أقتلوا من قتل الكلب.. قالَ أبوهُم 

 


 

 

مات الرجل الحكيم بعد أن رأى كل ثروته تُنهب لأن أولاده لم ينفِذوا أمره. لم يقتلوا من قتل كلبهم. أما نحن فقتلة كلبنا ما زالوا يمشون بيننا مطمئنين غانمين بعد أن أشبعوه قتلاً منذ تفاوضهم ثم فيما فعلوهُ بالوثيقه وبعدها جلسوا لعامين على رؤوسنا ونحن ننصحُ لهُم لكنهم أبوا أن يقتلوا من قتل الكلب. إنفردوا بالسلطه وأدركوا كل نعيمها الزائل وأقصوا كلَ من لهم علاقه  بالثوره ثم تداعوا أخيراً إلى قاعة الصداقه.. تداعوا إلى القصعةِ ووقَعوا بأقلامهم المغموسةُ  في أوجاعنا ورقصوا حينها  كما لم يفعل البشير.

لم ألوم عسكر اللجنه الأمنيةِ  يوماً ولن ألومهم. لن ألوم أُناساً لا ضمائرَ لهُم يخافون على رقابِهم من أفعالهم ومن أجل مصالحهم ولا شأن لهم بثورتنا  وفي ذلك يقول المثل أن " الرجال اليائسين يأتونَ أموراً يائسه "  ولكني " أبكي " من أجل بلدٍ أرهقه مدنيوه الَذينَ لم ينظروا إلَا لمصالحهم ومضوا إليها وفيها واستيقنتها أنفسُهم وانتظرونا اليوم سبتمبر 26 لكي نأتي مرَةً أخرى لِنَحمي " أمجادَهُم " الزائفه التي لا وجودَ لها إلا في عقولِهِم وننتصر لخيباتهم و نبصم بالعشره على إستمرارهم حكَاماً على هوانِنا. إنتظروا طلائع شبابنا بعد عامين من الجلوس التحاصصي على هرم السلطه ونصبوا السُرادِقات ووُضِعت أمامهم مكبرات الصوت بأنواعها وزَيَن الهتيفةُ المشهد وارتفعت العقائر بكل أنواع الوعود والجحود واستدرار الحناجر والبطولات الدونكيشوتيَة الخائبه . لم يتحدث إلينا أحدٌ منهم عن السيده عائشه موسى لماذا رحلت ولم يخرج إلينا أحدٌ منهُم ردَاً على ما صرحت به وهي تضع إستقالتها المسببه بكل ما يُشينُهم حين قالت إنهم " مدنيي السيادي " عباره عن سلطةٍ تنفيذيه تأتَمِرُ بأمرِ العسكَر.. هم جميعُهم  من أعلا أهراماتهم حتى أدناها مسؤولون عما نحن فيه الان وليس أحدٌ سواهم.

ما أقسى..

ما أقسى أن يتمسَكوا بك على مضضٍ فقط لأنَ الجانب الاخر من المشهد يبدو أكثر قتامةً إن أنت رحلت. وما أقسى أن تشغل منصباً عامَاً لمدةٍ تكفي وتزيد للحكم عليك وتأتي النتيجة " لم ينجح أحد ". ما أقسى أن تبقى تُهوِمُ في عوالمك الخاصه مبتعداً عن هموم من وضعوا كل ثقلَهم عليك لتكون خط دفاعهم الأول وهم يصطفُون خلفك ويأملون فيك للحفاظ على ذلك الإصطفاف وبعث الروح فيه وإعادة الروح لمن إنهزمت فيهم الروح.

