أزمة جبال النوبة وجدل الهويات المستلبة
م/محمد موسى ابراهيم
30 November, 2022
30 November, 2022
لقد سبق في موضع ما للمؤرخ الامريكي بنديكت اندرسون (1936-2015م) المتخصص في الدراسات الآسيوية والعلوم السياسية, ان عبّر عن تصوّر مفاده "ان العاصفة يشتد هبوبُها كلما ابتَعَدَتْ عن الفردوس" .
يمكننا القول إن كتاب الباحث عبدالله ميرغني صالح صارمين أتى ليؤكد بكثير من الكثافة الإقرار السابق . يتعلق الامر بـ"أثر التنمية على التعايش السلمي والاستقرار في جبال النوبة " الذي صدر عن, كادوقلي عاصمة للتراث السوداني 2015م. فماذا يكشف لنا هذا المؤلف ؟
منذ البداية, يثير الباحث الانتباه إلى أن ما بين دفتي هذا الكتاب يتضمن من الفصول المتمايزة لجهة محتواها المباشر, نفس ما يتضمنه من الفصول المتضامنة والمتكاملة لجهة طبيعتها. أما الحقل الذي تتجه اليه هو التاريخي الاجتماعي .
يحتوي الكتاب على 296 صفحة من القطع المتوسط, تتقاسمها أربعة فصول مع مقدمات أولية وخاتمة, اضافة الى بيبليوغرافيا دسمة تنهل من مختلف المراجع, وخلاصات مطوّلة في نهاية كل فصل, وتقارير استراتيجية موثقة صادرة من مؤسسات دولية واقليمية .
يرى الكاتب في مقدمته "ان غياب التنمية المتوازنة والاحساس بالتهميش أسباب رئيسية في أزمة جبال النوبة وصراعها مع المركز... فالتنمية تعني التدخل الايجابي للفرد والدولة بالدفع والخطط المدعومة بالاهداف والاستراتيجيات لتحقيق الرفاهية". الا ان القارئ الثاقب لا يفوته ان يلحظ ذلك الحجاج المستبطن داخل الخيط الناظم لهذا النص. بهذه الكلمات المفتاحية جعلنا الكاتب ندخل مباشرة لمشروعه المؤسس لفهم التمظهرات العنصرية في المجتمع السوداني وتحليلها داخل قالب ايديولوجي صارم كان سببا في الأزمة السودانية منذ نشأة الدولة السودانية الحديثة , انها منظومة الاسلمة والتعريب, وهذا ما سيتمظهر تدريجيا خلال النصوص التي تأتي تباعا. ومع ذلك فان مشروع "صارمين" لن يتأتى ادراكه بسهولة وللوهلة الاولى بمجرد قراءة هذا المقطع . يتوجب لذلك اجتياز متأنٍ لفصول الكتاب الاربعة , وخاتمة بمثابة فصل خامس لطولها وعمقها حتى نتمكن من الاخذ بتلابيب ومجاميع مشروع "صارمين" .
في كل فصل, بل في كل مقطع, يتعلق الامر –حسب تعبيرات الكاتب- بالاحاطة في واقع الامر, بواقع منفلت, واقع مسكوت عنه دهوراً, اللاّ مُفكّر فيه واللاّ مُفصَح عنه, وبكلمة واحدة : سلسلة من "التابوهات" وعلى الرغم مما تتمايز به من حركية فاعلية داخل المجتمع, فانها - أي العنصرية - لا زالت تحجبها جدران سميكة من الصمت العجيب .
فما هي هذه القضايا التي من شأن الكشف عنها , يُعد بلورة واعداد انثروبولوجيا سودانية خاصة عن ابستيمولوجيا اجتماعية ؟
نتناول محاور الكتاب حسب محتوياته التي وضعنا بين قوسين وصفا دقيقا لمحتواها المسكوت عنه, الذي لم يُشِرْ اليه الكاتب بصورة مباشرة .
الفصل الاول : جبال النوبة الواقع الاجتماعي والتطور التاريخي ... (الاستلاب)
الفصل الثاني : السياسة الاقتصادية بالمنطقة ... (التهميش)
الفصل الثالث : الحركة الفكرية والسياسية بجبال النوبة وأثرها على التعايش السلمي ... (المقاومة)
الفصل الرابع : اتفاقيات السلام وقضايا التنمية والتعايش السلمي ... (نقض العهود)
الخاتمة : (في انتظار الذي يأتي .. ولا يأتي)
اخيراً, نجد حديثا مستفيضا عن هذا المفهوم الذي عنون به "صارمين" مؤلفه " أثر التنمية على التعايش السلمي والاستقرار في جبال النوبة " , وكأي مفهوم, فان كتاب صارمين لا يحيد على واقع او واقعة بعينها, بل الى تلك الحالة العامة التي قد لا توجد في اي مكان, وبكل حذافيرها , قد توجد في اي مكان دون استثناء .
انه النموذج المثالي - على طريقة "صارمين" – يُجرّد على مستوى الفهم واقعاً من التصوّرات والسلوكيات المهمّشة داخل المجتمع السوداني .
الاستلاب .. وسؤال الكينونة
لقد ابتدر الكاتب فصله الاول بشرح وافٍ دقيق يبيّن فيه جغرافية جبال النوبة, والتركيبة السكانية والاثنية وتداخل مجموعة القبائل العربية مع مجموعة النوبة وذلك باسهاب, فعرّف القبيلة بأنها ".. هي الوحدة الاجتماعية الاساسية التي يقوم عليها المجتمع, وكان المجتمع في صورته البسيطة يستند على العصبية وهي تعني الالتصاق بالقبيلة وتنفيذ امرها ..." ويستطرد الكاتب " ويعتبر السودان من الدول المتأثرة بالنزاعات القبلية وذلك نسبة للتنوع الثقافي والاثني الذي يزخر به السودان ... لذلك فان التعايش السلمي يظل هدفا استراتيجياً في كل المناطق التي تتميز فيها الخارطة السكانية والسياسية بالتعددية العرقية اللغوية والدينية والجهوية " اهـ. بعد هذا التعريف الموجز ينتقل الكاتب ليُبرز المؤثرات الثقافية والدينية التي اعترت المنطقة وزعزعت كيان القبيلة الساكنة, بقوله ".. وقد تباينت العوامل التي دفعت بالمؤثر العربي الى بلاد السودان ما بين عوامل اقتصادية وسياسية وعسكرية, ولقد اتسع مدى المؤثر العربي بظهور الاسلام الذي عظم امره (...) وقد كان اول صدام بين النوبة عام 641 والثاني 651 حيث اظهر النوبة مقاومة عنيفة للمسلمين الفاتحين انتهت بابرام اتفاقية (البقط) المشهورة التي اهتمت بوضع حد لهجمات النوبة. " اهـ .
يشير الكاتب فيما بين السطور الى مسألة الاستلاب التي تعرض لها السودانيون عموما بعد المد العروبي ذي النزعة الاسلامية والتي اثّرت بوجه خاص على ساكنة جبال النوبة . اذ نجد أن الوعي/العقل الجمعي السوداني بدأ يتجه بقوة نحو الإتجاه الديني الإسلامي, دون وضع أي إعتبار للإختلاف والتغاير الإثني والتعدد الثقافي في البلاد, بل والأقسى من ذلك, إقصاء فئات من المجتمع على إعتبار أنها (أقلية) غير ذات جدوى أو على أحسن تعبير, عليها أن تتماهى مع (الأغلبية) المتمثّلة في الإنسان الشمالي, العربي- بالضرورة - المسلم, وقد كرّست النّخب السياسية المتعاقبة هذا المبدأ وعملت به. وبذلك تم إجهاض الفكرة الأساسية لبناء المدينة/الدولة التي من المفاهيم الأساسية لقيامها, أنها تقبل وتحتضن بداخلها المختلفين, بصرف النظر عن ماهية أو كُنه هذا الإختلاف. إن عملية قبول الآخر المغاير عنّا ثقافياً وعرقياً تتطلّب (كمرحلة) , التوقّف عند نقطة (التحوّل) للإنتقال من (القبيلة) إلى (المدينة) والتي تُعتبر مرحلة قاسية, ولكن هذه هي سُنّة الحياة . إن فكرة القبول بالعيش مع الآخرين (قسراً) تُجهض مبدأ التعايش السلمي المُعلن عنه والذي تبنّاه "صارمين" في سِفْرِهِ, وتُصبح أقرب منه معنى إلى مفهوم التعايش المُشترك, لأن تعرّض منطقة ما لهجرات من الخارج تجعلها تتحوّل من قرية صغيرة ذات خصوصية وطابع محلّي تخضع لقانون القبيلة – الذي تحدث عنه الكاتب - إلى (مدينة) كبيرة حاضنة جامعة تخضع لقوانين وأشراط المدينة بأن تقبل وتحتضن المختلفين بكل ما تحمله كلمة الإختلاف والتغاير من معنى.
التهميش .. وسؤال (النَحْن)
يقول "صارمين", ".. في مطلع القرن السادس عشر ربما بعد مولد مملكة الفونج جاء الى تقلي احد الفقراء يُسمّى محمد الجعلي قادماً من ديار الجعليين في الشمال, ولم يطل المقام بهذا الغريب حتى اجتذب قلوب الوطنيين بطيب معشره وحسن اخلاقه وشدة ورعه وتقواه, فأحبّوه واحسنوا وفادته, وكان لسلوك الغريب العاقل هذا وقع حسن على زعيم القبيلة (كبر كبر) فزوّجه من ابنته في نحو 1540م " اهـ. ان مسألة (الغريب الحكيم) تنقلنا الى مرحلة مفصلية في تناولنا لسفر "صارمين" ان لم يكن منعطفاً حاداً في زاوية الرؤية. نقرأ من خلال النصوص وما بين السطور – اللاّ مُصَرّحْ به عَلَناً - ان أزمة الهوية تبدأ عندما يأتي وافد ما إلى بقعة جغرافية ما ليستغلّها ويعيش فيها, ثم بعد فترة من الزمان يُصبح هذا الوافد هو (سيّد) المكان , أما السكان الأصليون فيصبحون هم الغرباء, فيبدؤن في البحث عن صيغة جديدة للتعامل والتفاهم مع هذا (السيّد). فلا يجدون صيغة للتفاهم والتعامل معه غير تعلّم لغته وعاداته لتصبح حياتهم فيما بعد مقلوبة قسراً, لغتهم ودينهم وعاداتهم هي لغة ودين وعادات هذا الوافد, دون ان ينالوا رضا هذا (السيّد) المتطلّب فيندغمون في التماهي فيه إلى درجة محاولة تغيير شكلهم ولونهم . وهذا ما نسميه بالاستلاب الهُوِيّاتي , اذْ هناك عدة تساؤلات تُطرح أثناء تقصّي درب الهُوية, من ضمنها السؤال المشروع (من نحن؟) والذي بدوره يُحيلنا إلى عدّة تساؤلات وإسقاطات مفاهيمية أخرى, مثل, هل المقصود بالسؤال (نحن السودانيون؟) أم المقصود نحن كـ(أمة) مجتمعة نُشكّل جنسية ما (مُتخيّلة) نُعرّف عن أنفسنا بها ونتنادى عبرها؟ . لقد تهافتت النُّخب السياسية السودانية وراء شعارات أيديولوجية كـ(الأمة السودانية) و(القومية السودانية) غير مدركين لفخ مجانية هذه الشعارات التي لم يتم التمهيد لها على أرض الواقع المجتمعي كما لم يُهَيّأ لها الوعي الجمعي Conscience Collective لتتقبّله الإرادة العامة وتعمل وفقاً له. إن التساؤل الأهم الذي يجب طرحه والإعتناء به هو: كيف يتأسس الإنتماء لأمة بوصفه شكلاً سياسياً وثقافياً في قالب ما؟ لأن الأمة هي جماعة مُتخيّلة ينحصر تواجدها الفعلي في العقل الجمعي لأفراد المجتمع الذين يؤلفون وحدة سياسية تقوم على وحدة الوطن والتاريخ والهم المشترك, والذي يرادفه لفظ القومية الذي يقوم على ترابط وحدة اللغة والتقاليد الإجتماعية وأصول الثقافة وتوفر أسباب المصالح المشتركة.
إن إحتكار النُّخَب المتعاقبة – الشمالية - على سُدّة الحكم في السودان خلق نمطاً من التفكير الإقصائي لديها, والذي أدّى بدوره إلى أن يتحلّى القائد منهم بصفة الإنسان ذي البُعد الواحد one dimensional man التي مفادها أن موارد النقد تجاهه قد إضمحلّت إلى حد إختفت فيه عملياً إمكانية تصوّر مستقبل مختلف وأفضل, فقاد هذا التصوّر المسبق إلى إنتهاج أسلوب من العنف غير مبرر تجاه الأقليات بالبلاد وذلك لإخراس الأصوات المناوئة للنظام الفاشي, - جبال النوبة نموذجاً - فخلق حالة من الديستوبيا تفشّى على مستوى القُطر, مما أدى إلى ظهور قاموس جديد في الساحة السياسية والثقافية متمثّلة في الكلمات التي تتعلّق بـ"التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية" – دارفور نموذج - وهي عبارات جديدة لفكرة قديمة.
