أعود مجدداً … بقلم: محمد محمد خير

 


 

 

 

أقاصي الدنيا

Sudaninexile195@hotmail.com

 

 

 

 

هل تشبه الكتابة حرب العصابات بقرينة الكر والفر؟ لا أملك إجابة واضحة ولكن نابهاً مثل الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي يعني بالثقل لا الخفة وبالسرديات الكبرى في الأدب والسياسة والتاريخ يخلد لإجازة سنوية فلا يسكب حبراً ولا يراه القارئ ربما لشهر ثم يعود بزي الألق والتوهج والإصابة والتحليق، غير ان توقفي عن الكتابة واحتجاب زاويتي (أقاصي الدنيا) لم يكن بسبب إجازة سنوية فأنا أؤمن بأن (ركّاب سرجين وقّيع) وقد كنت في الشهرين الماضيين أمتطي جواداً من (عد الفرسان) وإذا ركبت جواداً دارفورياً حق أن تكون على مستوى الخيل !

سئل أعرابي من دارفور عن سر هيجان فرسه وإطلاقه الصهيل دون مناسبة فقال بلهجة المسيرية والرزيقات المشتركة (الجواد يتبرطع مثل دا داير الموت والموت أنا ما لاقيتا لي رقبتي بلقاهو ليهو يين) !!

أن تكون جزءاً من مفاوضات تجرى بشأن دارفور فذلك يعني أن تتوقف عن أي شئ عليك أن (تنفض) عقلك ليكون تلميذاً مهما كان عقلك موئلاً لمعارف وثقافات عديدة وعليك ان تلغي عقلك في بعض الأحيان لتكون عاقلاً !!

كنت ذات مرة أتجول في معسكر (كلمة) جنوب نيالا بإذن وتزكية من شيخ من شيوخ الفور وعندما تحصل على إذن مثل هذا وتزكية متل تلك فأنت مبرأ من شبهة الجنجويد ومن ظلم الجلابة فإذن الشيخ قرار جمهوري غير قابل للمراجعة فالشيخ وعاء الحكمة ومستودع الأمان هو ألف الأمر وغيره طاء الطاعة. كان المعسكر يضج بالخواجات وكان الأطفال يتحلقون حولهم ويرددون (O.K)  وهذه هي الكلمة التي ترسم همزة الوصل الإغاثية بين الفرنجة وبينهم .. كنت ألمح قسمات رضا ذي (عولمة) في محيا الخواجات وتطلعات في أعين الآأطفال وحذر مشوب بالتوجس يهجس في وجوه الكبار، وحين انتهت (زفة الخواجات) رأيت رجلاً يضرب طفله بحرقة بالسوط ولما كنت أتمتع بالمرسوم الدستوري الفاعل من تزكية الشيخ سألت الرجل لماذا يضرب الطفل فقال وهو ما يزال يضربه (الولد بقول O.K)  !!

منذ ذلك الأوان أدركت أن الحل الأبدي لأزمة دارفور يكمن في استطاعات بمقدورها تفكيك بنية (O.K)  وكان أبو البنوية ليفي ستراوس وقتها على قيد الحياة !!

دارفور يسر معقّد وسهولة ممتنعة وفضاء بلا مدى هي كل ما أبدعه الخيال من مثل شعبي ومن حكمة وهي أيضاً كل ما صنعه الحداد !  القبلية عين مستيقظة لا تنام أبداً، لكنه تغفو حين تقرر أن تنام، الأنا هي المعلم لأبرز لكن الآخر هو الموقر باستنمرار، الحلول تبدو مستحيلة بيد أنها في متناول اليد وكل ما هو في متناول اليد يبدو بعيد المنال !!

هكذا كنت في مواجهة هذا الالتباس لشهرين في الدوحة فعز التواصل مع القارئ وفضلت التتلمذ على دارفور مشكلة وأزمة وتراثاً وثقافة وحالة إنسانية.

أعود مجدداً لكنف الحبر بكل كبريائه المستهدفة وصل الدم بالكلمات لأطل من (آخر لحظة) التي تقبل رئيس تحريرها اعتذاري حين كتبت قبل شهرين (دعوني أجتجب) لنواصل بمحبة وذهن مفتوح وصدر متسع، قضايا بلادنا التي تنمو تحت قطرات الدم.

 

 

*  نقلاً عن صحيفة (الأحداث)

 

آراء