أريتريا والصراع بين حميدتي والجيش

 


 

 

السؤال الذي يدور في ذهن كل سوداني: لماذا تدعو أريتريا مجموعات سودانية من شرق السودان للاجتماع بالرئيس أسياس أفورقي؟ و لماذا يرجع الوفد بعد عبوره الأراضي السودانية من قبل الاستخبارات السودانية، بإدعاء ليس لهم أخطار بذهاب الوفد إلي أريتريا من قبل السلطة المركزية في السودان؟ و ما هو موقف أريتريا من علاقات حميدتي بالكينات القبلية في شرق السودان؟ و هل هناك خلافا عميقا بين حميدتي كقائد للدعم السريع مع القوات المسلحة؟ وهل أن حميدتي بالفعل وجوده الآن في دارفور بهدف بناء قاعدته لطموحه في الحكم؟
هذه الأسئلة هي التي تدور في أذهان أغلبية الشعب السوداني بعد منع وفد الإدارات الأهلية في الشرق الدخول لدولة اريتريا. و بعد الرجوع خاطبهم السفير الاريتري في الخرطوم، و من خلال حديث السفير: يتضح أن أغلبية الوفد لا يملكون جوازات سفر و حتى لا يملكون بطاقات شخصية، و أنهم سوف يرتبون لزيارة أخرى بعد اكتمال الأوراق الثبوتية. السؤال لماذا يذهب الوفد للحوار فيما بينهما لحل مشاكل الشرق في أريتريا؟ و هل تقبل أي دولة ذات سيادة أن تحل مشاكل شعبها في عاصمة دولة أخرى؟ أم أن أريتريا تشعر بخطر قادم من السودان و تريد أن تشكل درعا واقيا لها برجال الإدارات الأهلية هناك؟
تعتقد القيادة السياسية الاريترية؛ أن الزيارات التي كان قد قام بها قائد الدعم السريع للشرق، و سعيه الحسيس لحل مشاكل الشرق، و توزيع العديد من العربات لأغلبية القيادات هناك، تؤكد أن الرجل يريد أن يكون ولاء الشرق له شخصيا، و مادام يبحث عن الولاء فأن رغبته السيطرة على السلطة، الأمر الذي سوف يخلق نزاعات سوف تمتد إلي أريتريا. و لذلك تعتقد القيادة الاريترية أن تكون الإدارات الأهلية في الشرق واعية للطموحات الشخصية لبعض القيادات التي تتحكم في السلطة الآن. لكن تخوف أريتريا ليس جاء بعد الخلاف الذي برز في الشرق بعد التوقيع على " اتفاقية جوبا" بل كان بعد الثورة مباشرة و قبل اجتماعات جوبا للسلام. حيث كانت أريتريا تتخوف من الاهتمام المكثف للدول الغربية و أمريكا في السودان، و كانت تعتبر هذا الوجود الهدف منه أن يخلق نظام مواليا لسياسات الغرب يؤثر مستقبلا علي دول المنطقة، لذلك كانت زيارات اسياس للسودان و مقابلة قيادات السلطة، و دعوة القيادات السودانية لزيارة أسمرا. كما كانت رؤيته أن القوى السياسية السودانية أفضل لها أن تحل مشاكلها السياسية بعيدا عن التدخلات الخارجية و خاصة الأمم المتحدة. لذلك حرص أسياس في زيارته الأخيرة لمقابلة العديد من قيادات الأحزاب. و أيضا كان اسياس منزعجا عندما أخرت السلطة السودانية قبول اعتماد أوراق السفير الاريتري في السودان، و عند مقابلته للبرهان قال له إذا لا تريد اعتماده أنا بعتمده أليك.
أن الحديث الذي كان قد به حميدتي يوم الجمعة 22 يوليو 2022م قال ( قررنا سويا إتاحة الفرصة لقوى الثورة، و القوى السياسية الوطنية، بأن يتحاوروا ويتوافقون دون تدخل منا في المؤسسة العسكرية) و أيضا دعا القوى السياسية و قوى الثورة أن تسرع في الوصول لحلول عاجلة تساعد على تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، و على الجميع الانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد و الوصول لحلول سياسية. هذا الحديث يتماشى مع حديث البرهان و لا يبين أن هناك خلافا بين الإثنين. الأمر الذي هناك تشاور بين حميدتي و البرهان.
