أمام بوابة متحف التاريخ: الانقلاب الأخير ؟ أم انتهاء صلاحية الأحزاب ؟!. بقلم: عزالدين صغيرون

 


 

 

لم يترك البرهان للأحزاب من خيار. إما أن يتوحدوا مع لجان المقاومة وقوى الثورة الحية ويمضوا إلى النهاية، ويكون هذا هو الانقلاب الأخير، ونهاية تسيّس المؤسسة العسكرية وخروجها نهائياً بلا عودة من الفضاء السياسي، لتتفرغ لأداء مهامها المنصوص عليها دستورياً، تحت سلطة الشعب. وإما أن يواصلوا مسلسل خلافاتهم الصبيانية، التي لا ترقى إلى مستوى التحديات التي يواجهها السودان، ويكون في ذلك نهاية هذه الأحزاب بانتهاء صلاحيتها لتطوى صفحتها، وإحالتها إلى متحف التاريخ. وتدشين مرحلة مفصلية جديدة في تاريخ الدولة السودانية، لن تكون بأية حال جزء منها.
لقد أغلق البرهان، ومكون البشير/ العسكري/ الإخواني، وحميدتي الباب تماماً أمام أي توافق، أو تسوية أو حلٍّ سياسي، وهذا ليس مفاجئاً لمن له ذرة عقل، وقد قالها حميدتي صريحة بأنهم لن يتركوا السلطة والثوار يشحذون سكاكينهم.
ولم يعد، أمام العسكر من خيار سوى المضي قدماً إلى الأمام، وقلب الطاولة على الجميع، عملاً بالمثل القائل: "إن غلبك سدها وسِّع قدها". – ويقابله من الجانب الآخر من اللجان شعار "الرهيفة التنقد" – وهذه أيضاً أوضحها البرهان صريحة بما يكفي في خطابه بتنحي العسكر من مفاوضات الآلية الثلاثية، وتشكيل مجلس عسكري أعلى، بين يديه مفاتيح كل السلطات العسكرية والأمنية والشرطية وملف السياسة الخارجية وبنك السودان. وكما قال سيف الدولة حمدنا الله (وهو قانوني ضليع) " أن سلطة المجلس العسكري (بديل السيادي) سوف تنسحب تلقائياً على القضاء والنيابة، حيث أن السلطة على هذين الجهازين تكون ملازمة للجهة التي تُمثل رأس الدولة، ولا يجوز تبعية أي من الجهازين لمجلس الوزراء تحت أي ظرف من الظروف". علماً بأن سلطة المجلس سوف تشمل - ضمن أشياء أخرى - عزل وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، كما تشمل مستقبلاً إعتماد قرارات مجلسي القضاء والنيابة إذا قامت لهما قائمة".
فماذا أبقي للجهاز التنفيذي إذن – حتى لو تشكل من حلفاءه – من صلاحيات الحكم وإدارة الدولة ؟.
فهل هذه الأحزاب وقادتها بهذا المستوى من الغفلة وعدم المسؤولية ؟.
لقد وضع البرهان ولجنة البشير الأمنية والكيزان وحميدتي ومليشياته السودان في منزلق خطر، ووضع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكافة قطاعات الشعب السوداني في كل مناطقه، أمام محك وتحدٍ صعب، وفي مواجهة اختبار وجودي غير مسبوق في تاريخ الدولة.
وما لا يدركه قادة الأحزاب والنخب التي ظلت تتداول السلطة والنفوذ أن السودان يمر هذه اللحظات بمخاض ميلاد جديد، ومثل كل مخاض، هو صعب، وعسير، يحبل بالاحتمالات ويكتنفه الخطر. وأن الأمل معقود على شباب هذا البلد من الجنسين، فهم الذين أشعلوا فتيل ثورة التغيير، وهم الذين يدفعون ثمن التغيير من أرواحهم بشجاعة ونبل، ولا تنقصهم قوة الإرادة والعناد "وقوة الراس" ، وعلى استعداد لأن يواصلوا زحفهم لبناء مستقبل الدولة على نحو يحقق حلمهم.
وقد ظلت الأحزاب والنخب التي تمتعت بالدولة القديمة، وتلك التي تحلم بوراثتهم تترددان في اللحاق بموكب التغيير والنصر، تقدمان رجلاً وتؤخران رجلاً، ما بين التفاوض مع العسكر والفلول وحميدتي ليصيبوا شيئاً من ما يجود به عليهم الانقلابيون من فتات السلطة، وما بين السير على أطراف مسيرة الثورة والثوار عسى أن يختطفوا السلطة منهم، مثلما دأبوا منذ الاستقلال.
والآن تقف هذه النخب والأحزاب أمام الاختبار قبل أن يطوي تاريخ السودان السياسي والاجتماعي صفحته ويفتتح صفحة جديدة، تحتاج لاعبين جدد، بوعي جديد.
هذا هو الحاصل اليوم.
وهذا هو السؤال/ التحدي، (الذي يعني "فرصة") أمام بوابة التاريخ:
- الانقلاب الأخير ؟، أم انتهاء صلاحية الأحزاب وذهابها إلى متحف التاريخ ؟؟.
لم يعد أمام الجميع من خيار ثالث.
العسكر (أو الطغمة الانقلابية) تدرك ذلك وتعمل عليه.
فعلى الأحزاب والنخب وقوى المجتمع المدني وكافة قطاعات الشعب المترددة والوجلة منها، وفي المدن والقرى ومعسكرات النزوح أن تجيب على هذا السؤال ، وتعمل هي أيضاً عليه.
أما آن إيقاف هذا العبث بأرواح الناس، ومستقبل الأبناء والبلاد، لتستشرفوا آفاق الحرية والحياة الكريمة، والعيش برفاه والتمتع بخيرات وطنكم ؟؟.

izzeddin9@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء