أسامة براءة: فارقنا حبيب الروح!

 


 

 

وصلني الخبر المفجع برحيل ابن عمي أسامة يسن حاج الخضر علي كمير صباح يوم الأحد، 28 نوفمبر، ولحظتها كان الصقيع قد بدأ يصب علينا غامرا الأرض ببياض ناصع. اللهم أنزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور، وأكرم نزله، ووسع مدخله وأغسله بالماء والثلج والبرد.

لم يكن أسامة ابن عمي فحسب، فقد كان صديق العمر وحبيب الروح، رغم انه أصغر مني عمرا ببضع سنوات، كان هو الرفيق الوفي ونعم الصديق السخي، يخفي صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه . كنا لا نفترق لا في الفرح أو الكره، وكان يقود خلية صداقة بين اولاد العم والخال، فهو متلقي الاخبار ومخطط الزيارات الاسرية، خاصة اليوم الأول من عيدي الفطر والاضحى، رحلة نجوب خلالها كل أحياءالخرطوم بعد أن تفرق أبناء هذه المدينة وفروع أسرة آل كمير أيدي سبأ. وبلغة السياسة انتقل آل كمير وأهل الخرطوم القدامى من المركز إلى هامش المدينة الجغرافي!

فمنذ زمن الطفولة الباكر كنا نتجمع في صباح العيدين في حوش حاج الخضر بحي باريس ومن بعد الفطور تتوجه المجموعة إلى حديقة الحيوان جنينة النزهة، والتي أضحت أثرا بعد عين فلم تعد هناك حديقة ولا حيوان، بعد أن افترستها وحوش المال والتهمتها ضباع السياسة! ومن ثم نعدي النيل الازرق ب البنطون إلى جزيرة توتي نسرح في خضرتها وجمالها الأخاذ ونمرح في بساتين الجوافة والمانجو وتغوص أرجلنا في رمالها البيضاء التي تحيط بها أشجار الليمون. وكان أسامة ينظم رحلاتنا من حين إلى آخر إلى مزرعة عمي يسن حاج الخضر بوادي سيدنا.

وفي ريعان الشباب عشنا احلى لحظات عمرنا أيام الزمن الجميل في الخرطوم القديمة. ما كنا نعرف الناس من حولنا بانتماءاتهم القبلية ولم نكن نميز بين جعلي وشايقي او دنقلاوي وحلفاوي، أو هذا مسلم أم مسيحي.

فلم يكن احتفالنا بالعيدين فقط، بل كنا نحتفي بأعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية. فمنذ سبتمبر من كل عام كنا نجمع معلومات عن حفلات الأعياد حتى يستقر الرأي على مطرب معين او فرقة موسيقية، وبعضها يأتي من خارج السودان. هذه الحفلات كانت تقام بنوادي الجاليات (الكاثوليك، الأرمني، الاغريقي، السوري، العربي)، التي كان يحتضنها المجتمع السوداني في كل مدنه، والذين اصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي الذي يقبل الآخر ويتفاعل معة بإيجابية. في كل هذه الاحتفالات كان اسامة يسن هو النجم الملتمع و أيقونة المجموعة المختلطة، فاطلقت عليه حسناوات الخرطوم، من الحي وعبر شبكة علاقات الأسر الخرطومية الممتدة، اسم أسامة براءة. فقد كان وسيما، ووجيها انيقا، كما عمي يسن حاج الخضر، له ابتسامة عالقة على شفتيه ارتسمت على محياه، وامتزجت مع هدوء طبعه، مع سخرية كامنة يعبر عنها بنفس بارد كل ما جاء حينها.

بقدر ما أن رحيل أسامة براءة خسارة كبيرة للاسرة، فهو أيضا فقد عظيم لأهل الحي وشبابه. فقد كان اسامة هو العمدة والمرشد، و نوارة الحلة، الذي يقدم الاخرين على نفسه،   وبخصم من جل وقته بالمثابرة لحل مشاكل الاخرين، ويبذل قصارى جهده في خدمتهم، يحل الشبك ويفض الاشتباكات، إن كانت خصومات بسب العمل أو العلاقات الاجتماعية والاسرية، التي تمس أصحابه وحوارييه. فقد كان مناصر المظلومين، يصغي اليهم، ويتفهم مواقف خصومهم، ومن ثم يقول رأيه بشجاعة حتى يتوصل إلى انصافهم مع إرضاء الطرف الآخر.

أصيب أسامة بمرض لعين، سرطان المستقيم، ومكث بالقاهرة في جلسات علاجية متتالية لقرابة العام، منذ ديسمبر 2020 حتى قدر الله مغادرته لدنيانا في 28 نوفمبر 2021. الدوام لله والبقاء له وحده والله يرحم أسامة براءة ويغفر له ويتقبله قبولا حسنا.
تعازينا الحارة لرفيقة دربه إيمان جعفر بابكر جعفر، وابنتيه أمنية وآية، وولديه محمد ويسن. العزاء موصول ل: اخيه محمد يسن (بلسم الاسرة وعموم الاهل)،  شقيقات إيمان وشقيقيها، وياسمين ويسن (ابنة وابن شقيقه الراحل حمزة/سمير يسن)، وارملته انعام بنت عمي علي حاج الخضر، وشقيقاتها وأشقاءها، بنات عمتي سيدة حاج الخضر (سلوى وسهير وسلمى) وابناءها (عادل وعاصم/علام)، وابن عمتي بخيتة حاج الخضر (سامي). فاحر التعازي ل: سامي حسب الرسول (البطل)، عاصم صغيرون، عادل صغيرون، الفاتح محمد حاج الخضر كمير، حيدر ومعتصم ومعاوية علي حاج الخضر، عوض وعبد الحي على الله، حسين جعفر، محمد إسماعيل كمير، عصمت ميرغني كمير، وليد عثمان كمير، هاشم بشرى كمير، سيد حسن منياوي، سعد فيصل حسب الرسول، أمير صلاح حسب الرسول، بهاء برعي، أيمن حسن، مجدي مأمون حسب الرسول، وليد مأمون، الطيب ويوسف وحسب الرسول عباس، حسب الرسول مزمل، عمرو عزام كمير، وإلى حبوبتتا التومة حسنين وابنها صلاح.
ولا يفوتني تقديم أحر التعازي لمريدي وأصدقاء أسامة القدامى، والذين اضحوا اصحابنا أيضا نلتقيهم دوما (وليعذرني من فات علي اسمه سهوا): سامي الحكيم، الهادي واحمد البنا، خالد قنجاري، حسين وحسن بابكر، سامي الرهيف، عارف ومجاهد ميرغني النصري، حسام المصري، ابوبكر محمد ايراهبم (كولي)، مروان القوصي، بهاء الدين وبابكر برعي، عادل محمد يوسف، مرعي محجوب محمد احمد، الفاتح محمود علي ادريس، أسامة صديق (والمغفور له صديقنا الراحل فؤاد منصور).

والتعزية الحارة لكل أهل حي باريس.

اختم بعبارة كان يرددها أسامة في حقي. فبعد غياب امتد ل 15 عاما عن الوطن، منذ 1990 حتى عدت بعد اتفاقية السلام الشامل في 2005. لم يقصر الاحباب والصحاب في الاحتفاء بالعودة وتنظيم حفلات الغناء والطرب، وكان أسامة دوما معنا وما أن يتملك الطرب مسمعه ويمسك بطرفه يردد بصوت مسموع، على خلفية أداء المطربة أو المطرب، أنا بحب الواثق، وأنا بحب أسامة براءة، حبيب الروح وصديق العمر، الذي انسحب من حياتنا بهدوء رزانته وبراءاته المشهودة.

الواثق كمير
تورونتو، 30 نوفمبر 2021
/////////////////////

 

آراء