إن النزعة القومية في السودان مليئة بالأفخاخ المنصوبة على الشكل الثقافي – كالأسلمة والتعريب – الدين واللغة. لقد تم إجتذاب الإنسان السوداني/الإفريقي نحو حضارة غريبة عنه, الذي لم تكن ثقافته وقد تكيّفت معها بعد .
مبدأ المقاومة .. ونقض العهود
في هذا الباب الاخير, الذي يربو عن الستين صفحة, تناول فيه الكاتب جميع الاتفاقيات المبرمة بين جميع اطراف النزاع , كما فنّد فيه الكاتب البرتكولات والوساطات الدولية واسباب اندلاع الازمات. الا اننا منذ المبتدأ وفي صدر الباب الرابع نجد ان الكاتب قد حسم امره وختم سِفره, في فقرتين لا ثالث لهما تغنيان عن متابعة وتكملة الباب, اذ يقول : "بسبب الحرب والسياسات الحكومية تحوّلت بعض قبائل النوبة الى نازحة في بعض مدن الشمال والوسط, وتنامى احساس الطرفين (البقارة والنوبة) ان الجلاّبة الاغنياء بالاضافة الى القادمين من خارج المنطقة هم المستفيدون من هذه الحرب بينما سكان المنطقة الباقون دوماً يعانون ويقاسون " فبهذه الكلمات اكّد الكاتب زعمنا للازمة المتمثلة في الاستلاب وقضية التهميش التي بنينا عليها فرضياتنا, وما نقض العهود الا نتيجة طبيعية لشريحة جُبِلت على الاخذ دون العطاء. فاستطرد "صارمين" في بحثه يقول بـ"رغم النجاحات التي حققتها الاتفاقيات الماضية الا ان الاطراف الموقعة فشلت في المحافظة عليها (...) كانت هذه الاتفاقيات لا تتفق مع الاهداف الكلية للطرفين الرئيسيين في الحرب " اهـ . نستطيع من خلال هذه الفقرات المفتاحية في الباب الرابع نستخلص ان اُسْ المشكلة تتمحور في ازمة ثقة بين جميع الاطرف , سواء بين حركات المقاومة في جبال النوبة والحكومة او بين النوبة القادمين من خارج المنطقة .
كالخاتمة .. او في انتظار الذي يأتي ولا يأتي
قبل الختام, نود الإشارة إلى انه مهما كان الامر, فاننا نعيش الآن حداثة معاقة ومبتسرة, كما أننا نعيش في ذات الوقت إسلام معاق ومشوّه إلى أبعد الحدود. إذ أن الحياة ليست تجربة دينية فقط, إننا بنينا مجتمعاً على أساس ديني, فالدين لا يمكن أن يكون عاملاً لتوحيد الأمم والشعوب ولا يمكن أن يكون سمة لهوية ما. إن هويّة أي أمة ما يجب أن تكون جامعة لمختلف قومياتها وثقافاتها. إذ السودان يُعتبر من البلدان المتعددة القوميات. فمن حق أي مواطن أن يكون ما يكون, بصرف النظر عن ماهيّة إعتقاده أو إنتماءاته العقدية أو المذهبية فهي لا تُمثّل هويّته الرسمية التي بها ينتمي إلى بلده أو قوميّته. إن الهوية الرسمية للدولة يجب أن تكون جامعة واضعة في الإعتبار جميع القوميات والثقافات لهذه الأمة, وقد اتى سفر "صارمين" الذي نحن بصدده ومن نحى نحوه ليُعضّد هذا المقول .
أخيراً, نحن نعيش في زمان ترهّلت فيه كل القيم وأصبحت المُثُل والأخلاق عبارة عن تفاهات تُشاد عليها معتقدات زائفة لترميم ما أحدثته شروخ الزمان وأكاذيب النُّخَب .
الثبت التعريفــــي
• الهويّة Identity : هو مصطلح يُستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات (كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية), يُستخدم المصطلح خصوصاً في علم الإجتماع وعلم النفس, وتلتفت إليه الأنظار بشكل كبير في علم النفس الإجتماعي. جاء مصطلح الهوية في اللغة العربية من كلمة : هو . فالهوية هي مجمل السّمات التي تميّز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدّة عناصر في هويّته, عناصر الهويّة هي شيئ متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معيّنة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى. الهوية الشخصية تُعَرِّفْ شخصاً بشكله وإسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده. الهوية الجمعية (وطنية أو قومية) تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر, تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة, وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة, أهمها إشتراك الشعب أو المجموعة في : الأرض, اللغة, التاريخ, الحضارة, الثقافة, الطموح وغيرها. عدد من الهُويّات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ, وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيّرات تاريخية سرّعت في تبلور المجموعة. قسم من الهويّات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى الهوية وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية .
• الدين Religion : الدين في اللغة, العادة, والحال, والسيرة, والسياسة, والرأي, والحكم, والطاعة والجزاء, ومنه : (مَالِكِ يَوْمِ الْدِّيْنِ ), وكما تدين تدان . ويُطْلَق الدين عند فلاسفتنا القدماء على وضع إلهي يسوق ذوي العقول إلى الخير. والفرق بين الدين والملّة والمذهب, أن الشريعة من حيث أنها مطاعة تُسَمّى ديناً, ومن حيث أنها جامعة تسمّى ملّة, ومن حيث أنها يُرجَع إليها تُسمّى مذهباً. وقيل: الفرق بين الدين, والملّة, والمذهب, أن الدين منسوب إلى الله تعالى, والملّة منسوبة إلى الرسول, والمذهب منسوب إلى المجتهد. وكثيراً ما تُسْتَعْمَل هذه الألفاظ بعضها مكان بعض .
• الثيوقراطية Theocracy: نظام حكم يمنح الكهنة ورجال الدين نفوذاً سائداً في الحكم والسلطة, لذلك يُلَقّبْ بالحكومة الدينية أو الحكومة الكهنوتية. في الحكومة الثيوقراطية يكون الحاكم مفوّض سماوي, وبالتالي يستمد سلطته من الإله, أما بقية الطبقات الحاكمة فتتكون من مجموعة من الرجال الذين يمتثلون لتعاليم الإله وينشرون تشريعاته السماوية, وتعتبر الحضارات القديمة مثالا واضحاً للحكم الثيوقراطي.
• التناقض Contradiction : نقض الشيئ أفسده بعد إحكامه, ونقض اليمين أو العهد نكثه, ونقض ما أبرمه فلان أبطله, وناقض في قوله مناقضة, تكلم بما يخالف معناه, وناقض غيره: خالفه وعارضه. وتناقض القولان: تخالفا وتعارضا, والكلام المتناقض هو الذي يكون بعضه مقتضياً إبطال بعض .