هل حميدتي قال هذا الحديث رغبة منه لتأكيد الانسجام بين القوات المسلحة و الدعم السريع أم أن الحديث قد طلب منه لكي يؤكد أن حديث البرهان ليس مناورة سياسية. إذا رجعنا بالذاكرة نجد أن حديث حميدتي جاء بعد حديث رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي روبرت فان دوول لقناة " الجزيرة مباشر" حيث قال ( أن المفوضية الأوروبية تأخذ قرار رئيس المجلس السيادي بعدم المشاركة في الحوار السياسي على محمل الجد، و تعده خطوة مهمة لتحقيق التوافق السياسي بين الأحزاب بهدف تشكيل حكومة مدنية) و كان القائم باعمال السفارة الأمريكية أيضا أصدر بيان يؤكد فيه موقف بلاده على خطوة البرهان) الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء هم وراء حديث حميدتي لكي يؤكد أن العسكر بمكوناتهم يوافقون حديث البرهان. أما إذا كان طموح حميدتي في السلطة من خلال صناديق الاقتراع، هذا طموح ليس عليه غبار مادام الحكم هي الجماهير. إذا كانت في شرق السودان أو غرب السودان.
أن تخوف اريتريا الأمني لم يبرز بعد سقوط حكم البشير، بل كان بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في عام 1989، و كان خوفها أن يدعم نظام الإنقاذ حركة الجهاد الاريترية، وكان الخوف سببا في قبول اسياس أفورقي أن يفتح حدوده " للتجمع الوطني الديمقراطي" و قبل أيضا أن تفتح الحركة الشعبية ممرات في الشرق و تنقل ألاف المقاتلين لجبهة الشرق، و قد وجدت قوات التجمع الدعم الوجستي و السياسي من قبل الحكومة الاريترية، و كل ذلك بهدف أن تكون قوات التجمع هي الحامية للحدود مع السودان، و تمنع حركة الجهاد الاريترية أن تجد لها منافذ للداخل. و أن وجود حميدتي في الشرق و نقل قواته هناك يسبب خوفا على أريتريا أن يكون لحميدتي علاقات بقيادات من حركة الجهاد الإسلامي. و أيضا أن التحول الديمقراطي في السودان سوف يسبب خوفا كبيرا للعديد من دول المنطقة.
أن حركة حميدتي الدؤوبة في المناطق المختلفة في السودان، تربطها القوى السياسية بالطموح السياسي للرجل في حكم السودان، و الغريب في الأمر أن القوى السياسية هي نفسها عاجزة أن تتحرك بصورة كبيرة في مناطق السودان المختلفة، لكي تؤكد على وحدتها و توافقها على مشروع سياسي. هي متوطنة في العاصمة تنتظر أن تقدم لها المجموعة العسكرية السلطة ثم ترحل لثكناتها، الأمر الذي لن يتم بهذه الصورة.
أن واحدة من خطط أسياسي أفورقي أن يجعل مناطق الحدود بين السودان و أريتريا حدود تنمية تكاملية بين البلدين، و التنمية في المنطقة هي وحدها التي تعزز الأمن في مناطق الحدود، لأنها سوف تنهض بالمنطقة و سكانها وحدهم سوف يمنعون أي تحركات مسلحة تؤثر سلبا على العملية التنموية. و تعتقد القيادة الاريترية أن التكاملية التنموية يجب أن تشمل كل مناطق الحدود السودانية مع اريتريا و إثيوبيا، الأمر الذي يحول نزاع الحدود إلي تكامل تنموي في الحدود. و نظرة أسياس أفورقي أن يحاصر جبهة التقراي ليس فقط من خلال اتفاقات بين الدول لحماية الحدود، بل بالسكان الذين سوف يكونوا مستوعبين في عمليات التنمية. لذلك يعتقد أن حركة حميدتي محكومة بقوته العسكرية الأمر الذي يسبب فشلا لتصور القيادة الاريترية، لذلك يحاول أسياسي أفورقي أن يبعد حميدتي من المنطقة و يجعل قواته محصورة بين الخرطوم و دارفور. و هناك البعض يعتقد أن إثارة قضية المليشيات المسلحة في المنطقة في اجتماع جده الذي حضره الرئيس الأمريكي بايدن مع بعض رؤساء المنطقة، قد سببت إزعاجا كبيرا لحميدتي لذلك ذهب أن يؤمن نفسه في حلف عريض في دارفور، و أن يكون للحلف أيضا داعمين في مناطق السودان المختلفة، إذا صح هذا القول يبقى التأمين ليس بقوة السلاح أنما تأسيس حزب عريض منتشر في مناطق السودان المختلفة، خاصة وجود حميدتي في السلطة تبين له أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال الثروة المادية التي يمتلكها، و حالة الضعف التي تعيشها الأحزاب السياسية، و اعتقد أن قيادات العناصر السابق و الاتحادي الأصل سوف يمانعون من الدخول في هذا الحلف. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
//////////////////////

 

آراء