أزمة القيادة والقواعد

 


 

د. حسن بشير
8 January, 2012

 


الأزمات تمسك بتلابيب البلاد وتتصاعد نحو الانفجار او الفوضى. ألان لا يوجد اختلاف تقريبا علي الأزمة الاقتصادية التي تمس حياة الناس بشكل مباشر وتصيب مراكز اتخاذ القرار بالتخبط والخوض في خيارات المستحيل، ذلك رغم الإنكار الذي لازم البعض لفترة لم تمتد طويلا، بحكم أن الأزمات الاقتصادية تختلف في طبيعتها عن الأزمات الاخري، التي تقبل الالتفاف والدوران حولها. هذه حقيقة يدركها حتى طلاب الاقتصاد نايك عن خبرائه. مع ذلك فان شمولية الأزمة السودانية لم تترك ركنا في البلاد ينجو منها، إلي أن تمركزت بشكل واضح في قيادة وقواعد التنظيمات والكيانات السياسية والفئوية والاجتماعية.
لم تترك مظاهر الأزمة قيادة او قاعدة سياسية، أو إي شكل من أشكال التنظيمات إلا ووضعت بصماتها عليه، بشكل قاطع من الوضوح يصل حد النضج والاتجاه نحو ذلك النوع من الانحدار والتدحرج، الذي لا يمكن تداركه, نحو هاوية لا مستقر لها. أهم مظاهر الأزمة تجلي في الابتعاد عن خيارات الحل الي خيارات التصعيد، فبدلا عن إيجاد صيغة من التوافق لفهم الأزمة والبحث  عن أفضل الطرق للخروج منها بعد الأخطاء الكارثية التي أدت الي انفصال الجنوب و ترحيل الحرب شمالا الي مناطق مؤهلة نشطة اقتصاديا، يتم الهروب إلي الأمام في نوع من المكابرة والإنكار وسؤ التقدير وتمترس كل طرف عند خياراته المجربة التي تعتبر تأصيلا للتأزم، وليست، بأي حال من الأحوال إبداع أسلوب للخروج منه.
قد يكون سبب تعمق الأزمة المستحكمة التي تخنق قدرات البلاد وتشل طاقتها، ناتج عن أزمة عميقة أصابت القيادة والقواعد معا في جميع مكونات المجتمع السوداني الداخلي مع امتداداته الخارجية. هذا شيء تحدثنا عنه الثورات العربية التي لم تستأذن احد ولم تقم بعد التشاور بين الأطراف المعنية بها. كما هو معروف تفاجأ الداخل والخارج بتلك الثورات وأصبح يركض خلفها دون ان يدركها حتى اليوم. بل حتي الذين يحاولون الاستثمار في الثورات المتأخرة النضج، مثل السورية، لم يصيبوا النجاح بالشكل الذي كانوا يرجونه.
المهم في الموضوع أن القيادة ضائعة بين القائد المفروض والقائد المقبول والقائد البارع. انظروا إلي القيادات المتوفرة في الحكم والمعارضة ، في الواقع والبديل، في الداخل والخارج واحكموا بأنفسكم. ربما ستتفقون بان الوضع أكثر تعقيدا من اي وقت مضي ويزداد تعقيدا يوميا.الأمر يتعلق بنوعية العمل والانجاز، إعطاء الأولويات ما تستحق من أهمية وفقا لاحتياجات الوضع الراهن وآليات صنع القرار الصائب، التعلم من الأخطاء وإدراك القصور وامتلاك الإرادة والثقة الضرورية التي تتيح الاتجاه نحو الحل الممكن والواقعي بأقصر طريق ممكن، تجنبا لإهدار المزيد من الموارد والطاقات وتقليل الخسائر التي أصبحت خسائر في الأرواح بشكل مباشر وغير مباشر. يبدو أن الأزمة قد أصابت الجميع بالخوف من المجهول والتوجس وعدم الثقة في الأخر، الأمر الذي سيقود حتما الي التحلل والتفكك، وهذا ما أصبحت تتضح معالمه داخل المكونات المذكورة وفيما بينها وخارجها.