• القومية Nationality : القوم في اللغة: الجماعة من الناس تجمعهم جامعة يقومون لها. والقوم في الإصطلاح : الجماعة من الناس تؤلف بينهم وحدة اللغة, والتقاليد الإجتماعية, وأصول الثقافة, وأسباب المصالح المشتركة. ويرادفه لفظ الأمة (Nation), وهي مجموع الأفراد الذين يؤلفون وحدة سياسية تقوم على وحدة الوطن, والتاريخ, والآلام, والآمال.
• الأمة (Nation) : هي مصطلح قانوني وسياسي, هي عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط مُعيّنة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس أو الدين..من ناحية, والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى. ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي مُعيّن, وتشمل الأمة أموات الشعب والأجيال التي ستأتي في المستقبل .
• الأقلية Minority(1):- مجموعة من مواطني دولة ما, تختلف عن أغلبية المواطنين في الجنس أو الدين أو اللغة أو الثقافة, مع شعورها بالتهميش والإستهداف من غيرها .
• الأقلية Minority(2):- هي كل جماعة لها أصل عنصري ثابت وتقاليد دينية ولغوية, وهي الصفات التي تختلف بصفة واضحة عن بقية الشعب الذي تعيش فيه. ويجب أن يكون عددها كافيا للمحافظة على تلك التقاليد والخصائص, كما يجب أن تدين بالولاء للدولة التي تتمتع بجنسيتها .
• الوعي الجماعي أو الضمير الجمعي Collective Conscience: هو مصطلح في علم النفس أبتكر من قبل عالم الإجتماع الفرنسي إميل دوركايم (1858-1917م) ليشير إلى المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة والتي تعمل كقوة للتوحيد داخل المجتمع .
• العقل الجمعي Collective Mind: (أو ما يُعرف بالأثر الإجتماعي المعلوماتي أيضا) ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة مُعيّنة تعكس سلوكاً صحيحاً. ويتجلّى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضاً إجتماعياً, وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب, وبدافع إفتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة. تعتبر ظاهرة العقل الجمعي هي أحد أشكال الإنصياع والإذعان, فعندما يفقد الفرد قدرته على إتخاذ موقف من أمر مُعيّن, يلجأ إلى الآخرين بحثاً عن مؤشرات وعن القرار الصحيح والموقف المناسب. عندما ننصاع بسبب أننا نؤمن أن تفسير الآخرين لهذا الموقف الغامض هو أكثر صواباً مما قد نختاره بأنفسنا, وسوف يساعدنا في تحديد ردة الفعل المناسبة. فهذا بسبب التأثير الإجتماعي المعلوماتي .
• الإيديولوجيا Ideology: مصطلح يوناني معناه الحرفي علم الأفكار, والإيديولوجيا هي عبارة عن منظومة فكرية متكاملة تلمس كافة جوانب الحياة, منظومة متماسكة من الآراء والعقائد التي يؤمن بها شعب أو حزب أو جماعة, تحدد لهم كيفية التصرف في كل أمور الحياة, السياسية والدينية والإجتماعية, كما تطمح للإنتشار وتغيير العالم من خلال مبادئها وقناعاتها التي تروج لها.
• العلمانية Secularism: هي فلسفة تهدف إلى تهميش وإقصاء الدين من المجتمع, وتدعو إلى الإعتماد على العقل والقوانين والعلم في كافة أمور الحياة, والتركيز على الأمور الدنيوية والتعاطي معها بالمنطق العلمي, أي بالعقل والدلائل والبراهين والأسباب, كما تعتبر الدين من الأمر الغيبية التي لا ينبغي الإعتماد عليها. ولهذا تنادي بفصل الدين عن الدولة, وترفض تدخل رجال الدين في عالم الإقتصاد والسياسة وحتى قضايا المجتمع, ولذلك تُعرف بالدنيوية أو اللا دينية.
• الراديكالية Radicalism: مذهب سياسي يهدف إلى إحداث تغيير جذري وشامل في كافة النواحي, ليس في الجانب السياسي فقط, وتشير أيضا إلى التمسك بالجذور والأصول بدرجة متشددة, وذلك عندما يتم ربطها بالدين يتغيّر المفهوم كليّاً, ونصبح أمام حالة تعصّب من الدرجة الأولى تصل للتطرف والإرهاب, ويصبح فيها سحق الآخر أمر مقبول تماماً .
• الفاشية Fascism : نظام سياسي شمولي متطرف, يسعى لتمجيد الدولة ورفع شأنها ولو على حساب مواطنيها, تتسم الفاشية بالديكتاتورية والإستبداد وقمع الحريات, حيث تتدخل بكافة تفاصيل الحياة, تتحكم بالإعلام والإقتصاد بل وحتى بالأمور الإجتماعية والدينية. في النظام الفاشي لا حقوق للأفراد ولا وجود للحريات الشخصية, وغالباً ما يقوم النظام بخلق عدو خارجي وهمي لزرع الخوف في نفوس المواطنين, بهدف توحيد صفوفهم لصالحه وضمان طاعتهم للأبد .
• الديستوبيا Dystopia: ديستوبيا تعني مجتمع غير فاضل تسوده الفوضى, عالم وهمي ليس للخير فيه مكان, يحكمه الشر المطلق, ومن أبرز ملامحه الخراب والقتل والقمع والفقر والمرض, بإختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته, يتحول فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً.
• الأوتوقراطية Autocracy : (مصطلح يوناني يعني الحاكم الفرد, وسياسياً يشير إلى نظام حكم مستبد, يكون فيه الحكم والسلطة بشكل كامل بيد الحاكم فقط, فينفرد بوضع الخطط والسياسات وإتخاذ القرارات, وبغض النظر تماماً عن الحكومة. بإختصار يكون هو الآمر والناهي وعلى الحكومة والشعب الطاعة وتنفيذ الوامر, ويصل هذا الحاكم للحكم بالتعيين أو(الإنقلاب), لا بالإنتخاب.
