ألفاظ اللهجة السودانية في لغة القرآن …. بقلم: عبد المنعم عجب الفيا

 


 

 

alfaya15@hotmail.com
هذه دراسة لغوية مقارنة الغرض منها اجلاء الوهم القائم في الاذهان كون ان هنالك الفاظ  في اللغة -  اصطلح علي تسميتها بالفصحي - هي التي ينبغي ان نستعملها في لغة الكتابة ، وان الفاظا اصطلح علي تسميتها بالعامية او الدارجة هي التي ينبغي استبعادها عن لغة الكتابة والمخاطبات الرسمية .
يكشف هذا المسح  ، ان   كثيرا من الفاظ الكلام التي نظن انها عامية ولا تصلح للغة الكتابة  ،قد وردت  في القرآن الكريم . الامر الذي يجعل استبعاد هذه الالفاظ عن لغة الكتابة بحجة  كونها غير فصيحة،  لا اساس له .
في أحد الرمضانات الفائتة  قرأت المصحف من البقرة الي الناس قراءة استقصائية لرصد الالفاظ التي نستخدمها في لغة الكلام ولا نستخدمها في لغة الكتابة ظنا انها غير فصيحة ولا تصلح في الكتابة . فخرجت بهذه الحصيلة التي  ربما تشكل هذه نماذج فقط ولا تغطي كل الفاظ الكلام المهجورة في الكتابة .
كما انني خرجت من هذا المسح بجملة من علامات الاستفهام حول نظام التعليم العام للغة . فالتلميذ ياتي الي المدرسة  وفي ذهنه انه الان فقط ، يبدا تعلم اللغة وان كل ما تعلمه من قبل بالبيت لا علاقة له باللغة الفصحي . فيرغم ارغاما علي تعليق ما تعلمه بالبيت ووضعه (بين أقواس ) . لكنه ريثما يتكشف له فيما  ان الفرق  ليس كما كان يتصور ولكن بعد فوات الاوان وبعد ان تكون الشقة بينه وبين ما تعلم من اهله في الصغر ، قد بعدت . فيصبح كالطاؤؤس الذي فقد شكل مشيته . هذا يذكرني الان  بتعليق  للدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه ، في محاضرة عن اللهجة السودانية قدمتها بالنادي السوداني بابوظبي ، قال الدكتو الفاضل ، انه لاحظ ان الناس كانت في الماضي  اكثر " فصاحة " من اجيال اليوم . فقلت له ربما يعود ذلك في جانب منه الى النظرة التعليمية   والى سيادة لغة الاعلام الذي يعمل على نشر لغة نمطية موحدة  ، وتغول لغة المدينة  . وهنالك اسباب اخرى كثيرة ربما نخصص لها مساحة أخرى
 *   *  *
- نقول للشيء فاقع اللون. وفقع النوار ونواره فقع 
  قال  تعالي : " بقرة صفراء فاقع  لونها تسر الناظرين " – البقرة - 69الاية
 والفاقع في كلامنا هو الفاتح . وهو كذلك في لسان العرب حيث جاء : الفاقع الخالص الصافي من الالوان اي لون كان  . يقال : اصفر فاقع .
- نقول أغلف ، اي   لم يختتن . و فتاة  غلفاء . و لسانه اغلف اي لا يبين لعجمة في لسانه .
قال تعالي : " وقالوا قلوبنا غلف " - البقرة – 88
الغلاف : غطاء وغشاء . وكل شيء في غلاف فهو أغلف . اذن  قلب أغلف كانه مغشى بغطاء فهو لا يعي شيئا .
- نقول زح يزح بمعني ابتعد يبتعد  قال تعالي : " وما هو بمزحزحه من العذاب ان يعمر " -البقرة  96
جاء في لسان العرب : " زح الشيء يزحه زحا : جذبه في عجلة وزحه يزحه زحا،  وزحزحه فتزحزح : دفعه ونحاه عن موضعه فتنحي وباعده  منه .
 - نقول للقمر شهر وهذا المعني وارد في القرآن . قال تعالي  : " ومن شهد منكم الشهر فليصمه "
البقرة – 185
قال ابن منظور في اللسان : الشهر: القمر ،  سمي بذلك لشهرته وظهوره . قال ابن الاثير الشهر: الهلال ، سمي به لشهرته وظهوره . قال  ابن الاعرابي : سمي القمر شهرا لانه يشهر  به .
- الحول في كلام أهل السودان هو السنة . قال ود بادي : يمر الحول والحول بزول وحولي اسم علم مذكر . قال تعالى : " الوالدات يرضعن اولادهن حولين  كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة " –البقرة  233