قبلوا بك وتفاءلوا بك ولم يتوقفوا عن نُصحك ونبَهوك لتحذر من هم حولك لكنك مضيت في طريقك لا تلوي ضارباً بتململهم أولاً ثم بصوتهم المرتفع ثم بغضبهم المستحق عرض الحائط ومضيت موغلِاً في سياساتك التي ما زادت المسافة بينك وبينهم إلَا اتِساعا فاستعصى الرتق كل ذلك بدلاً من أن تتواجد حيث هذا الشعب الذي لم تُعانِ ما عاناه طوال ثلاثين عاماً. لم تستمع لصوت عقلٍ واحدٍ وأقصيت كل من يُبكيك كلامهم واعتمدت على شللياتك رغم تحذيرات الاخرين وعلى أحزابٍ لم تكن حقيقيه يوماً فصنعت لها من تقريبك لها شأناً وتم تعيين منتسبيها بلا كفاءه وبلا خبره فحافظوا على إرث الإنقاذ الذي تركته فينا. لم يتغير شيئ فما زلنا ليس أكثر من شحاذين على عَتباتِ السلاطين ومؤتمرين بتوجيهات الدول الأخرى . تركت كل أعوان الانقاذ في مواقعهم يكيدون للوطن. رغم رمزيتك قمت بزيارة قوات الدعم السريع التي قتلت بغير رحمه واغتصبت وأحرقت وشرَدت دونَ أن يَرِفَ لها جفن، وقد تمت زيارتك في توقيت غريب تزامن مع  زج ثوار ام بده في الحراسات لانهم هتفوا ضد زعيم الدعم السريع. ومن جهةٍ أخرى يستمر تعيين الفلول في مناصب الدوله ولولا يقظة الشعب لفقدنا الكثير. وعندما تعكَرَ الأفق بالعسكر والجنجويد  وأحزاب المحاصصات وفاحت روائح الإنقلابات  والبارود لم يكن منكم إلَا ان ناديتم عليهم والهلع يعصف بكم أن هلموا لحماية ثورتكم. نسيتم أنكم قد نسيتموهم لعامين ونصف. صممتم اذانَكم  ونسيتم دماء زملائهم وأعنتم لجان التحقيق في تقاعسها وأخَرتم المجالس التي كانت ستحمي الثوره في التشريع وفي القضاء والنيابه واحتفلتم  بإتفاقياتٍ جعلت من العاصمه ترسانة سلاح ولم يحرك ساكنكم انتشار النهب والسلب والقتل والغلاء والموت المجاني في كل أنحاءِ الوطن.

كان الإجماع حولك مدهشاً وبقدر زخَمِهِ ذاك فقد تحول الان إلى النقيض فهذا شعبٌ يا سيدي قد جُبِلَ على الحكمةِ والبصارَه أُمِيوهُ أعلمُ من حَمَلة الشهادات . لم تدخل قلوبهم لأنك لم تخرج إليهم يومَ وقفوا ببابِكَ ليبُثوكَ همومَهُم في الدار التي أجلسوكَ فيها ولما لم يُعجبهم ذلك أحضرتَ لهم الشرطه ففرقتهم بإلهراوات. أخبرني يا سيدي لماذا نَصبِر وعلى ماذا نصبر؟ استيقظت الشرطه اليوم لتقمع تظاهرات السوق العربي الرافضه للإنقلابات العسكريه وأنت وحاضنتك في سباتكم الأبدي بدلاً من أن تكونوا في قيادة هذه المظاهرات.

خرجت من قلوبهم لأنك لم تجلس معهم على الأرض لتُدخِل يدك معهم في طعامهم البسيط في نفس القدح الذي ، مثلهم ، قد تربيت به ولم تشهد إحتفالات ثوارهم ولم تهتف معهم من القلب مدنيااااااااو.

سيدي ما أقسى أن تبحث عنهم الان. ما أقسى أن تُطلِقَ النداءات حينَ البأس وأنت قد بِعتَهُم بثَمَنٍ بَخس.أبعدتهم وقرَبت المحاصِصين والباحثين عن مصالحهم وراكبي الموجه وأوصدت كل الدروب التي تقود إلى إنصافهم.الثورةُ ليست في خطرٍ بسبب العسكر وإنَما هي في خطرٍ بسببكم أنتم. هي في خطرٍ بسبب هوانِكم وتراخيكم وبيعكم وتحاصُصِكُم وخيباتِكُم وضعفكم وما أقسى أن تسمع كل ذلك ولا يحركك فتتقدم بإستقالتك اليوم بدلاً من أن يُقذفُ بك في هَوانٍ غداً فهؤلاء الشباب يُمَيِزون بين الطيِب الذي قَدَرَهُ أن يمكُثَ في الأرض وبين الغث الذي لا حيلَةَ أمامَهُ سِوى أن يَذهَبَ جُفاءً.


melsayigh@gmail.com

 

آراء