ثبت المراجع
الكتب
د.عبد الله ميرغني صالح صارمين أثر التنمية على التعايش السلمي والإستقرار في جبال النوبة – الناشر كادوقلي عاصمة للتراث السوداني
فرانز فانون بشرة سوداء أقنعة بيضاء – دار الفارابي للنشر
د. الباقر العفيف وجوه خلف الحرب – الهوية والنزاعات الأهلية في السودان – دار مدارك الطبعة الثالثة 2011م
غسان علي عثمان الهوية السودانية – تفكيك المقولات الفاسدة – الطبعة الأولى 2015م
ج. سبنسر تريمنجهام ترجمة: فؤاد محمد عكود الإسلام في السودان– المشروع القومي للترجمة
ديفيد ماك كرون
ترجمة: سامي خشبة علم إجتماع القومية – الناشر المركز القومي للترجمة
بندكت أندرسن
ترجمة: ثائر ديب الجماعات المتخيلة – تأملات في أصل القومية وإنتشارها - المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
د. جميل صليبا المعجم الفلسفي – دار الكتاب اللبناني
mohamedmosa.imam72@gmail.com
/////////////////////////////
يمكننا القول إن كتاب الباحث عبدالله ميرغني صالح صارمين أتى ليؤكد بكثير من الكثافة الإقرار السابق . يتعلق الامر بـ"أثر التنمية على التعايش السلمي والاستقرار في جبال النوبة " الذي صدر عن, كادوقلي عاصمة للتراث السوداني 2015م. فماذا يكشف لنا هذا المؤلف ؟
منذ البداية, يثير الباحث الانتباه إلى أن ما بين دفتي هذا الكتاب يتضمن من الفصول المتمايزة لجهة محتواها المباشر, نفس ما يتضمنه من الفصول المتضامنة والمتكاملة لجهة طبيعتها. أما الحقل الذي تتجه اليه هو التاريخي الاجتماعي .
يحتوي الكتاب على 296 صفحة من القطع المتوسط, تتقاسمها أربعة فصول مع مقدمات أولية وخاتمة, اضافة الى بيبليوغرافيا دسمة تنهل من مختلف المراجع, وخلاصات مطوّلة في نهاية كل فصل, وتقارير استراتيجية موثقة صادرة من مؤسسات دولية واقليمية .
يرى الكاتب في مقدمته "ان غياب التنمية المتوازنة والاحساس بالتهميش أسباب رئيسية في أزمة جبال النوبة وصراعها مع المركز... فالتنمية تعني التدخل الايجابي للفرد والدولة بالدفع والخطط المدعومة بالاهداف والاستراتيجيات لتحقيق الرفاهية". الا ان القارئ الثاقب لا يفوته ان يلحظ ذلك الحجاج المستبطن داخل الخيط الناظم لهذا النص. بهذه الكلمات المفتاحية جعلنا الكاتب ندخل مباشرة لمشروعه المؤسس لفهم التمظهرات العنصرية في المجتمع السوداني وتحليلها داخل قالب ايديولوجي صارم كان سببا في الأزمة السودانية منذ نشأة الدولة السودانية الحديثة , انها منظومة الاسلمة والتعريب, وهذا ما سيتمظهر تدريجيا خلال النصوص التي تأتي تباعا. ومع ذلك فان مشروع "صارمين" لن يتأتى ادراكه بسهولة وللوهلة الاولى بمجرد قراءة هذا المقطع . يتوجب لذلك اجتياز متأنٍ لفصول الكتاب الاربعة , وخاتمة بمثابة فصل خامس لطولها وعمقها حتى نتمكن من الاخذ بتلابيب ومجاميع مشروع "صارمين" .
في كل فصل, بل في كل مقطع, يتعلق الامر –حسب تعبيرات الكاتب- بالاحاطة في واقع الامر, بواقع منفلت, واقع مسكوت عنه دهوراً, اللاّ مُفكّر فيه واللاّ مُفصَح عنه, وبكلمة واحدة : سلسلة من "التابوهات" وعلى الرغم مما تتمايز به من حركية فاعلية داخل المجتمع, فانها - أي العنصرية - لا زالت تحجبها جدران سميكة من الصمت العجيب .
فما هي هذه القضايا التي من شأن الكشف عنها , يُعد بلورة واعداد انثروبولوجيا سودانية خاصة عن ابستيمولوجيا اجتماعية ؟
نتناول محاور الكتاب حسب محتوياته التي وضعنا بين قوسين وصفا دقيقا لمحتواها المسكوت عنه, الذي لم يُشِرْ اليه الكاتب بصورة مباشرة .
الفصل الاول : جبال النوبة الواقع الاجتماعي والتطور التاريخي ... (الاستلاب)
الفصل الثاني : السياسة الاقتصادية بالمنطقة ... (التهميش)
الفصل الثالث : الحركة الفكرية والسياسية بجبال النوبة وأثرها على التعايش السلمي ... (المقاومة)
الفصل الرابع : اتفاقيات السلام وقضايا التنمية والتعايش السلمي ... (نقض العهود)
الخاتمة : (في انتظار الذي يأتي .. ولا يأتي)
اخيراً, نجد حديثا مستفيضا عن هذا المفهوم الذي عنون به "صارمين" مؤلفه " أثر التنمية على التعايش السلمي والاستقرار في جبال النوبة " , وكأي مفهوم, فان كتاب صارمين لا يحيد على واقع او واقعة بعينها, بل الى تلك الحالة العامة التي قد لا توجد في اي مكان, وبكل حذافيرها , قد توجد في اي مكان دون استثناء .
انه النموذج المثالي - على طريقة "صارمين" – يُجرّد على مستوى الفهم واقعاً من التصوّرات والسلوكيات المهمّشة داخل المجتمع السوداني .
الاستلاب .. وسؤال الكينونة
لقد ابتدر الكاتب فصله الاول بشرح وافٍ دقيق يبيّن فيه جغرافية جبال النوبة, والتركيبة السكانية والاثنية وتداخل مجموعة القبائل العربية مع مجموعة النوبة وذلك باسهاب, فعرّف القبيلة بأنها ".. هي الوحدة الاجتماعية الاساسية التي يقوم عليها المجتمع, وكان المجتمع في صورته البسيطة يستند على العصبية وهي تعني الالتصاق بالقبيلة وتنفيذ امرها ..." ويستطرد الكاتب " ويعتبر السودان من الدول المتأثرة بالنزاعات القبلية وذلك نسبة للتنوع الثقافي والاثني الذي يزخر به السودان ... لذلك فان التعايش السلمي يظل هدفا استراتيجياً في كل المناطق التي تتميز فيها الخارطة السكانية والسياسية بالتعددية العرقية اللغوية والدينية والجهوية " اهـ. بعد هذا التعريف الموجز ينتقل الكاتب ليُبرز المؤثرات الثقافية والدينية التي اعترت المنطقة وزعزعت كيان القبيلة الساكنة, بقوله ".. وقد تباينت العوامل التي دفعت بالمؤثر العربي الى بلاد السودان ما بين عوامل اقتصادية وسياسية وعسكرية, ولقد اتسع مدى المؤثر العربي بظهور الاسلام الذي عظم امره (...) وقد كان اول صدام بين النوبة عام 641 والثاني 651 حيث اظهر النوبة مقاومة عنيفة للمسلمين الفاتحين انتهت بابرام اتفاقية (البقط) المشهورة التي اهتمت بوضع حد لهجمات النوبة. " اهـ .
