحزب الشيوعي وحكومة المرحلة الإنتقالية التي ينادي الحزب بإسقاطها، أنني لم أغير من تلك القناعات التي ناديت فيها باحترام الحزب الشيوعي. وأن صداقاتي وعلاقاتي الإنسانية مع رهط من عضوية الحزب الشيوعي واليسار عامة ما تزال موضع احترام. لكني طبعاً لا أقبل تدوير المقال وحذف تاريخ نشره (بما في ذلك العام الذي كتبت فيه المقال) ليكون الناتج وكأني كتبت المقال ونشرته اليوم. هذا ضرب من ضروب الإحتيال في المكايدات السياسية لست من أنصاره.
3. وأخيراً .. فإن من حق أي حزب أو جماعة أن تنادي بإسقاط أي نظام منطلقة من قناعاتها ، وليس أدل على ذلك من وقوف الأحرار من أبناء وبنات شعبنا في خندق مقاومة نظام الأخوان المسلمين ثلاثين سنة حتى قذفنا به في سلة مهملات التاريخ. ولعل الإنصاف يقضي بأن نقول إن عضوية اليسار عامة والحزب الشيوعي خاصة نالت شرف هذه الوقفة الشجاعة مع أبناء وبنات شعبنا ودفعوا الغالي والنفيس. لكن على أنصار الحزب الشيوعي مراعاة استخدام أدواتهم وهم يعلنون حملتهم لإسقاط حكومة الفترة الإنتقالية. ما كتبته قبل 15 عاماً يظل له المكان الكبير في وجداني.. وطبعاً لا أسمح لمنسوبي الحزب الشيوعي باستدعائه من الأرشيف ونشره وكأني كتبته اليوم، أو كأني أقف معهم في ذات الخندق الذي ينطلقون منه الآن في حربهم الشعواء ضد حكومة الفترة الإنتقالية.
أكتب هذا المقال رفضاً للإستخدام غير الحكيم للمقال وليس تبرؤاً مما كتبت إنصافاً يومذاك للحزب الشيوعي كواحد من منابر العمل السياسي السوداني منذ بدأت حملات الوطنيين من أبناء وبنات شعبنا ضد المستعمر .. بل كأحد منابرنا السياسية الوطنية التي لا ينكر نضالها ضد النظام الفاشي المباد إلا صاحب غرض.
فضيلي جمّاع
لندن
مساء 6 يونيو 2021

 

آراء