- أهل الريف والقرى والبوادي يستعملون كلمة البيع في معني الشراء والبيع على السواء . يقول الواحد منهم : بعت ، اذا اشتري .
 وقد وردت البيع  في  القرآن بمعني الاثنيين : " وقالوا البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا " – البقرة 275
قال ابن منظور في لسان العرب : " البيع ضد الشراء والبيع الشراء ايضا ، وهو من الأضداد . وبعت الشئ : شريته والابتياع الشراء . وفي الحديث : لا يخطب الرجل علي خطبة أخية ولا يبيع علي بيع أخيه ، قال ابو عبيد : كان أبو عبيدة وابو زيد وغيرهما من أهل العلم يقولون انما النهي في قوله لا يبيع علي بيع أخيه ، انما  هو لا يشتر على شراء أخيه ، فأنما وقع النهي علي المشتري لا علي البائع لان العرب تقول بعت الشيء بمعني اشتريته ، قال ابو عبيد : وليس للحديث عندي وجه غير هذا . قال الازهري : قال أبو عبيد البيع من حروف الاضداد في كلام العرب . يقال باع فلان اذا اشتري وباع من غيره ، وأنشد قولة طرفة :
ويأتيك بالانباء من لم تبع له
نباتا ولم تضرب له وقت موعد
أراد من لم تشتر له زادا
وقد باعه الشيء وباعه منه بيعا ، قال :
اذا الثريا طلعت عشاء
فبع لراعي غنم كساء
- نقول يغرف "الملاح"  اي ياخذ منه بالمغرافة . ويغرف الماء من الارض ( كردفان )  اي يملأ آنيته  منه .
، قال تعالي  : " الا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه الا قليلا " – البقرة 249
جاء في لسان العرب : " غرف الماء والمرق ونحوهما يغرفه واغترافه واغترف منه . وفي الصحاح : غرفت الماء بيدي غرفا . والغرفة (بالضم والفتح ) ما غرف وقيل الغرفة المرة الواحدة . والمغرفة : ما غرف به . ونحن نقول المغرافة .
- نقول هذا شىء ممحوق اي لا بركة فيه . قال تعالي : " يمحق الله الربا ويربي  الصدقات " – البقرة 276
جاء في لسان العرب :
"المحق : النقصان  وذهاب البركة . وتمحق الشيء وامتحق . وشيء محيق : ممحوق . قال تعالي : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " اي يستاصل الله الربا فيذهب ريعه وبركته وفي حديث البيع : " الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة ".
- نقول شعره منفوش وينفش الشيء اي يبعثره
قال تعالي : " كالعهن المنفوش "  اي كالصوف المنفوش .
وقال تعالي : " نفشت فيه غنم القوم " . اي بعثرته .
وبتاثير من اللهجات الاخري صرنا نقول منكوش
- نقول نقر ينقر نقرة
 قال تعالي : " فاذا نقر في الناقور " – المدثر 8
نقر ينقرالطائر( الارض )  بمنقاره .
والنقرة  بالضم ، حفرة او وهدة في الارض ( كردفان )
وفي لسان العرب : المناقرة : المنازعة . وقد ناقره اي نازعه . والمناقرة مراجعة الكلام بيني وبينه مناقرة او نقار.
و في اللغة الامهرية الحبشية ، المناقرة الكلام مطلقا . تناقر وتناقري اي تكلم وتكلمي
- نقول نبز ينبز بمعني اساء  يسيء .يقال فلان نبزني اي شتمني
قال تعالي : " لا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان " - الحجرات 
الآية  لا تنهي عن التنادي بالالقاب مطلقا كما هو الفهم الشائع وانما تنهي عن الالقاب البذيئة والذميمة التي يقصد منها الاساءة ولا يرضاها من ينادي بها  . لذلك قال بئس الاسم الفسوق . فكثير  من الناس ينادون  بالقاب بذيئة لا يقبلونها . لقد فهم  دعاة  التاصيل والمشروع الحضاري الآية خطأ فمنعوا ألقاب لاعبي الكرة ، فالآية لم تنه عن  المناداة بالالقاب مطلقا وانما نهت عن الالقاب الذميمة
يقول ابن منظور : و التنابز : التداعي بالالقاب وهو يكثر فيما اذا كان ذما
- حجاز في كلامنا بالتشديد من حجز يحجز : الذي يفصل بين منتازعين او متقاتلين . وهي صيغة مبالغة من حاجز .