أما في جانب القواعد، فبالرغم من الحراك الايجابي في البحث عن بدائل ، خاصة وسط الشباب وبالرغم من محاولات التمرد والخروج علي القديم، إلا أن المسيطر، حتي ألان علي الأقل هو ثقافة الامتثال والخنوع. ساعد عدم غناء الواقع وحالات العوز وقلة الخيارات وتناقص الفرص والتمييز في إشاعة نوع من سيكولوجية الخوف والقهر الموضوعي والذاتي، وهذه سيكولوجية مدمرة علي المستوي الفردي والاجتماعي. عموما لتشخيص أزمة القواعد لابد من دراستها والوقوف علي طبيعتها. من المعروف أن أصل القواعد مبني علي جوانب ايدولوجية او طائفية او فئوية في الأساس، إلا أن واقع السودان الراهن قد ادخل المكون القبلي، الجهوي والاثني بشكل قوي في مكونات القواعد، وهذا شكل أخر من إشكال الأزمة وتعمقها، خاصة علي مستوي القواعد.
بالرغم من كل ما يحيط بالواقع من تعقيد وإحباط ، نجد ان القواعد الشبابية تمتاز، في صلبها، بدرجة جيدة من الوعي وسلامة الإدراك لما ينتظرها من تحديات. الأكثر جودة في الموضوع ان تلك القواعد تتعلم بسرعة وتستفيد من رياح التغيير ومن البنيات التحتية المتطورة للمعرفة، خاصة في العالم الافتراضي الذي أنتجته التطورات التكنولوجية والعلمية الحديثة. بهذا الشكل يمكننا ان نتوقع بان القواعد الشبابية ستتطور بسرعة وغالبا ما ستتخطى قياداتها، خاصة إذا ما استمرت (القيادة) في الحالة الراهنة من التكلس والإنكار. من الملاحظ ان بعض القيادات أدركت خطورة الموقف وسارت في اتجاه التقرب من القواعد الشبابية، وهو شيء يمكن ملاحظته في جميع المكونات، خاصة الأحزاب السياسية الكبير منها والصغير، في المعارضة والحكم.السير في اتجاه تخطي القديم أصبح واضحا، وهذا هو المسار الطبيعي للأشياء.
الخلاصة ان ، الخير كل الخير للجميع إدراك الوضع بأسرع وقت ممكن تجنبا لكوارث واضحة المعالم، لا يمكن إلا لمتعامي ان لا يراها بوضوح. من الأفضل الابتعاد عن تجريب المجرب والسير في الطرق التي تبدو سهلة ولكنها، في الحقيقة شديدة الوعورة ولن تؤدي الي نهاية سعيدة. تلك الطرق جربتها أنظمة استمرت في الحكم عشرات السنين لكنها تلاشت، وبشكل مخزي، كما جربتها أطراف اخري بآليات بالية خارج مسار التاريخ، الأمر الذي قادها بدورها الي الفناء التام، او ، في أحسن الفروض، الانزواء في طرف هامشي من مراكز القوة وصناعة التاريخ. إلا يجيد احد قراءة التاريخ وحسن الاستقراء والاستنباط؟ إننا نعيش في عالم اليوم وهو عالم من الصعب السيطرة عليه وإخضاعه بأدوات تقليدية، في الوقت الذي أصبح فيه استخدام الأدوات غير التقليدية هو الأصل.
الزمن كفيل بإصلاح القواعد التي ستقوم بدورها بصناعة قيادتها وابتكار ما يناسبها من أدوات في العمل، لكن مسار الزمن لا يمكن التكهن به، فقد يكون ايجابيا، وقد يكون العكس، مدمرا. هذا ما يجب علي القيادات الراهنة إدراكه للمساعدة في القيادة نحو بر الأمان تجنبا لضياع الوقت ووطن بكامله يتم الصراع علي الفوز به حاليا وكأنه كأس في مسابقة رياضية، معه حفنة من المال. في كل ذلك فان المسئولية ألكبري والعواقب الأضخم والخسائر الأكثر فداحة، ستقع علي الطرف الحاكم، القابض علي صنع القرار.
hassan bashier [drhassan851@hotmail.com]

 

آراء