يشير الكاتب فيما بين السطور الى مسألة الاستلاب التي تعرض لها السودانيون عموما بعد المد العروبي ذي النزعة الاسلامية والتي اثّرت بوجه خاص على ساكنة جبال النوبة . اذ نجد أن الوعي/العقل الجمعي السوداني بدأ يتجه بقوة نحو الإتجاه الديني الإسلامي, دون وضع أي إعتبار للإختلاف والتغاير الإثني والتعدد الثقافي في البلاد, بل والأقسى من ذلك, إقصاء فئات من المجتمع على إعتبار أنها (أقلية) غير ذات جدوى أو على أحسن تعبير, عليها أن تتماهى مع (الأغلبية) المتمثّلة في الإنسان الشمالي, العربي- بالضرورة - المسلم, وقد كرّست النّخب السياسية المتعاقبة هذا المبدأ وعملت به. وبذلك تم إجهاض الفكرة الأساسية لبناء المدينة/الدولة التي من المفاهيم الأساسية لقيامها, أنها تقبل وتحتضن بداخلها المختلفين, بصرف النظر عن ماهية أو كُنه هذا الإختلاف. إن عملية قبول الآخر المغاير عنّا ثقافياً وعرقياً تتطلّب (كمرحلة) , التوقّف عند نقطة (التحوّل) للإنتقال من (القبيلة) إلى (المدينة) والتي تُعتبر مرحلة قاسية, ولكن هذه هي سُنّة الحياة . إن فكرة القبول بالعيش مع الآخرين (قسراً) تُجهض مبدأ التعايش السلمي المُعلن عنه والذي تبنّاه "صارمين" في سِفْرِهِ, وتُصبح أقرب منه معنى إلى مفهوم التعايش المُشترك, لأن تعرّض منطقة ما لهجرات من الخارج تجعلها تتحوّل من قرية صغيرة ذات خصوصية وطابع محلّي تخضع لقانون القبيلة – الذي تحدث عنه الكاتب - إلى (مدينة) كبيرة حاضنة جامعة تخضع لقوانين وأشراط المدينة بأن تقبل وتحتضن المختلفين بكل ما تحمله كلمة الإختلاف والتغاير من معنى.
التهميش .. وسؤال (النَحْن)
يقول "صارمين", ".. في مطلع القرن السادس عشر ربما بعد مولد مملكة الفونج جاء الى تقلي احد الفقراء يُسمّى محمد الجعلي قادماً من ديار الجعليين في الشمال, ولم يطل المقام بهذا الغريب حتى اجتذب قلوب الوطنيين بطيب معشره وحسن اخلاقه وشدة ورعه وتقواه, فأحبّوه واحسنوا وفادته, وكان لسلوك الغريب العاقل هذا وقع حسن على زعيم القبيلة (كبر كبر) فزوّجه من ابنته في نحو 1540م " اهـ. ان مسألة (الغريب الحكيم) تنقلنا الى مرحلة مفصلية في تناولنا لسفر "صارمين" ان لم يكن منعطفاً حاداً في زاوية الرؤية. نقرأ من خلال النصوص وما بين السطور – اللاّ مُصَرّحْ به عَلَناً - ان أزمة الهوية تبدأ عندما يأتي وافد ما إلى بقعة جغرافية ما ليستغلّها ويعيش فيها, ثم بعد فترة من الزمان يُصبح هذا الوافد هو (سيّد) المكان , أما السكان الأصليون فيصبحون هم الغرباء, فيبدؤن في البحث عن صيغة جديدة للتعامل والتفاهم مع هذا (السيّد). فلا يجدون صيغة للتفاهم والتعامل معه غير تعلّم لغته وعاداته لتصبح حياتهم فيما بعد مقلوبة قسراً, لغتهم ودينهم وعاداتهم هي لغة ودين وعادات هذا الوافد, دون ان ينالوا رضا هذا (السيّد) المتطلّب فيندغمون في التماهي فيه إلى درجة محاولة تغيير شكلهم ولونهم . وهذا ما نسميه بالاستلاب الهُوِيّاتي , اذْ هناك عدة تساؤلات تُطرح أثناء تقصّي درب الهُوية, من ضمنها السؤال المشروع (من نحن؟) والذي بدوره يُحيلنا إلى عدّة تساؤلات وإسقاطات مفاهيمية أخرى, مثل, هل المقصود بالسؤال (نحن السودانيون؟) أم المقصود نحن كـ(أمة) مجتمعة نُشكّل جنسية ما (مُتخيّلة) نُعرّف عن أنفسنا بها ونتنادى عبرها؟ . لقد تهافتت النُّخب السياسية السودانية وراء شعارات أيديولوجية كـ(الأمة السودانية) و(القومية السودانية) غير مدركين لفخ مجانية هذه الشعارات التي لم يتم التمهيد لها على أرض الواقع المجتمعي كما لم يُهَيّأ لها الوعي الجمعي Conscience Collective لتتقبّله الإرادة العامة وتعمل وفقاً له. إن التساؤل الأهم الذي يجب طرحه والإعتناء به هو: كيف يتأسس الإنتماء لأمة بوصفه شكلاً سياسياً وثقافياً في قالب ما؟ لأن الأمة هي جماعة مُتخيّلة ينحصر تواجدها الفعلي في العقل الجمعي لأفراد المجتمع الذين يؤلفون وحدة سياسية تقوم على وحدة الوطن والتاريخ والهم المشترك, والذي يرادفه لفظ القومية الذي يقوم على ترابط وحدة اللغة والتقاليد الإجتماعية وأصول الثقافة وتوفر أسباب المصالح المشتركة.
إن إحتكار النُّخَب المتعاقبة – الشمالية - على سُدّة الحكم في السودان خلق نمطاً من التفكير الإقصائي لديها, والذي أدّى بدوره إلى أن يتحلّى القائد منهم بصفة الإنسان ذي البُعد الواحد one dimensional man التي مفادها أن موارد النقد تجاهه قد إضمحلّت إلى حد إختفت فيه عملياً إمكانية تصوّر مستقبل مختلف وأفضل, فقاد هذا التصوّر المسبق إلى إنتهاج أسلوب من العنف غير مبرر تجاه الأقليات بالبلاد وذلك لإخراس الأصوات المناوئة للنظام الفاشي, - جبال النوبة نموذجاً - فخلق حالة من الديستوبيا تفشّى على مستوى القُطر, مما أدى إلى ظهور قاموس جديد في الساحة السياسية والثقافية متمثّلة في الكلمات التي تتعلّق بـ"التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية" – دارفور نموذج - وهي عبارات جديدة لفكرة قديمة.
إن النزعة القومية في السودان مليئة بالأفخاخ المنصوبة على الشكل الثقافي – كالأسلمة والتعريب – الدين واللغة. لقد تم إجتذاب الإنسان السوداني/الإفريقي نحو حضارة غريبة عنه, الذي لم تكن ثقافته وقد تكيّفت معها بعد .