يقول تعالي : " فما منكم من أحد عنه حاجزين " – الحاقة 47
قال صاحب اللسان : الحجز بين الشيئين ، حجز يحجز بينهما حجزا واسم ما فصل بينهما : الحاجز . الأزهري : الحجز ان يحجز بين مقاتلين .
 - نقول  سوى يسوي بمعني يعمل او ينجز او يكمل . وبتاثير من اللهجة المصرية حلت يعمل مكان يسوي.  قال تعالى :" ونفس وما سواها "
 وقال :  فسواها ولا يخاف عقباها  "- الشمس .
وقال : " فاذا سويته ونفخت  فيه من روحي "
قال : "   استوي الي السماء فسواهن سبع سموات "
وبتاثير من اللهجة المصرية حلت يعمل مكان .
- نقول:  قفل يقفل اقفالا فهو مقفول ، بمعني اغلق يغلق اغلاقا وهو مغلق .
قال تعالى : " ام علي قلوب اقفالها " – محمد 24
اغلب العرب يقول سكر يسكر فهو مسكر اي مغلق
يا ليتنا لو التزمنا بلهجتنا وقلنا التلفون مقفول بدلا عن مغلق او مسكر .
- قل يقل قلا في كلامنا بمعني :  يرفع ، يحمل
تقول اغنية المردوم او المردوع : الجنزير التقيل البقلها ياتو .
يقولون في لغة الكتابة : اقلته العربة ، اي حملته .  
قال تعالي : " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلت سحابا " – الاعراف – 57
- نقول يلقف اى ، ياكل و يبتلع بنهم . وتستعمل مجازا بمعني ينهب او يختلس المال العام
قال تعالي : " واوحينا الي  موسي الق عصاك فاذا هي تلقف ما يافكون – الاعراف 175
وفي لسان العرب:  اللقف  : تناول  الشيء بسرعة باليد او باللسان
- يقولون في كردفان : عرب سيارة اي عرب رحل .
وقد وردت الاولي في القران . قال  تعالي : " وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة " – يوسف 10
وقال : " وجاءت سيارة فارسلوا ورادهم فادلي دلوه قال يا بشرى هذا غلام .." – يوسف 19
وقال : " احل لكم صيد البحر متاعا لكم وللسيارة " – المائدة 96
- نقول أعوج وعوجة . ضلع أعوج وعود أعوج ودرب أعوج وكلام أعوج
يقول ابن منظور في لسان العرب : " العوج ( بالفتح ) الانعطاف فيما كان قائما كالرمح والحاط وكل ما كان قائما يقال فيه عوج . والعوج بالفتح مصدر قولك عوج بالكسر فهو أعوج والاسم العوج بكسر العين . في التنزيل :  " والحمد لله الذي انزل علي عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا "
عوج الطريق (بالكسر ) وعوجه ( بالفتح ) : زيغه . وعوج (بالكسر ) الدين والخلق : فساده وميله وأعوج لكل شيء مرئي ،  والانثي عوجاء ، والجماعة عوج ." .
كما ورد في قوله تعالي : " قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سيل الله من أمن تبغونها عوجا " 
- نقول ولده جابوه من صلبه .
قول تعالي :" وابنائكم الذين من أصلابكم " – النساء 81
- نقول فلان راجل مذبذب في كلامه اي غير صادق في قوله اوغير  ثابت علي موقف واحد
قال تعالى : " مذبذب بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الي هؤلاء "
- نقول قاعد بمعني ماكث باق في مكانه غير مغادر .
قال تعالى :" فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون "  - المائدة 24
- نقول سرح يسرح بالبهائم فهو سارح اي يرعي فهو راعي .
قال تعالى : " ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " – النحل
 جمال هنا بالفتح وتريحون من الراحة  اي حين تستريحون
قال ابن منظور في اللسان : سرحت الماشية تسرح سرحا وسروحا . والسارح الراعي والسارحة الماشية التي تسرح ، والمسرح المرعى .
 .. يتبع
 المصادر :
- المصحف الشريف
- المعجم المفهرس لالفاظ القران الكريم
- معجم لسان العرب لابن منظور.
- معجم الصحاح للجوهري
- معجم تهذيب اللغة للازهري
- المفردات في غريب القرآن- الراغب الاصفهاني . 
 
 

 

 

آراء