مبدأ المقاومة .. ونقض العهود
في هذا الباب الاخير, الذي يربو عن الستين صفحة, تناول فيه الكاتب جميع الاتفاقيات المبرمة بين جميع اطراف النزاع , كما فنّد فيه الكاتب البرتكولات والوساطات الدولية واسباب اندلاع الازمات. الا اننا منذ المبتدأ وفي صدر الباب الرابع نجد ان الكاتب قد حسم امره وختم سِفره, في فقرتين لا ثالث لهما تغنيان عن متابعة وتكملة الباب, اذ يقول : "بسبب الحرب والسياسات الحكومية تحوّلت بعض قبائل النوبة الى نازحة في بعض مدن الشمال والوسط, وتنامى احساس الطرفين (البقارة والنوبة) ان الجلاّبة الاغنياء بالاضافة الى القادمين من خارج المنطقة هم المستفيدون من هذه الحرب بينما سكان المنطقة الباقون دوماً يعانون ويقاسون " فبهذه الكلمات اكّد الكاتب زعمنا للازمة المتمثلة في الاستلاب وقضية التهميش التي بنينا عليها فرضياتنا, وما نقض العهود الا نتيجة طبيعية لشريحة جُبِلت على الاخذ دون العطاء. فاستطرد "صارمين" في بحثه يقول بـ"رغم النجاحات التي حققتها الاتفاقيات الماضية الا ان الاطراف الموقعة فشلت في المحافظة عليها (...) كانت هذه الاتفاقيات لا تتفق مع الاهداف الكلية للطرفين الرئيسيين في الحرب " اهـ . نستطيع من خلال هذه الفقرات المفتاحية في الباب الرابع نستخلص ان اُسْ المشكلة تتمحور في ازمة ثقة بين جميع الاطرف , سواء بين حركات المقاومة في جبال النوبة والحكومة او بين النوبة القادمين من خارج المنطقة .
كالخاتمة .. او في انتظار الذي يأتي ولا يأتي
قبل الختام, نود الإشارة إلى انه مهما كان الامر, فاننا نعيش الآن حداثة معاقة ومبتسرة, كما أننا نعيش في ذات الوقت إسلام معاق ومشوّه إلى أبعد الحدود. إذ أن الحياة ليست تجربة دينية فقط, إننا بنينا مجتمعاً على أساس ديني, فالدين لا يمكن أن يكون عاملاً لتوحيد الأمم والشعوب ولا يمكن أن يكون سمة لهوية ما. إن هويّة أي أمة ما يجب أن تكون جامعة لمختلف قومياتها وثقافاتها. إذ السودان يُعتبر من البلدان المتعددة القوميات. فمن حق أي مواطن أن يكون ما يكون, بصرف النظر عن ماهيّة إعتقاده أو إنتماءاته العقدية أو المذهبية فهي لا تُمثّل هويّته الرسمية التي بها ينتمي إلى بلده أو قوميّته. إن الهوية الرسمية للدولة يجب أن تكون جامعة واضعة في الإعتبار جميع القوميات والثقافات لهذه الأمة, وقد اتى سفر "صارمين" الذي نحن بصدده ومن نحى نحوه ليُعضّد هذا المقول .
أخيراً, نحن نعيش في زمان ترهّلت فيه كل القيم وأصبحت المُثُل والأخلاق عبارة عن تفاهات تُشاد عليها معتقدات زائفة لترميم ما أحدثته شروخ الزمان وأكاذيب النُّخَب .
الثبت التعريفــــي
• الهويّة Identity : هو مصطلح يُستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات (كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية), يُستخدم المصطلح خصوصاً في علم الإجتماع وعلم النفس, وتلتفت إليه الأنظار بشكل كبير في علم النفس الإجتماعي. جاء مصطلح الهوية في اللغة العربية من كلمة : هو . فالهوية هي مجمل السّمات التي تميّز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدّة عناصر في هويّته, عناصر الهويّة هي شيئ متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معيّنة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى. الهوية الشخصية تُعَرِّفْ شخصاً بشكله وإسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده. الهوية الجمعية (وطنية أو قومية) تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر, تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة, وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة, أهمها إشتراك الشعب أو المجموعة في : الأرض, اللغة, التاريخ, الحضارة, الثقافة, الطموح وغيرها. عدد من الهُويّات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ, وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيّرات تاريخية سرّعت في تبلور المجموعة. قسم من الهويّات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى الهوية وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية .
• الدين Religion : الدين في اللغة, العادة, والحال, والسيرة, والسياسة, والرأي, والحكم, والطاعة والجزاء, ومنه : (مَالِكِ يَوْمِ الْدِّيْنِ ), وكما تدين تدان . ويُطْلَق الدين عند فلاسفتنا القدماء على وضع إلهي يسوق ذوي العقول إلى الخير. والفرق بين الدين والملّة والمذهب, أن الشريعة من حيث أنها مطاعة تُسَمّى ديناً, ومن حيث أنها جامعة تسمّى ملّة, ومن حيث أنها يُرجَع إليها تُسمّى مذهباً. وقيل: الفرق بين الدين, والملّة, والمذهب, أن الدين منسوب إلى الله تعالى, والملّة منسوبة إلى الرسول, والمذهب منسوب إلى المجتهد. وكثيراً ما تُسْتَعْمَل هذه الألفاظ بعضها مكان بعض .
• الثيوقراطية Theocracy: نظام حكم يمنح الكهنة ورجال الدين نفوذاً سائداً في الحكم والسلطة, لذلك يُلَقّبْ بالحكومة الدينية أو الحكومة الكهنوتية. في الحكومة الثيوقراطية يكون الحاكم مفوّض سماوي, وبالتالي يستمد سلطته من الإله, أما بقية الطبقات الحاكمة فتتكون من مجموعة من الرجال الذين يمتثلون لتعاليم الإله وينشرون تشريعاته السماوية, وتعتبر الحضارات القديمة مثالا واضحاً للحكم الثيوقراطي.
• التناقض Contradiction : نقض الشيئ أفسده بعد إحكامه, ونقض اليمين أو العهد نكثه, ونقض ما أبرمه فلان أبطله, وناقض في قوله مناقضة, تكلم بما يخالف معناه, وناقض غيره: خالفه وعارضه. وتناقض القولان: تخالفا وتعارضا, والكلام المتناقض هو الذي يكون بعضه مقتضياً إبطال بعض .
• القومية Nationality : القوم في اللغة: الجماعة من الناس تجمعهم جامعة يقومون لها. والقوم في الإصطلاح : الجماعة من الناس تؤلف بينهم وحدة اللغة, والتقاليد الإجتماعية, وأصول الثقافة, وأسباب المصالح المشتركة. ويرادفه لفظ الأمة (Nation), وهي مجموع الأفراد الذين يؤلفون وحدة سياسية تقوم على وحدة الوطن, والتاريخ, والآلام, والآمال.
• الأمة (Nation) : هي مصطلح قانوني وسياسي, هي عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط مُعيّنة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس أو الدين..من ناحية, والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى. ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي مُعيّن, وتشمل الأمة أموات الشعب والأجيال التي ستأتي في المستقبل .
• الأقلية Minority(1):- مجموعة من مواطني دولة ما, تختلف عن أغلبية المواطنين في الجنس أو الدين أو اللغة أو الثقافة, مع شعورها بالتهميش والإستهداف من غيرها .
• الأقلية Minority(2):- هي كل جماعة لها أصل عنصري ثابت وتقاليد دينية ولغوية, وهي الصفات التي تختلف بصفة واضحة عن بقية الشعب الذي تعيش فيه. ويجب أن يكون عددها كافيا للمحافظة على تلك التقاليد والخصائص, كما يجب أن تدين بالولاء للدولة التي تتمتع بجنسيتها .
• الوعي الجماعي أو الضمير الجمعي Collective Conscience: هو مصطلح في علم النفس أبتكر من قبل عالم الإجتماع الفرنسي إميل دوركايم (1858-1917م) ليشير إلى المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة والتي تعمل كقوة للتوحيد داخل المجتمع .
• العقل الجمعي Collective Mind: (أو ما يُعرف بالأثر الإجتماعي المعلوماتي أيضا) ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة مُعيّنة تعكس سلوكاً صحيحاً. ويتجلّى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضاً إجتماعياً, وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب, وبدافع إفتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة. تعتبر ظاهرة العقل الجمعي هي أحد أشكال الإنصياع والإذعان, فعندما يفقد الفرد قدرته على إتخاذ موقف من أمر مُعيّن, يلجأ إلى الآخرين بحثاً عن مؤشرات وعن القرار الصحيح والموقف المناسب. عندما ننصاع بسبب أننا نؤمن أن تفسير الآخرين لهذا الموقف الغامض هو أكثر صواباً مما قد نختاره بأنفسنا, وسوف يساعدنا في تحديد ردة الفعل المناسبة. فهذا بسبب التأثير الإجتماعي المعلوماتي .
• الإيديولوجيا Ideology: مصطلح يوناني معناه الحرفي علم الأفكار, والإيديولوجيا هي عبارة عن منظومة فكرية متكاملة تلمس كافة جوانب الحياة, منظومة متماسكة من الآراء والعقائد التي يؤمن بها شعب أو حزب أو جماعة, تحدد لهم كيفية التصرف في كل أمور الحياة, السياسية والدينية والإجتماعية, كما تطمح للإنتشار وتغيير العالم من خلال مبادئها وقناعاتها التي تروج لها.
• العلمانية Secularism: هي فلسفة تهدف إلى تهميش وإقصاء الدين من المجتمع, وتدعو إلى الإعتماد على العقل والقوانين والعلم في كافة أمور الحياة, والتركيز على الأمور الدنيوية والتعاطي معها بالمنطق العلمي, أي بالعقل والدلائل والبراهين والأسباب, كما تعتبر الدين من الأمر الغيبية التي لا ينبغي الإعتماد عليها. ولهذا تنادي بفصل الدين عن الدولة, وترفض تدخل رجال الدين في عالم الإقتصاد والسياسة وحتى قضايا المجتمع, ولذلك تُعرف بالدنيوية أو اللا دينية.
• الراديكالية Radicalism: مذهب سياسي يهدف إلى إحداث تغيير جذري وشامل في كافة النواحي, ليس في الجانب السياسي فقط, وتشير أيضا إلى التمسك بالجذور والأصول بدرجة متشددة, وذلك عندما يتم ربطها بالدين يتغيّر المفهوم كليّاً, ونصبح أمام حالة تعصّب من الدرجة الأولى تصل للتطرف والإرهاب, ويصبح فيها سحق الآخر أمر مقبول تماماً .
• الفاشية Fascism : نظام سياسي شمولي متطرف, يسعى لتمجيد الدولة ورفع شأنها ولو على حساب مواطنيها, تتسم الفاشية بالديكتاتورية والإستبداد وقمع الحريات, حيث تتدخل بكافة تفاصيل الحياة, تتحكم بالإعلام والإقتصاد بل وحتى بالأمور الإجتماعية والدينية. في النظام الفاشي لا حقوق للأفراد ولا وجود للحريات الشخصية, وغالباً ما يقوم النظام بخلق عدو خارجي وهمي لزرع الخوف في نفوس المواطنين, بهدف توحيد صفوفهم لصالحه وضمان طاعتهم للأبد .
• الديستوبيا Dystopia: ديستوبيا تعني مجتمع غير فاضل تسوده الفوضى, عالم وهمي ليس للخير فيه مكان, يحكمه الشر المطلق, ومن أبرز ملامحه الخراب والقتل والقمع والفقر والمرض, بإختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته, يتحول فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً.
• الأوتوقراطية Autocracy : (مصطلح يوناني يعني الحاكم الفرد, وسياسياً يشير إلى نظام حكم مستبد, يكون فيه الحكم والسلطة بشكل كامل بيد الحاكم فقط, فينفرد بوضع الخطط والسياسات وإتخاذ القرارات, وبغض النظر تماماً عن الحكومة. بإختصار يكون هو الآمر والناهي وعلى الحكومة والشعب الطاعة وتنفيذ الوامر, ويصل هذا الحاكم للحكم بالتعيين أو(الإنقلاب), لا بالإنتخاب.
ثبت المراجع
الكتب
د.عبد الله ميرغني صالح صارمين أثر التنمية على التعايش السلمي والإستقرار في جبال النوبة – الناشر كادوقلي عاصمة للتراث السوداني
فرانز فانون بشرة سوداء أقنعة بيضاء – دار الفارابي للنشر
د. الباقر العفيف وجوه خلف الحرب – الهوية والنزاعات الأهلية في السودان – دار مدارك الطبعة الثالثة 2011م
غسان علي عثمان الهوية السودانية – تفكيك المقولات الفاسدة – الطبعة الأولى 2015م
ج. سبنسر تريمنجهام ترجمة: فؤاد محمد عكود الإسلام في السودان– المشروع القومي للترجمة
ديفيد ماك كرون
ترجمة: سامي خشبة علم إجتماع القومية – الناشر المركز القومي للترجمة
بندكت أندرسن
ترجمة: ثائر ديب الجماعات المتخيلة – تأملات في أصل القومية وإنتشارها - المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
د. جميل صليبا المعجم الفلسفي – دار الكتاب اللبناني
mohamedmosa.imam72@gmail.com
/////////////////////////////